نشرت صحيفة "إندبندنت" تقريرا للصحافية ليزي دريدني، حول التدخل البريطاني في
ليبيا، الذي جلب الفوضى، والاقتتال، وأشعل الصراعات في أفريقيا والشرق الأوسط، بالإضافة إلى تقوية
تنظيم الدولة وتنظيم
القاعدة، بحسب الخبراء.
وتشير الكاتبة إلى أن تقريرا صادرا عن لجنة العلاقات الخارجية هذا الأسبوع، حمل رئيس الوزراء البريطاني السابق ديفيد
كاميرون المسؤولية عن فشله في جلب الاستقرار لليبيا، بعد مقتل
القذافي، لافتة إلى أن سقوط نظام القذافي في أيدي الثوار المسلحين دوليا، والغارات الجوية لطيران الناتو عام 2011، أديا إلى المزيد من العنف، حيث رفض الثوار المعارضون والإسلاميون إلقاء سلاحهم، أو القبول بقوات الأمن الحكومية الجديدة.
ويلفت التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن التنافس الدولي على الأراضي ولد حربا أهلية ثانية، مستمرة حتى اليوم، مخلفة حالة من انعدام القانون في أجزاء من ليبيا، ما سمح بتهريب المتطرفين، والأسلحة، والمهاجرين، الذين يمرون بليبيا للسفر عبر البحر الأبيض المتوسط إلى أوروبا.
وتستدرك الصحيفة بأن المحللين يقولون إن عواقب فراغ السلطة، الذي تركه تدخل الناتو، تمدد إلى خارج حدود ليبيا، فوجدت الأسلحة الليبية في أكثر من 20 بلدا، في الوقت الذي أشعل فيه الصراع في ليبيا تمردا وإرهابا في 10 بلدان أخرى على الأقل، مشيرة إلى أن الصراع في شمال مالي ربما يكون أكثر الصراعات ارتباطا مباشرا، حيث تقوم الأمم المتحدة بأخطر عملية حفظ للسلام في العالم.
وتورد دريدني وصف الزميل المشارك في قسم أفريقيا في "تشاتام هاوس" بول ميلي، كيف قام أفراد جيش القذافي من الطوارق بعد سقوطه بالهروب، ومعهم كميات كبيرة من السلاح، حيث قاموا باستخدامه لتشكيل حركة انفصالية في مالي، لافتة إلى أن حملة الحركة الوطنية لتحرير ازواد (MNLA) أدت إلى انقلاب، عندما سيطر الثوار على شمال البلاد، ثم طردتهم مجموعات إسلامية مرتبطة بتنظيم القاعدة، فرضت الشريعة في مناطقها، وتم دحر المجموعات الجهادية بالتدخل الفرنسي عام 2013، لكنها تستمر في شن الهجمات، وتحارب الانفصاليين الطوارق.
ويقول ميلي للصحيفة: "بالرغم من أن التدخل الفرنسي وتدخل القوات الأفريقية أنهى سيطرة الجهاديين على الشمال، إلا أن المنطقة لا تزال غير مستقرة إلى حد كبير، بالرغم من وجود ما يزيد على عشرة آلاف جندي حفظ سلام تابع للأمم المتحدة"، ويضيف: "تفكك الدولة المستقرة في ليبيا خلق مساحة معظمها لا يقع تحت سيطرة الحكومة في جنوب البلاد، حيث تستطيع المجموعات الجهادية أن تستريح وتتزود دون تدخل خارجي في الغالب".
وينقل التقرير عن نائب مجموعة صوفان الاستشارية مارتي ريردون، قوله إن أثر "الفيضان" انتشر في المنطقة كلها، وأضاف أن انهيار ليبيا ساعد في قيام "مجموعات متطرفة وإجرامية مسلحة تسليحا جيدا" في تونس، والجزائر، والنيجر، والسودان، ومصر، وأشار إلى أن مكان نشأة عدة هجمات إرهابية نفذت في تونس هو ليبيا، ويقول إن "المتطرفين، الذين قطعوا الحدود للمشاركة في الحرب الأهلية، سيعودون في النهاية إلى بلادهم، حيث سيكونون أكثر تطرفا، وأكثر تدريبا عن حالهم عندما ذهبوا".
ويضيف ريردون: "استمرار القتال في ليبيا خلق ملاذات آمنة للمقاتلين، ما يبدو أنه معين لا ينضب من الأسلحة للحركات الإسلامية في البلدان المجاورة، والمنطقة كلها".
وتنوه الكاتبة إلى أن تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي يعد أكبر مجموعة في المنطقة، حيث يدير ويمول شبكة من المجموعات التي تشن هجمات إرهابية، ويقود حروب تمرد في بلدان، مثل مالي، والجزائر، وموريتانيا، والنيجر، وتونس، والمغرب.
وتورد الصحيفة نقلا عن الزميلة في معهد "أميركان إنتربرايز" كاثرين زمرمان، قولها إن تنظيم القاعدة استفاد بشكل كبير من تزعزع الاستقرار في ليبيا، وأضافت: "لا يزال تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي يدير معسكرات تدريب في جنوب غرب ليبيا، ويستخدم التنظيم ملاذاته داخل البلد؛ لدعم الجهود في مناطق أخرى من منطقة المغرب والساحل".
ويفيد التقرير بأنه يعتقد أن معسكرات تدريب تنظيم القاعدة توفر المقاتلين الأجانب لحلفائها في سوريا، بما في ذلك المجموعة التي كانت تسمى جبهة النصرة، مشيرا إلى أن تنظيم الدولة هو المستفيد الآخر من الفوضى في ليبيا، حيث أقام التنظيم من معقله في العراق وسوريا موقعا متقدما له في ليبيا، وفي الوقت الذي يحاول فيه التنظيم الحفاظ على مدينة سرت، فإن المناطق التي يسيطر عليها على الساحل سمحت له بالوصول إلى عدد من المرافئ ومخازن كبيرة من الأسلحة، كما أنشأ خطوط تهريب عبر الصحراء، بالإضافة إلى أراض خصبة لتجنيد المقاتلين الأجانب.
وتنقل الصحيفة عن المحللة في مشروع التهديدات الخطيرة في معهد "أميركان إنتربرايز" إميلي إيستيل، قولها إن خلية من تنظيم الدولة في ليبيا "مهتمة بتونس"، تم الربط بينها وبين هجمات متحف باردو وسوسة، حيث قتل 38 شخصا، بما في ذلك 30 سائحا بريطانيا، في شهر حزيران/ يونيو العام الماضي.
وتختم "إندبندنت" تقريرها بالإشارة إلى قول إيستيل إن "تنظيم الدولة قد يكون استخدم ليبيا نقطة عبور بديلة لأوروبا.. فمثلا يمكن أن يكون التنظيم في سرت على علاقة بخلية في ميلان".