بينما يؤكد المختصون بالشأن
الاقتصادي المصري أن البلاد تمر مصر بظروف اقتصادية في غاية السوء، يُرجع مراقبون هذا الوضع إلى تركيز قائد الانقلاب عبد الفتاح
السيسي على طموحات شخصية، على حساب تحقيق تنمية حقيقية، إلى جانب افتقاد الرؤية الاقتصادية التي تشجع على خلق الاستثمارات، وتقوم على أساس إصلاح القوانين ومحاربة الفساد، وفق خبراء ومحللين.
وفي هذا السياق، يرى المحلل الاقتصادي، ممدوح الولي، أن "الواقع العملي يؤكد سعي السيسي لبناء مجد شخصي على حساب
مشاريع تنموية حقيقية. فمثلا تفريعة قناة السويس.. الكثير من خبراء الملاحة نبهوا إلى أنه لا حاجة لها في الوقت الراهن. وكذلك العاصمة الإدارية.. طالب الكثير من أساتذة التخطيط العمراني بتأجيلها، وإعطاء الأولوية للعشوائيات".
فقاعة المشاريع
وأضاف الولي لـ"عربي21": "أيضا مشروع الواحد ونصف مليون فدان، الذي كان مخططا له أن يكون أربعة ملايين فدان، لم ينجز منها سوى 10 آلاف فقط، في واحة الفرافرة، وسط تحذير خبراء زراعيين من فشله بدون ضمان مصدر دائم للمياه".
وذهب إلى القول: "هناك إصرار عجيب على تبني مشاريع براقة، بغض النظر عن العوامل الاقتصادية الغائبة فيها". ولفت إلى أن "السيسي عندما جلس مع (محمد حسنين) هيكل عقب الانقلاب العسكري، صوّر له أن الحل في طريقة عبد الناصر، بإطلاق مشاريع بأسماء رنانة، ولكنه تجاهل عوامل الزمان والظروف".
ولفت إلى أن "مصر تعاني من أزمة سيولة، وأزمات داخلية وخارجية، وهناك أولويات أكثر إلحاحا كتطوير النواحي التعليمية والصحية، وبناء الإنسان المصري على أسس علمية صحيحة، والتركيز على الإنتاج الصناعي والزراعي"، مشيرا إلى أن "الزهو والفخر يستند إلى أعمال وليس شعارات"، بحسب تعبيره.
البناء على الرمل
أما أستاذ الإدارة الاستراتيجية بجامعة الأسكندرية، والخبير الدولي في الإصلاح المؤسسي، أحمد صقر عاشور، فقد عاب على سلطة الانقلاب "إعطاء الأولوية للمشاريع الكبرى، على مكافحة الفساد، وإصلاح المنظومة الإدارية"، مؤكدا أن "هذه المشروعات وحدها لاتصنع التنمية".
وقال لـ"عربي21": "كل المبادرات الاقتصادية، من منح أو مساعدات أو قروض، كان لا بد أن يكون لها أرضية من الإصلاح التشريعي والمؤسسي والحكومي، لتهيئة مناخ أفضل للأعمال والاستثمار والتجارة والصناعة، وهو ما لم يحدث".
وحذر من غياب الرؤية الاقتصادية، قائلا: "حتى هذه اللحظة لا يوجد برنامج واضح، يشجع ويحفز المبادرات التي تستهدف تنشيط الوضع الاقتصادي المثقل بالأعباء، فلدينا جهاز حكومي مترهل، وفساد يعم جميع أجهزة الدولة، ومسؤولون مثقلون بالخمول، ومستثمرون مصابون بالإحباط سواء بالداخل أو الخارج"، كما قال.
ورأى عاشور أن جانبا من الأزمة تكمن في "أولوية الإنفاق على التطوير والتنمية، أو المشاريع الكبرى، التي يظهر أثرها على المدى البعيد، ويسهل اتهامها بأنها لصنع مجد شخصي"، واعتبر أن السرعة في إنجازها "زاد من تكلفتها بشكل كبير".
شرعية مزيفة
أما مدير إدارة القانون الدولي والمعاهدات الدولية في وزارة الخارجية سابقا، السفير إبراهيم يسري، فقد وضع "مشاريع السيسي" في سلة "التصريحات الجوفاء، والكلام المعسول". وقال لـ"عربي21": "لا يوجد ما يشير إلى أن هذه المشروعات ستكون ناجحة، أو تأتي أُكلها".
وأرجع يسري اهتمام السيسي بترديد كلمة "الإنجازات" إلى رغبته "في الاستمرار على رأس الدولة، ولدعم صورته، من خلال خزينة لا يوجد فيها أموال تغطي تكلفة تلك المشروعات"، وأوضح أن هذه المشاريع "لم تزد في شعبيته، بقدر ما جلبت عليه غضب الناس وسخطهم".
وشدد على أن "التصريحات لا تقيم دولة، ولا ترضي شعبا، وتلك المشاريع لا علاقة لها بالتنمية"، مضيفا: "هي باختصار عملية سياسية لكسب تأييد شعبي مؤقت، ولكن بعد اكتشاف الحقيقة، سيكون الواقع مرا، هذه الأموال تستنزف أموال المصريين"، وفق تأكيده.
السيسي وعبد الناصر
من جهته، رأى الكاتب والمحلل السيساسي، أسامة الهتيمي، أن السيسي ينطلق في سياساته استنادا إلى ركيزتين أساسيتين، "الأولى تتعلق باستشعاره أن لديه تفويضا من الشعب المصري؛ لفعل ما يريد دون تعقيب من أحد، أما الثانية فتتعلق بتمثل السيسي لنموذج الرئيس جمال عبد الناصر (الراحل) في إقامة ما يظن أنها مشاريع قومية يمكن أن تنقل البلاد نقلة نوعية".
وأضاف لـ"عربي21": "غير أن السيسي يتجاهل أن (عبد الناصر) وعلى الرغم من مصادرته للحياة السياسية والحزبية؛ إلا أنه في نهاية الأمر كان له مرجعية سياسية تتمثل في مجلس قيادة الثورة، وهو ما لم يتحقق للسيسي الذي يبدو أنه يتعاطى مع الحكومة بنفس منهجية الحياة العسكرية، المبنية على الأوامر والطاعة"، وفق قوله.
وتابع: "الغريب أن رغبة السيسي هذه فاقت الهدف الذي من المفترض أن يحاول أي قائد أو زعيم تحقيقه، ألا وهو كسب الرضا الجماهيري من خلال التعاطي بشكل سريع مع تردي الأوضاع الاقتصادية وتلبية الاحتياجات الأساسية لشعبه، ومع ذلك يواصل السيسي نهجه، وهو ما يحمل دلالة سياسية تعني أن ثمة نية مبيته للبقاء لفترة أطول في هذا الموقع الرئاسي".