نشرت صحيفة "حرييت" التركية، حوارا مطولا أجرته مع الأمير السعودي الوليد بن طلال، وذلك أثناء زيارته إلى أنطاليا، والتي تُعد أول زيارة له إلى
تركيا بعد
المحاولة الانقلابية الفاشلة ضد نظام الرئيس رجب طيب
أردوغان.
وتنشر "
عربي21" الترجمة الكاملة لهذا الحوار..
الدولة التركية تمر بمرحلة صعبة، ومع أن الانقلاب قد فشل، إلا أنه هز أركان الدولة، وقد ألغى العديد من السياسيين ورجال الأعمال والفنانين رحلاتهم وزياراتهم إلى تركيا، فهل من المُمكن أن نعتبر زيارتكم إلى تركيا في هذا التوقيت الهام؛ بمثابة رسالة دعم لأمن تركيا وديمقراطيتها؟
أنا أزور كل سنة مناطق مختلفة في تركيا، فقد زرت اسطنبول، وأنقرة، وبورصة، وترابزون، وأزمير، ومرمريس، وبودروم، وقد قررت في السابق أيضا زيارة أنطاليا. لكن عندما حدث الانقلاب قلت: "علي ألا أذهب مباشرة إلى تركيا"؛ لأن تركيا تعرضت لهجمة شرسة من مجموعة أكثر خطرا من تنظيم الدولة.
تقصدون بذلك منظمة فتح الله غولن؟
نعم، هؤلاء أخطر من تنظيم الدولة؛ لأن تنظيم الدولة عدو واضح، بينما أولئك سرّيون. وأنا أتواجد في تركيا لأظهر دعمي لرئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان، فأردوغان صديقي، كما أنه صديق للعالمين الإسلامي والعربي، وكما كان مصطفى كمال أتاتورك مؤسس الجمهورية التركية الحديثة وزعيمها؛ فإن أردوغان يعد زعيم تركيا في القرن الحادي والعشرين. وتجدر الإشارة إلى أن تركيا تُمثل الإسلام المعتدل، وزيارتي إلى هنا، تمثل دعما مني للسياسة وللاقتصاد التركي، ودعما شخصيا لأخي أردوغان.
في أي المجالات سنرى الدعم من أصدقائنا السعوديين لمكافحة منظمة غولن؟
تعلمون أن الملك سلمان اتصل بأردوغان وهنأه بفشل الانقلاب، وفي مثل هذه الحالات تُحذر المملكة مواطنيها من زيارة هذه الدولة حتى لو كانت صديقة، لكن المملكة العربية
السعودية لم تفعل ذلك تجاه تركيا، ولم يتأثر معدل توافد السعوديين إلى تركيا، كما أن الشعب التركي اتخذ موقفا بطوليا وأفشل الانقلاب، وقد قمت بحثّ جميع أصدقائي والمواطنين السعوديين على ضرورة التوجه إلى تركيا، وتقديم كل الدعم اللازم لها.
هناك بعض المصادر الإخبارية لمحت إلى احتمال ضلوع المملكة العربية السعودية في المحاولة الانقلابية، فهل وجودكم اليوم في تركيا يدل على ثقتكم بأنفسكم تجاه مثل هذه الأخبار؟
لا يُمكن الحديث عن إمكانية تقديم المملكة العربية السعودية الدعم لشخص يعيش في بنسلفانيا وغير معروف ارتباطه بمَن ويعمل لصالح مَن، ونحن طبعا نثق بأنفسنا، لكن الأهم من ذلك أننا نثق بتركيا أيضا. وأنا أعرف أردوغان منذ التسعينيات، ومنذ ذلك الحين وأنا أقدره وأحترمه، والتقيت به في السعودية وفي تركيا أكثر من 10 مرات. وإن الصداقة الحقيقية تظهر في الأوقات الصعبة، وفي اللحظة التي سمعت فيها عن الانقلاب؛ اتصلت بمن استطعت الوصول إليه من مستشاريه، وأخبرتهم بوقوفنا إلى جانبهم.
تحدثتم عن أن وجودكم هنا يُعد بمثابة تقديم الدعم المعنوي والاقتصادي لتركيا، فهل هناك قرارات ملموسة في هذا الاتجاه اقتصاديا؟
نحن نملك استثمارات كثيرة في تركيا، وخاصة في الجانب السياحي، حيث نملك سلسلة من الفنادق. كما أن لدينا استثمارات في المصارف. أما في المجال الإعلامي؛ فنملك قناة فضائية.
هل هناك مشاريع جديدة؟
أصدرت تعليماتي لكل الشركات التي أشرف عليها بأن تجري دراسات للقيام باستثمارات جديدة في تركيا، وستسمعون في المستقبل القريب عن استثمارات جديدة إن شاء الله، لأن فشل الانقلاب أثبت مدى قوة الدولة التركية.
وأنتم تعلمون أنه حصل في تركيا ثلاثة انقلابات ونصف، وأنا أعتقد أن المحاولة الأخيرة الفاشلة قد أنهت عهد الانقلابات في تركيا. نحن نعلم أن مستوى القيادة في الجيش لم يكن ضمن المشاركين في المحاولة الانقلابية، وإنما من قام بها مجموعة صغيرة من الإرهابيين المتسللين إلى داخل الجيش. كما أن موقف الشعب التركي الرائع والبطولي؛ أوصل رسالة إلى الجميع بأنه من المستحيل نجاح أي شيء مماثل في المستقبل.
سمعنا أنكم تعملون بصورة مكثفة، وأنكم تنامون في اليوم أربع ساعات فقط، هل هذا صحيح؟
أنا خُلقت من أجل العمل، ومنذ 30 سنة لم أقم بأية عطلة، قد يبدو لكم أنني هنا في عطلة، لكن في الحقيقة مكتبي هنا الآن، وأنا أعمل باستمرار.
ماذا عن حياتكم الشخصية؟
لدي حدود دينية لا أتجاوزها، وهذا أمر لا نقاش فيه، لكن حياتي اجتماعية، وأنا رجل اجتماعي.
أنتم لستم فقط رجل أعمال، بل أيضا من رواد المجال الإعلامي في منطقة الخليج، وهناك من يشبّهكم في العالم العربي بجورج كلوني، فكيف تنظرون إلى ذلك؟
أنا رجل هادئ، ومُبتسم، ومريح، لكني أؤمن بالتغيير والتحول، وأؤمن أن كل فرد في المجتمع هو جزء من التغيير، لأن الإنسان ليس مجرد رمز وعدد.
إن كل شخص يمثل أشياء في هذا المجتمع، ومثال ذلك حقوق المرأة، حيث أسعى باستمرار لإضافة قيم نبيلة للمجتمع، لأن على الفرد أن يُفيد المجتمع بالنعم التي أنعم الله بها عليه، والمسؤولية تقع على كل واحد منا بقدر ما أعطاه الله من نعمه.
وماذا عن العشق؟ هل تعتبرون أنفسكم من الرومانسيين؟
لا، أنا لست رومانسيا، أنا رجل واقعي وبراغماتي. الرومانسية لروميو وجولييت، وليست لي. أحب التحرك وفق عقلي وليس وفق قلبي، لأنه إذا كنت تُفكر بالتحرك وفق ما يريد قلبك؛ فهذا خبر ليس بالجيد.
أنتم تقدمون الأعمال الخيرية في كل المجالات، لكن في المجال التعليمي لديكم اهتمام أكبر.
إننا نقدم الدعم لجامعات مثل هارفارد وكامبردج، وعملنا على فتح دوائر إسلامية هناك، فضلا عن قسم خاص بالفنون الإسلامية في متحف اللوفر الذي يزوره 13 مليون إنسان كل سنة.
نحن نعمل على توضيح الإسلام للغرب؛ لأن الإسلام ليس ما يرونه من تنظيم الدولة، لأن هذه الأعمال الإرهابية التي تقوم بها هذه المجموعات الضالة تسيء إلى صورة الإسلام. وكلمة الإسلام تأتي من "السلام"، ولهذا لن نسمح لهذه الجماعات بالتفرد بالحديث باسم الإسلام، وعلينا أن نهزمهم، ليس من خلال قصفهم واستهدافهم فحسب، وإنما من خلال محاربة فكرهم. ولقد نجح غولن عن طريق التعليم، لكن أردوغان رجل حكيم، ولهذا أغلق مراكزه التعليمية.
نعلم أن "جمعية الوليد بن طلال" التي قمتم بتأسيسها في السعودية تهتم بالدفاع عن حقوق المرأة، وقد حققت الجمعية نجاحات هامة، مثل مشاركة المرأة السعودية لأول مرة في الانتخابات، فما هي الأهداف التالية؟
تُعد هذه الجمعية من أكبر الجمعيات الخيرية في العالم الإسلامي، وثروتي التي تبلغ 32 مليار دولار؛ ستكون كلها لهذه الجمعية، لكن أهم ما يميزها بأنها تُدار من قبل 10 نسوة، ولا يوجد أي مؤسسة كبرى مثيلة في العالم تُدار فقط من قبل النساء. وما أريد إيصاله من ذلك، هو أن حقيقة مكانة المرأة في الإسلام ليست أدنى من الرجل، وليست أعلى منه، بل الرجل والمرأة متساويان. وحقوق المرأة التي رعاها الرسول عليه الصلاة والسلام في زمنه كانت تقدمية أكثر من زماننا هذا، ونحن نريد للمرأة أن تحصل على حقوقها التي اكتسبتها في عهد النبي الأكرم.
وتلعب المرأة في تركيا دورا هاما في كل المجالات، حيث يُدافع أردوغان في كل مرة عن ضرورة أن تحصل المرأة على دور أكبر في المجتمع، وهذا الأمر اتفقنا وتوافقنا عليه عند فوزه الأول في الانتخابات، وهو أننا نتمسك بمفهوم "الإسلام التقدمي".
من المعروف أنكم تقدمون الدعم والمساعدة لضحايا الكوارث والآفات. وهناك 3 ملايين لاجئ قدموا إلى تركيا بسبب الأحداث في سوريا، فماذا كان يتوجب على العالم وأوروبا وبقية الدول الإسلامية أن تفعل تجاههم؟
هناك 3 ملايين لاجئ في تركيا، ومليون ونصف المليون لاجئ في لبنان، ومليون لاجئ في الأردن، ومعظمهم يسعى إلى الهجرة إلى أوروبا. لماذا يترك هؤلاء الناس وطنهم؟ لأن هناك حربا، ولهذا فإن أول ما يجب القيام به هو إنهاء وإيقاف الحرب في سوريا، ومن أجل تحقيق ذلك يجب على عدة أطراف أن تتفق، لكن الدول لا تتفق على ذلك، فتفكير روسيا يختلف عن تفكير أمريكا، وأعتقد أن زيارة أردوغان إلى روسيا ولقائه ببوتين هي من أجل حل الأزمة السورية بصورة عاجلة.
هناك شخصية أخرى يرقبها العالم عن كثب، وهي دونالد ترامب، فهل سبق وأن تعرفتم عليه؟ وكيف تنظرون إليه؟
نحن أنقذناه من الإفلاس مرتين، فقد استحوذت على الفندق الذي يملكه لأنه لم يكن باستطاعته دفع الديون المتخلدة في ذمته للبنوك، واليخت الذي أتيت به إلى تركيا هو يخته، حيث تبلغ قيمته 120 مليون دولار، لكني اشتريته بمبلغ 90 مليون دولار. أعتقد أنه رجل أعمال فاشل وسيء، وتستطيعون رؤية ملاسناتنا على موقع "تويتر"، وهذا ذنبه طبعا.
نعم أنتم شخصية فاعلة على مواقع التواصل الاجتماعي..
اليوم أصبح لكل شخص وزارة إعلام؛ تتمثل في "فيسبوك"، و"تويتر"، و"سناب تشات".. هذه ثورة اتصالات، ونحن رأينا ذلك في تركيا، وكيف أن الشعب تنظم من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، وأردوغان طلب من الشعب النزول إلى الشارع عبر هاتفه الجوال.. أنا اليوم من أكبر المستثمرين في هذا المجال، لأنني أرى مستقبلا لوسائل التواصل الاجتماعي.
لديكم استثمارات سياحية في مختلف مناطق العالم، فماذا عن تركيا؟
تعلمون أن لدينا شركة طيران، وهي تنقل السياح السعوديين إلى تركيا، وأنا أصدرت التعليمات من أجل ألا يحصل أي خلل أو نقص في أعداد الزوار إلى تركيا، ونستمر في نقل آلاف السعوديين لقضاء عطلهم في تركيا.
ما هي أكثر المناطق التي يزورونها؟
يزورون العديد من المدن، مثل ترابزون، كونها في الشمال وتتمتع بمناخ أكثر برودة، فالسعوديون يفضلون الأجواء الباردة كثيرا، لكنني شخصيا لم أزر ترابزون، وإنما زرت العديد من المدن الأخرى. وتقدم تركيا خدمات سياحية في قمة الروعة.. انظروا إلى هذا الفندق الذي نقيم فيه، شيء قمة في الجمال والروعة.
العرب لديهم اهتمام واسع بالمسلسلات التركية، فهل تابعتم شيئا منها؟
للأسف لا؛ لأنني أتابع التلفاز من أجل الأخبار والرياضة فقط، وأنا أمارس أربعة أنواع مختلفة من الرياضة، ككرة الطائرة والسلة، لكنني أفضل ركوب الدراجات الهوائية والسباحة، والمشي في الطبيعة.
هل تتابعون رياضيين أو فرقا تركية؟
أعلم أن الفرق التركية تقدم أداء جيدا في دوري الأبطال، لكن لا يمكن القول بأني متابع باستمرار. والرياضيون الأتراك بدؤوا بتحقيق نتائج جيدة في الأولمبياد، وخصوصا في رياضة رفع الأثقال.
بلغتم من العمر 61 عاما، فهل هناك أسرار تكمن وراء ظهوركم بصورة شبابية وبصحة جيدة؟
قواعد صارمة! أمارس الرياضة يوميا لمدة ساعتين، وأنا لم أدخن أبدا، ولا أستخدم الكافيين مطلقا، ولا أتناول منتجات اللحوم والدجاج ومنتجات الحليب، وإنما أتناول السمك والخضار والفواكه فقط منذ 35 عاما، وأنا منضبط وملتزم بذلك.
ماذا عن رؤيتكم حول الإسلام والديمقراطية؟ وكيف تنظرون إلى تركيا في هذا الجانب؟
بعض الناس يعتبرون أنه لا يمكن الجمع بين الإسلام والديمقراطية، لكن مثال تركيا يُثبت العكس تماما، لأن تركيا هي أكثر مثال ناجح حول إمكانية تعايش الإسلام مع الديمقراطية، وتعد قدوة في ذلك. ونحن نرى ونتابع حرص تركيا على الديمقراطية، مع أن الديمقراطية بمفهومها بدأت في القرن الثالث عشر، إلا أن مبدأ الشورى موجود في الإسلام الحقيقي، والشورى تعني الديمقراطية، وهي أخذ مشورة كل شخص، وأعتقد أن النموذج الديمقراطي التركي هو الأكثر قربا لمفهوم الشورى. وتستطيعون إطلاق وصف "نموذج شورى القرن الواحد والعشرين" على النموذج التركي.
ما هي أكثر المشاهد التي أثرت عليكم من قبل المسؤولين الأتراك خلال المحاولة الانقلابية وبعدها؟
هناك مشهد أعجبني جدا، يتمثل في مشاركة أردوغان في إحدى الجنائز لضحايا الانقلاب، حيث كان على يمينه عبد الله غول، وعلى يساره أحمد داود أوغلو، تواجدوا واتحدوا في الأوقات الصعبة متناسين الاختلافات في وجهات نظرهم. ومرة أخرى أقول بأن هذه المحاولة الانقلابية أغلقت ملف الانقلابات في تركيا؛ لأن الشعب التركي البطل أفشل المحاولة، وأثبت أن عهد الانقلابات ولى للأبد.
انتهى نص الحوار..
وتجدر الإشارة إلى أن "حرييت" قالت في نهاية المقابلة، إن الأمير السعودي قام بحجز 20 غرفة في الفندق الذي يقيم فيه في أنطاليا، منها ثلاث غرف مخصصة فقط لملابسه.
واختتمت الصحيفة تقريرها بعرض مثال من البرنامج اليومي للأمير السعودي، وهو الآتي:
13:10: وقت عبادة
14:00-14:30: مقابلات مع الأمراء محمد وبندر وتركي
14:30-15:10: الخروج من الفندق والإفطار
15:45-19:00 السباحة وممارسة أنواع الرياضة في الماء
20:00 وقت عبادة
20:15-20:30: الخروج من اليخت والتوجه إلى الفندق
20:45-21:45: متابعة عرض "ليلة تركية"
22:00-23:00: ركوب الدراجة الهوائية
23:15-02:00: مقابلة مع صحيفة حرييت التركية
02:00-03:00: تناول وجبة خفيفة
03:00-03:15 الخروج من الفندق إلى اليخت
04:38: وقت عبادة.