كتاب عربي 21

كيف يبدو مستقبل العالم حتى عام 2030؟

1300x600
في كل عام من الأعوام التي تجري فيها انتخابات رئاسية في الولايات المتحدة، تقوم منظمة تدعى مجلس الاستخبارات القومي بنشر تقريرتحت عنوان "الاتجاهات العالمية"، وهذا التقرير يحدد كيف سيبدو العالم في السنوات الـ20 المقبلة. ومن خلاله يتشاورون مع محللين استخباراتيين وخبراء سياسيين واقتصاديين وعسكريين، ويجمعون معلومات من منظمات حكومية وغير حكومية، ثم يطرحون ما يعتقدون أنها السيناريوهات الأكثر عُرضة للحدوث على مدى العقدين المقبلين.

هذا التقرير لا يشير بالضرورة إلى ما ينبغي أن تفعله الولايات المتحدة أو كيف عليها أن تستجيب لمختلف السيناريوهات المفترضة، ولكن بطبيعة الحال، القصد من هذا التقرير هو توعية صناع القرار بالاتجاهات القائمة، ومساراتها المحتملة، ومساعدتهم على التخطيط لمستقبل السياسة الأمريكية.

جدير بالذكر أن تقرير "الاتجاهات العالمية" يمكن تحميله مجانا عبر شبكة الإنترنت، وهو يعتبر أهم منشورات مجلس الاستخبارات القومي "غير السرية". ومن هنا يمكننا أن نفترض أنه من المرجح جدا أن تكون هناك نسخة "سرية" غير معروضة للاستخدام العام. وهذه النسخة السرية تُكْتَب في النسخة غير السرية، ولكنها طبعا تُكْتَب ما بين السطور.

آخر تقرير تم نشره، لتغطية الفترة من عام 2012 وحتى عام 2030، يحدد أربعة "اتجاهات كبرى" من شأنها أن تؤثر تأثيرا عميقا في المستقبل القريب، وهذه الاتجاهات الأربعة تحت العناوين:

• تمكين الفرد

• توزيع القوة

• الأنماط الديموغرافية

• الترابط المطَّرد بين الغذاء والماء والطاقة

ولتلخيص استنتاجاتهم بخصوص هذه الاتجاهات، فهم يتوقعون حدوث انخفاض في الفقر الإجمالي، مع زيادة فرص الحصول على التعليم والتكنولوجيا، ما سيؤدي إلى تمكين الفرد. وهم يعتقدون أنه لن تكون هناك قوة أحادية مهيمنة في العالم، وإنما تحالفات وشبكات للتحكم. فهم يرون النمو الاقتصادي إلى تناقُص في البلدان "التي تشيخ"، بينما تتزايد فيها الهجرة، كما يتوقعون حدوث صراع عميق حول الموارد الطبيعية.

في رأيي، أن أهم هذه الاتجاهات الكبرى التي يتعاملون معها هي "توزيع القوة" و"الأنماط الديموغرافية". أما بمناسبة الحديث عن "تمكين الفرد" بسبب انخفاض الفقر، فلا يوجد أي سبب للاعتقاد بأن الفقر سينخفض! على الأقل ليس من دون أن يترافق هذا الأمر، في الوقت ذاته، بارتفاع مطرد في التفاوت النسبي. فالفجوة في الدخل لا تبدو عليها أية مؤشرات للهبوط، إذ يبدو أن ما يقصدونه في الواقع من هذا الاتجاه، وفي علاقته بالاتجاهات الأخرى، هو أن النمو الاقتصادي والسلطة السياسية سيتحولان من مركزهما التاريخي في غرب أوروبا إلى آسيا، وأن الفقر المدقع في هذه المنطقة سيتراجع قليلا. ومرة أخرى أقول، إنه بالرغم من هذا، فإن هذا الأمر سيكون نسبيا، حيث أنه يتزامن مع صعود الثراء الفاحش في يد القلة من البشر.

أما عندما يقولون أنه لن تكون هناك قوة مهيمنة في العالم، فهذا التوصيف مضلل. فقد نفهم من هذا أن الولايات المتحدة لن تكون القوة العالمية المهيمنة، إلا أن هذا ليس بالضبط ما يقولونه، فهم يتوقعون بروز "تحالفات وشبكات" للسلطة تعمل بتناغم من أجل السيطرة على النظام العالمي، بدلا من أن تكون أمة واحدة هي التي تمارس سلطتها الكاملة. وهذا، كما ينبغي أن يكون واضحا، يشير إلى الأعمال التجارية؛ أي الشركات متعددة الجنسيات والمؤسسات المالية التي تخلق، وسوف تخلق، المزيد من العلاقات التعاونية مع شركاء تابعين في جميع أنحاء العالم لإدارة شؤون كل منطقة.

أما الدول "التي تشيخ" فهي تشير إلى أوروبا، حيث يبلغ متوسط الأعمار فيها 42 أو 43 عاما، وحيث نرى أن القوة العاملة لديهم على وشك التقاعد، بينما لا يتم تجددها بشكل طبيعي، فأوروبا ستعتمد على الهجرة لكي تُبقي لديها على أي قدر ممكن من النمو الاقتصادي. وهذه الهجرة ستميل إلى أن تكون من الدول الإسلامية، حيث من المرجح أن يشكل السكان المسلمون ما يقرب من ربع مجموع سكان أوروبا بحلول عام 2030. وهذا طبعا سيغير، بشكل دائم، الطابع الثقافي والسياسي للقارة، وسيستدعي نوعين من ردود الفعل: الأول، هو الحد من الديمقراطية في أوروبا، والثاني، هو تهميش أوروبا كمركز عالمي للقوة والنفوذ.

أما فيما يتعلق بالصراع على الموارد، فينبغي أن نوضح أنهم لا يتحدثون عن الصراع من أجل تحديد واستهلاك الموارد، ولكنهم يتحدثون عن الصراع من أجل التحكم في الوصول إلى الموارد. ومرة أخرى، أقول إن هذا الأمر مرتبط بـ"توزيع القوة". فبينما تنمو الصين، وربما الهند، كقوة سياسية واقتصادية، سيكون من المهم للولايات المتحدة أن تبقي السلطة تحت السيطرة، من خلال قدرتها على تمكين أو منع هذه البلدان من الوصول إلى الموارد الطبيعية.

إذا كان بإمكاننا الوصول إلى النسخة السرية من تقرير "الاتجاهات العالمية"، فعلى الأرجح سنقرأ فيها تحليلا مماثلا لما كتبته أعلاه. وباختصار؛ فإن أوروبا إلى ذهاب، وآسيا إلى إياب، ومن الأهمية بمكان لديهم أن يتم التعجيل من هيمنة سلطة الشركات، وتقييد الآليات الديمقراطية، وتأمين السيطرة على الموارد الطبيعية من قِبَل الاحتكارات الخاصة.