قضايا وآراء

من المنافع الاقتصادية للحج

1300x600
في هذه الأيام المباركة يعيش المسلمون في رحاب فريضة الحج، تلك الشعيرة التي تجمع بين العبادة البدنية والمالية، وترتبط ارتباطا وثيقا بالاستطاعة المالية، وهنا يبرز دورها الاقتصادي، لاسيما دعوتها للادخار والاستثمار لتوفير ما يلزم لتلك الاستطاعة وهو ما يعود على الاقتصاد بالفائدة إنتاجا وتوزيعا. كما أن الحج يتطلب أن يسدد المسلم ما عليه من ديون قبل حجه، وهو ما يسهم إيجابا في حركة دوران المال في المجتمع، وتحقيق الثقة والاستقرار للاقتصاد.

والقرآن الكريم حينما تحدث عن الحكمة من فريضة الحج ذكر إقامة الشعائر والذكر جنبا إلى جنب مع المنافع، سواء أكانت منافع روحية أم مادية، فقال تعالى: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِير} (الحج: 27-28). 

إن منافع الاقتصاد والعباد من الحج لا تقتصر على تنمية الادخار وفتح أبواب الاستثمارات وتحقيق الثقة والاستقرار للاقتصاد ، بل تمتد لغيرها من المنافع لا سيما المنافع التجارية والصناعية والزراعية، خاصة ونحن نري أن السلع المتداولة في مكة والمدينة  في جلها صنعت بيد غير إسلامية  ويقتصر دور التجار ورجال الأعمال فيها على تداولها وتسويقها وبيعها والرضا بفتات أرباحها تاركين الجزء الأكبر من هذا الربح لمنتجها الذي لم يقتصر إنتاجه على ما يلبسه المسلمون فقط، بل امتد الأمر إلى أدواتهم التعبدية من سجاد يصلون عليه ومسابح يسبحون بها... إلخ؟!.

إنه إذا كانت أركان الإسلام لا تكتمل إلا بأداء فريضة الحج لمن استطاع إلى ذلك سبيلا، فإن الإسلام لا يكتمل تطبيقه إلا باستغناء المسلمين بأنفسهم عن غيرهم، وإقامة الشعائر والمتاجر والمصانع والمزارع لبناء الدين والحياة وتنمية الروح والجسد.. ولن يكون ذلك إلا باقتصاد قوى قوامه تلبية الحاجات وفقا للأولويات الإسلامية من ضروريات فحاجيات فتحسينات، وتحقيق الربحية الإسلامية التي تراعي الفطرة البشرية في التملك وتجمع بين الربحية الخاصة  والربحية العامة.

إن الحج فرصة لتحقيق تلك الأمانة الكبرى، والخروج بالأمة من نفق التبعية إلى رحاب الاستقلال في زمن عجز فيه المسلمون عن استغلال مواردهم واعتمدوا على غيرهم في تلبية احتياجاتهم. فالحج فرصة للتصنيع خاصة فيما يتعلق بحفظ لحوم الأضحية التي تتكدس في أيام النحر الثلاثة ومنعها من العفن والتلف والإهدار، بجمعها وتصنيعها وحفظها في معلبات وتوزيعها على فقراء المسلمين الذين ينتشرون في بقاع المعمورة ويفترشون الأرض ويلتحفون السماء. 

والحج فرصة للتعرف على السلع التي يستهلكها الحجاج وما بها من مزايا وما تحمله من مواصفات وأسعار، والعمل لاحقا على إنتاجها وتسويقها. وهو كذلك فرصة لدراسة المشاكل الاقتصادية الخاصة بالبلدان الإسلامية، ووضع الحلول اللازمة لها، من خلال إقامة المؤتمرات والندوات وورش العمل الاقتصادية الجامعة للمفكرين ورجال الأعمال المسلمين في موسم الحج، واتخاذ من ذلك نواة لقيام اتحاد اقتصادي إسلامي مشترك.