نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريرا لمراسله كيران كوك، يتحدث فيه عن الخطوات
السعودية للاستثمار في الخارج وملامحها، مشيرا إلى أنه بعد الارتفاع المفاجئ في أسعار المواد الغذائية، أنفق السعوديون المليارات في
شراء الأراضي الزراعية في أنحاء العالم، ويتساءل: من هو المستفيد تحديدا؟ وهل يمكن لهذه الموجة أن تستمر؟
ويقول الكاتب إن "السعوديين يسيطرون على مزارع الأرز في أثيوبيا والسودان والفلبين، ومزارع أبقار في كاليفورنيا وأريزونا، ومزارع قمح في أوكرانيا وبولندا، ومزارع للمواشي في الأرجنتين والبرازيل، وهم منتجو الروبيان في موريتانيا".
ويضيف كوك أن "الملك عبد الله أطلق (مبادرة الاستثمار الزراعي السعودي في الخارج)، وشجع السعوديين على شراء الأراضي الزراعية في الخارج، ومنذ ذلك الحين أصيب المستثمرون السعوديون، في كلا القطاعين الرسمي والخاص، بحمى الشراء على مستوى العالم، وأنفقوا مليارات الدولارات، يشترون ويستأجرون الأراضي في أنحاء العالم".
ويتابع الكاتب قائلا إن "هذه السياسة لم تمض بشكل سلس تماما، ففي أثيوبيا أدى شراء الأجانب للأراضي إلى أعمال شغب وقتل، وفي أندونيسيا حدت القبائل المحلية من طموحات الرياض".
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن المنتقدين يتهمون السعودية وعددا من الدول الأخرى، بما فيها عدد من دول الخليج، بالمشاركة في عملية "نهب أراض" على مستوى عالمي، باستخدام نفوذهم المالي، لفرض ممارسات زراعية على مستوى صناعي، على ما هي في العادة مزارع تقليدية، تنوع في الحبوب المزروعة في مساحات صغيرة من الأرض.
مخاوف الأزمة الغذائية
ويورد الموقع نقلا عن سعوديين قولهم إن مبادرة الملك عبد الله كانت تهدف بالأساس إلى تحقيق الأمن الغذائي للمملكة، مشيرا إلى قول مسؤولين إن هذا التحرك مدفوع بأهداف عالمية حميدة، بما في ذلك "تحسين الأمن الغذائي الدولي، وتشجيع المستثمرين السعوديين على استخدام مواردهم وخبرتهم في الخارج".
ويبين كوك أن المحفز الرئيسي للسعوديين للذهاب للاستثمار في الخارج كان الارتفاع المفاجئ في ثمن المواد الغذائية، من عام 2007 إلى 2008، حيث ارتفع سعر الكثير من المنتوجات الزراعية، وبالذات الحبوب، مثل القمح والأرز، إلى أكثر من الضعف خلال أشهر عديدة، لافتا إلى أن الجفاف والطلب المتزايد من
اقتصادات آسيا، التي نمت بسرعة، وأنشطة تجار الأسهم، هي الأسباب المؤدية إلى ما سمي أزمة الغذاء العالمية.
ويلفت التقرير إلى أنه "في الوقت الذي تملك فيه السعودية الأموال لشراء الأغذية، حتى وإن كانت أسعارها عالية، فإن ما أقلق الملك عبد الله ومستشاريه كان منع الكثير من الدول المنتجة للمواد الغذائية تصدير تلك المواد؛ خوفا من نقص المعروض منها في السوق المحلية، وارتفاع أسعارها، ففكر المسؤولون السعوديون ماذا سيحصل إن لم يكن هناك إمكانية لاستيراد المواد الغذائية لإطعام الشعب السعودي، الذي يتزايد عدده بشكل سريع".
كارثة محلية
وبحسب الموقع، فإن "
الزراعة في السعودية كانت كارثة، فقد تم استهلاك معظم مخزون المياه في أحد أكبر خزانات المياه الجوفية، بينما طبقت السعودية منذ ثمانينيات القرن الماضي سياسة تهدف إلى وصول المملكة إلى الاكتفاء الذاتي في الكثير من السلع، بما في ذلك القمح، ومع بداية الألفية الثانية أدرك الحكام السعوديون خطأهم، وأعلن الملك عبد الله انتهاء العمل على الوصول للاكتفاء الذاتي، وعن وقف المنح السخية، التي كانت تعطى لمنتجي الحبوب، ورأى المخططون السعوديون أن الطريقة الوحيدة لتحقيق الأمن الغذائي للمملكة هو البحث عن أراض زراعية في الخارج".
وينوه التقرير إلى أن هذه السياسة بدت في أولها ناجحة، وفي عام 2009 كانت هناك تقارير عن احتفال في الرياض، حيث قُدم للملك عبد الله أرز منتج في أثيوبيا، وأعلن الملك أن الأرز من النوعية الجيدة، وأمر وزراءه بمضاعفة الجهود في الخارج.
ويستدرك الكاتب بأنه في الوقت الذي شهدت فيه دول الشرق الأوسط ارتفاعا في الأسعار، أدى إلى مظاهرات وأعمال شغب في أواخر 2010 وفي 2011، وأدت تلك المظاهرات إلى أحداث الربيع العربي، فإن السعودية بقيت هادئة، ولم يشعر سكانها بغلاء الأسعار، حيث كان الغذاء المستورد والمدعوم في كثير من الأحيان متوفرا.
لعنة زيادة الإقبال على الأراضي
ويشير الموقع إلى أن مشروع غامبيلا كان أحد أوائل مشاريع الاستثمار السعودية في الخارج، وهو في منطقة نائية من غرب أثيوبيا، حيث تستأجر شركة "سعودي ستار" 10 آلاف هكتار على مدى 60 عاما، لافتا إلى أن الشركة، التي يرأسها الملياردير السعودي المولود في أثيوبيا، والمقرب من العائلة المالكة الشيخ محمد حسين علي العمودي، تسعى إلى استئجار 500 ألف هكتار في منطقة غامبيلا وغيرها من المناطق في أثيوبيا، ووعد باستثمار 3 مليارات دولار، وتشغيل أكثر من 5 آلاف شخص، لكن المشروع يتقدم ببطء.
وينقل التقرير عن السكان المحليين، قولهم إنهم لم يتسلموا أي تعويضات على الأراضي التي أخذت، ويضيفون أن مصائد الأسماك والنباتات الضرورية لإنتاج العسل تم تدميرها.
ويورد كوك نقلا عن منظمة "أنيوا سارفايفال"، وهي منظمة تهتم بحقوق الإنسان في منطقة غامبيلا، قولها: "زيادة الإقبال على الأراضي والمياه، وغيرهما من المصادر الطبيعية الضرورية، أصبحت لعنة بالنسبة للسكان الأصليين والأقليات، الذين لا يملكون حماية قانونية أو طريقة للمطالبة بحقوقهم"، مشيرا إلى أن شركة "سعودي ستار" تصر على أن الأرض التي استأجرتها في غامبيلا كانت فارغة قبل وصولها، وجلبت معها
استثمارات أجنبية، وخبرة زراعية تحتاجها أثيوبيا.
ويذكر الموقع أن عددا من الناس قتلوا في أعمال عنف على قناة ماء عام 2012، وقام الجيش بالرد بشكل عنيف، منوها إلى أن أفرادا من الجيش الأثيوبي والمليشسا المحلية يقومون بحماية بنايات الشركات.
ويكشف التقرير عن أن المستثمرين الصغار انتقدوا بنوك المملكة؛ بسبب عدم تقديمها الدعم الكافي، مشيرا إلى أن تسفير 120 ألف عامل أثيوبي من السعودية عام 2013 تسبب باستياء عميق في أثيوبيا.
كثرة الاضطرابات
ويفيد الكاتب بأن "مشاريع السعودية الزراعية في مناطق أخرى من العالم واجهت مشكلات، فتعطلت خطط مجموعة ابن لادن الضخمة -التي تذكر التقارير أن الديون تراكمت عليها، واضطرت للاستغناء عن آلاف العمال– لأخذ مليوني هكتار في مقاطعة بابوا في أندونيسيا لزراعة الأرز؛ بسبب معارضة القبائل المحلية لها، كما أن الخطط الطموحة لزراعة الأرز في السنغال ومالي في غرب أفريقيا، التي قدمتها مجموعة (أغروغلوب)، التي يرأسها الشيخ صالح كامل، يبدو أنها متوقفة".
وبحسب الموقع، فإن عائلة الراجحي، التي تعد أثرى العائلات السعودية من غير العائلة المالكة، اشترت أراض في موريتانيا والسودان، مستدركا بأن مشاريعها تأثرت بالاضطرابات الاقتصادية التي تعصف بالمملكة.
ويذهب التقرير إلى أنه مع أن السعودية خففت من إنتاج الحبوب، إلا أن لديها مزارع الأبقار العملاقة، التي تحوي آلاف الأبقار التي يتم تبريدها برشاشات الماء، مشيرة إلى أن الرياض أعلنت نهاية العام الماضي أنها بالإضافة إلى رفع الدعم عن زراعة القمح المحلية، فإنها ستوقف خلال ثلاث سنوات الدعم عن البرسيم، الذي يشكل الغذاء الرئيسي للأبقار.
ويبين كوك أن شركة المراعي، التي تملكها العائلة المالكة، والتي يرأسها عبد الرحمن الفهدي، الذي تم تعيينه حديثا وزيرا للبيئة والماء والزراعة، قامت بشراء أراض في كاليفورنيا وأريزونا.
ويورد الموقع نقلا عن ناشطين في الحفاظ على البيئة، قولهم إنه لا يعقل زراعة المحاصيل المتعطشة للماء، مثل البرسيم، في المناطق التي تعاني من الجفاف أصلا، لافتا إلى أن بعض المجموعات الزراعية احتجت على بيع أراض أمريكية لأجانب.
نقص الأراضي يفاقم من مشكلة الأمن الغذائي
وينوه التقرير إلى أن شراء أراض زراعية إضافية في الخارج تأثر بحركة معارضة متنامية في أفريقيا، ضد ما يدعوه المعارضون "سرقة الأراضي"، كما أن هناك سباقا على الأراضي الزراعية في العالم من الدول الصناعية في السنوات الأخيرة، مثل الصين، وجنوب كوريا، والهند، التي تواجه كلها مشكلات تتعلق بالأمن الغذائي، بالإضافة إلى أن دولا خليجية أخرى تسعى أيضا لشراء أراض زراعية، مثل الكويت، وقطر، والإمارات.
ويلفت الكاتب إلى أن شركات الأغذية الضخمة، مثل "بنج"، و"كارجيل"، تعدان منافستين كبيرتين للسيطرة على سوق الحبوب العالمي.
ويخلص "ميدل إيست آي" إلى القول إنه "ربما يكون أكبر عائق أمام طموحات السعودية لشراء الأراضي الزراعية هو نقص السيولة؛ بسبب التراجع في إيرادات النفط".