شهدت الأسابيع الأخيرة تزايد عمليات استهداف رجال الشرطة في
مصر على أيدي حركات مسلحة ظهرت حديثا على الساحة مثل حركة "
حسم" و"
لواء الثورة"، بعد توقف لفترة طويلة.
ويبدو أن اعتقاد أجهزة الأمن بأنها سيطرت على الأوضاع الأمنية داخل المدن المصرية دفعها إلى التراخي، ما سمح لهذه الحركات بالتقاط أنفاسها وترتيب صفوفها مجددا، وإعادة استهداف رجال الشرطة بصورة أكثر شراسة على طريقة "الذئاب المنفردة".
تزايد الهجمات في الأشهر الأخيرة
ومنذ شهر تموز/ يوليو الماضي، وقعت العديد من الهجمات في القاهرة والجيزة والفيوم والمنوفية ودمياط، كان آخرها اغتيال أمين شرطة بمدينة 6 أكتوبر بالجيزة صباح الخميس الماضي، وأعلنت حركة "حسم" مسؤوليتها عنه، كما تبنت محاولة تفجير نادي الشرطة بدمياط في نهاية آب/ أغسطس وإصابة 3 ضباط بإصابات خطيرة.
كما تبنت الحركة محاولة اغتيال الشيخ علي جمعة في شهر آب/ أغسطس الماضي، وقبلها أعلنت استهداف سيارة رئيس مباحث ?طامية بمحافظة الفيوم ومرافقيه وقتلهم في تموز/ يوليو الماضي.
كما أعلنت حركة جديدة تطلق على نفسها اسم "لواء الثورة" تبنيها للهجوم على كمين بمدينة السادات بالمنوفية، وقتل شرطيين وإصابة خمسة آخرين الاستيلاء على أسلحتهم، وتوعدت الشرطة بمزيد من العمليات خلال المرحلة المقبلة.
يضاف هذا إلى عمليات آخرى لم تعلن جهة تبنيها، منها إطلاق النيران على قوة أمنية بطريق 26 يوليو بالجيزة مطلع آب/ أغسطس الماضي، والهجوم على حراس كنيستين في مصر الجديدة بالقاهرة، وإصابة حارس بأحد البنوك بالمهندسين وسرقة سلاحه الشخصي.
أساليب بدائية لكنها مقلقة
ويلاحظ على هذه الحركات المسلحة الجديدة انتهاج أساليب بدائية وغير متطورة في تنفيذ هجماتها، يمكن لمجموعة من الشبان الغاضبين أن يقوموا بها بإمكانيات قليلة وتمويل محدود، بخلاف تنظيمات أخرى مثل أنصار بيت المقدس "ولاية سيناء".
كما يلاحظ عليها مهاجمة أهداف سهلة مثل الأكمنة الثابتة أو المفتي الأسبق "علي جمعة" الذي لا يحظى بحراسة كبيرة بعد تركه لمنصبه.
وأظهر إفلات المفتي الأسبق "علي جمعة" من الاغتيال وإصابة حارسه بجروح طفيفة فقط، افتقاد عناصر هذه الحركات للخبرات القتالية الكافية لتنفيذ عملياتهم.
وفي مقابل الضعف العملياتي، تمتلك الحركة قدرات تكنولوجية جيدة، حيث تستخدم مواقع التواصل الاجتماعي في نشر بياناتها ومشاهد من عملياتها عقب تنفيذها بساعات قليلة، الأمر الذي قد يجلب لها المزيد من التأييد بين أوساط الشباب المعارض للنظام.
وعلى الرغم من ضعف تأثيرها في المشهد المصري حتى الآن، إلا أن تنفيذ هذه الحركات لخمس عمليات في أربع محافظات مختلفة في وقت قصير، يدفع الأجهزة الأمنية إلى القلق من تزايد وتيرة الهجمات التي تعتمد على أسلوب الذئاب المنفردة خلال الفترة المقبلة.
أخطاء أمنية
وبحسب مراقبين، فإن أجهزة الأمن ترتكب مجموعة من الأخطاء التي تسهل استهداف رجال الشرطة، من بينها استمرار الاعتماد على الأكمنة الثابتة التي يسهل رصدها ووضع الخطط المناسبة لاستهدافها.
كذلك، فإن استمرار تلفيق القضايا للأبرياء واتهامهم بارتكاب أعمال عنف هو خطأ مزدوج للنظام، فمن ناحية يخلق المزيد من العداوات للنظام، كما أنه يترك الجناة الحقيقيين طلقاء ينفذون المزيد من الهجمات.
واعتادت وزارة الداخلية أن تقيم مؤتمرا أو تصدر بيانا صحفيا، كل عدة أشهر، تعلن من خلاله ضبط خلية إرهابية مكونة من بضعة أشخاص، تابعين لجماعة الإخوان المسلمين، وتتهمهم بارتكاب عشرات الحوادث التي وقعت في طول البلاد وعرضها خلال المدة السابقة لضبطهم.
لكن بعض المتهمين في هذه النوعية من الجرائم أكدوا لـ "
عربي21" تعرضهم للتعذيب لإجبارهم على الاعتراف باستهداف رجال الشرطة ومؤسسات الدولة.
تابعون للإخوان؟
وفي حين لا تعلن أي حركة مسلحة انتمائها لحركة الإخوان المسلمين، بل إن بعضها يهاجم الإخوان وينتقد استكانتها واتباعها للوسائل السلمية في معارضة النظام، فإن النظام يصر على أن هذه الحركات هي أذرع مسلحة للإخوان.
ويعتمد النظام في ذلك على احتفاء وسائل إعلام إخوانية بهذه الحركات، والترحاب الواضح الذي يقابل به العمليات المسلحة من قطاع كبير من معارضي النظام، الذين يرون أنها تثأر لهم ممن قتل وسجن وشرد ملايين الأبرياء.
ويمكن بوضوح أن يلحظ المراقب لمواقع التواصل ترحيب عدد كبير من شباب الإخوان بهذه العمليات، بل وإسداء النصائح لهم لتحسين أدائهم، كما فعل المخرج عزالدين دويدار، الذي طالب حركة "حسم" باستهداف "محتكري السلع والفاسدين المخالفين للقانون لاكتساب مزيد من الشعبية والشرعية".
وكانت دراسات عربية وغربية حذرت من توجه شباب تابعين للإخوان للعنف، بسبب القمع الشديد الذي تواجهه الجماعة من السلطة، ومع انسداد الأفق السياسي في البلاد.
وأشاروا إلى أن نظام عبد الفتاح السيسي خلق الكثير من العداوات مع أشخاص من كل الانتماءات لم يكونوا يتوقعون أن يحملوا السلاح، لكنهم وجدوا أنفسهم في هذا الموقف ثأرا لقريب أو صديق قتل على أيدي الأجهزة الأمنية.
في المقابل، تحرص القيادات الإخوانية على النفي التام لتبعية هذه الحركات المسلحة للجماعة، حيث صرح محمود عزت، القائم بأعمال مرشد الإخوان، بأن تحركات الجماعة ستظل سلمية ولا علاقة لها بالعنف.
وكان تشكيل اللجان النوعية في عهد القيادي محمد كمال، عضو مكتب الإرشاد المستقيل ومسؤول اللجنة الإدارية العليا للإخوان، لتحقيق بعض أهداف الجماعة عبر انتهاج "قدر من العنف"، للدفاع عن نفسها في وجه الاعتداءات المستمرة من الأمن والبلطجية، كانت أحد أهم أسباب الخلافات العميقة داخل الإخوان، فيما ترفض جبهة محمود عزت، التي أحكمت سيطرتها على الجماعة، هذا التوجه، وترى أنه سيجرف الإخوان إلى تيار من العنف لا يمكن التحكم فيه مستقبلا.