الانتخابات البلدية الفلسطينية.. مفاجأة حماس وارتباك فتح!

فأجأت حماس السلطة الفلسطينية وحركة فتح؛ بإعلانها المشاركة في الانتخابات البلدية التي قرر الرئيس الفلسطيني محمود عباس إجراءها في تشرين الأول/ أكتوبر هذا العام. وكانت أوساط السلطة وحركة فتح قد قدرت أن حماس لن تشارك في الانتخابات بعد أن قاطعتها عام 2012 ومنعت إجراءها في قطاع غزة، في ظل استمرار الحملة الأمنية ضد نشطائها في الضفة، الأمر الذي قد يؤثر بشكل واضح على نتائجها المحتملة في الانتخابات.

كما أن السلطة قدرت أن الجمهور في قطاع غزة بات زاهدا في الحركة بعد الحروب التي شنتها إسرائيل ضده، وأن هذا الجمهور سيعطي معظم أصواته لحركة فتح، أملا في تدفق المساعدات الدولية على غزة.

وقد اندلع بالفعل جدل داخلي في حماس حول جدوى المشاركة، حيث كان الرأي الغالب في غزة ضد المشاركة، خوفا من النتائج السلبية وإمكانيات تعرض هذه الانتخابات للتزوير، فضلا عن إمكانية وقف الدعم الغربي للبلديات التي تفوز بها حماس، الأمر الذي سيؤثر بشكل سلبي على مشاركة حماس في انتخابات التشريعي والرئاسة مستقبلا، ويسحب بساط هيمنتها في غزة ويمهد لإضعافها ونزع سلاحها هناك. وهذا ربما يكون هو أحد أسباب إعلان حركة الجهاد عن مقاطعة هذه الانتخابات.

أما نشطاء حماس في الضفة الغربية فقد مالوا نحو المشاركة أملا في تخفيف الضغط الأمني عليهم من قبل السلطة وإسرائيل، عبر التمترس بمؤسسات شرعية تؤمن الحماية السياسية لهم إن هم فازوا في انتخابات لا تحمل بعدا سياسيا، وإنما تقتصر على البعد الخدماتي. ومما عزز هذه الرؤية وجود سخط عام على السلطة؛ لأنها لم تتمكن من تحقيق إنجاز سياسي للفلسطينيين، وتفشي حالة الفساد والمحسوبية في مؤسساتها، والخلافات التي تعصف بها.

وربما قدرت حماس في الضفة أن انبثاثها الشعبي في أوساط الفلسطينيين، وحصولها على ما يقارب 70 في المئة من أصوات الناخبين في انتخابات 1996، فضلا عن إمكانية ترشيح أسماء ليست بالفاقعة؛ للانتخابات، سيعزز من فرص تحقيقها نتائج ملموسة في الانتخابات، وسيطلق يدها من جديد لقيادة مؤسسات ستحصل على دعم من الاتحاد الأوروبي في ظل الحملة التي أدت لإغلاق جمعياتهم التي كانت تقدمها لقيادة الشعب الفلسطيني.

ويبدو أن رؤية المشاركة قد تغلبت على المقاطعة في حماس مع تخيير كل منطقة؛ بانتقاء شكل وأسلوب المشاركة، سواء عن طريق القائمة المغلقة أم المفتوحة أو دعم شخصيات معينة.

مجازفة لحماس

ومع كل ذلك، يبدو أن حماس تخوض مجازفة حقيقية، في ظل عدم وجود تقدير حقيقي لاتجاهات الناخب الفلسطيني (أجرت وكالة شهاب مؤخرا استطلاعا للرأي شمل عشرات الآلاف من الفلسطينية، أظهر رجحان كفة فتح، مع نسبة عالية قالت إنها لن تعطي أيا من الطرفين). أضف إلى ذلك، عدم وجود ضمانات كافية بنزاهة الانتخابات وعدم تدخل الاحتلال من خلال ممارساته الأمنية للتأثير فيها، فضلا عن عدم وجود ثقة كافية بأن الدول الغربية ستتعامل مع نتائج هذه الانتخابات في حال فازت حماس بها. وعلى الأرجح أن تلجأ حماس لقوائم مهنية وشعبية بدلا من ترشيح شخصيات مصنفة، لمحاولة تأمين أكبر دعم لقوائمها الانتخابية، وتجنب قطع الدعم الدولي عن بلدية معينة تحت مبرر هيمنة حماس عليها.

وفي هذا السياق، يبرز تساؤل عن مصداقية وعود السلطة بنزاهة الانتخابات، وهو ما تحقق - نظريا على الأقل - بالتزامات قدمتها لجنة الانتخابات المركزية، ولكن ذلك يظل مرهونا بالممارسة العملية على الأرض، وهو ما سيحدد مصير الانتخابات.

إلا أن نتائج هذه الانتخابات التي قد ترجح كفة فتح قد تضعف حماس في الانتخابات السياسية، إذ تريد السلطة إجراء هذه الانتخابات بمعزل عن عملية المصالحة واستمرار حالة الاحتقان السياسي والحملة الأمنية ضد حماس.

ارتباك فتح

أما من ناحية السلطة الفلسطينية، فقد تساوقت مع مخطط إسرائيلي - وربما غربي أيضا - يقضي بإشغال الساحة الفلسطينية بالانتخابات، ولفت الانتباه عن مقاومة الاحتلال، وذلك لإنجاح العملية السياسية المتعثرة، وعزل حركة حماس في الساحة ومحاصرتها. وربما تكون حماس قد قلبت الطاولة على هذا الترتيب، ودفعت السلطة وإسرائيل للتخوف من نجاح هذه الحركة فيها.

وهذا التخوف يبدو أنه أحدث خلافات في تنظيم فتح حول المضي قدما في إجراء الانتخابات، أو الإعلان عن تأجيلها لقطع الطريق على حماس. ومن غير المعروف حتى الآن إلى أي الخيارات ستلجأ السلطة، وما هي المبررات التي ستستند إليها في حال قررت اللجوء للتأجيل.

وتعاني فتح من انقسامات حادة أدت في انتخابات 2012 لخسارة بعض قوائمها الانتخابات أمام أعضاء من الحركة شكلوا قوائم تضم مستقلين، يضاف أضيف لذلك منافسة حامية الوطيس في 2016 مع حماس، دون أن تتمكن هذه الحركة من لملمة شتاتها.

وتزداد صعوبة الأمر في ضوء الصراع بين أبي مازن ودحلان، وإصرار هذا الأخير على أن يكون لأنصاره مشاركة إما على قوائم فتح أو اللجوء للقوائم المستقلة، وهو الأمر الذي بات راجحا بعد منع أنصاره من الترشح على قوائم فتح، ما سيضعف الحركة أمام حماس.

ويشكل حسن إدارة المعركة، بما في ذلك احتواء خلافات فتح، عاملا محددا مهما في فوز أي طرف بها.

وبانتظار ما إذا كانت الانتخابات ستمضي قدما أم لا، فإن القضية الفلسطينية ستبقى منشغلة بالصراع مع العدو، فيما تستمر عملية التسوية في المراوحة في مكانها.