القس الإنجليزي مالتس صاحب نظرية شهيرة في الاقتصاد مفادها أن الحروب تأتي لتعيد التوازن بين الموارد التي تزيد بمتوالية عددية وبين السكان الذين يتزايدون بمتوالية هندسية فالحروب تؤدي إلى إنقاص عدد السكان حتى يكفي الغذاء مع عدد السكان.
أصبح لهذه النظرية رغم ما اعتراها من اعتراضات ظل من الحقيقة، فهناك علاقة هامة بين الكساد الاقتصادي وبين الحروب التي تنشأ نتيجة التدهور الاقتصادي الذي تمر به، فحينما وقع الكساد العظيم في نهاية العشرينيات من القرن الماضي، اشتعلت الحرب العالمية الثانية، وكانت ألمانيا في أشد أوضاع التردي الاقتصادي نتيجة العقوبات التي فرضت على الشعب الألماني في أعقاب الحرب العالمية الأولى، والتي جرَّت العالم إلى حرب كارثية أودت بحياة الملايين من على وجه البسيطة.
وقد تعلم الأوربيون والأمريكيون من تجربة الحربين العالميتين في عدم نشوء الحروب على أراضيهم، والتفاوض من أجل إصلاح الخلافات المشتركة بينهما، فمما لا شك فيه أن العالم ظل بعد الحرب العالمية الثانية في توازن إلى حد كبير حتى انهيار الاتحاد السوفيتي في أوائل التسعينيات، لكن ليس هناك ما يمنع أن تكون هناك حرب جديدة على الأراضي السورية أو منطقة الشرق الأوسط وممولة من الخليج وإيران لاستنفاد ثروات المنطقة وتقسيمها تحت أي دعاوى جديدة مثل محاربة الإرهاب أو مكافحة الانتشار النووي.
ورغم أن الدعاوى الآن تجري على نحو مضطرد للسباق حول حرب عالمية جديدة تعمل بالمقام الأول على إنقاذ الاقتصادات العالمية من مخاطر الكساد الذي يؤدي إلى مشاكل اجتماعية خطيرة كانتشار المخدرات وتزايد حالات الانتحار والاغتصاب وغيرها من المشاكل العديدة التي تعاني منها الدول الغربية، فقد بدا جليا للعيان بناء تحالفات جديدة تتشكل كي تكون وقودا للمعركة المقبلة حتى تأكل كافة موارد المنطقة.
في هذه الأثناء قامت مجلة الإيكونوميست في عددها الأخير بعمل استقصاء لعدد من الاقتصاديين داخل الولايات المتحدة ولفتوا الانتباه إلى احتمال حدوث كساد داخل الولايات المتحدة خلال ال 4 سنوات المقبلة بنسبة 60% وهو ما يعكس اضطرابا في الأسواق الأمريكية وتدهور في مبيعاتها فضلا عن تزايد معدلات البطالة التي سيكون لها بالغ الأثر على الاقتصاد الأمريكي.
والاقتصاد الأمريكي هو أكبر إنتاج في العالم لأكثر من 140 عاما متربعة على عرش الإنتاج في العالم، إلا أنه في الآونة الأخيرة زادت قدرة الصين على المنافسة والإنتاج في السوق العالمي وأصبحت الصين هي الثانية عالميا في حجم الإنتاج المحلي الإجمالي.
ولفتت المقالة إلى أنه من المهم تحفيز الاقتصاد بسياسات الطلب الكلي التي تعطي دفعا للاقتصاد حتى لا تقع الدولة الأكبر في العالم اقتصاديا في براثن الركود.
وأخذت الصين نصيبا كبيرا مما كانت تنتجه أوربا والولايات المتحدة وأمام كل فرصة إنتاج جديدة في الصين هو ضياع لفرصة عمل قائمة في أمريكا وأوربا، فسيطرة الصينيين على أسواق الإنتاج بدون أدنى شك هو المؤثر الأول على زيادة الانكماش في أوربا وأمريكا.
لذا فالخطر الحقيقي لأوربا وأمريكا يأتي من الإنتاج الصيني وليس من منطقة الشرق الأوسط، لكن هل أدركت منطقة الشرق الأوسط أنها مغنم سهل حلو المذاق يسارع الجميع لالتهامه لثرواته وإمكاناته وخيراته؟ هل أدركت دور الخليج الآن أن الثروة ليست في الأموال إنما الثروة في الإنتاج؟
هل أدرك العرب والمسلمون كيفية تنويع ثرواتهم وتنميتها بدلا من أن تكون في شكل واحد ولقرن كامل لم ينتبه العرب إلى تغيير سلوكهم في إدارة دولهم ومواردهم واقتصادهم؟
إن المتتبع للحروب الأمريكية يرى أنها كانت دائما تأتي في أعقاب كساد اقتصادي مرت به الولايات المتحدة كحل أولي لعلاج الأزمة لكن السبب الرئيس لأزمات الكساد أصبح مرتبطا بالفكر الرأسمالي القائم على العولمة والشركات التي جعلت الصين هي أكبر ورشة في العالم للتصنيع الآن، وهذا الأمر لا يمكن أن يستمر كثيرا على هذا النحو من ضياع دور الدولة إلى تعاظم دور الشركات والحروب لإنقاذ شركات إنتاج السلاح من الإفلاس، وهذا الفكر لا يمكن أبدا أن يستمر لتحقيق تنمية مستدامة للجنس البشري.