قضايا وآراء

حزب العدالة والتنمية المغربي وصعوبات بناء التحالف

1300x600
يسعى الأمين العام لحزب العدالة والتنمية المغربي منذ أن عينه العاهل المغربي رئيسا للحكومة، بعد تصدر حزبه نتائج انتخاب مجلس النواب في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2016، إلى التفاوض من أجل تشكيل حكومة ائتلافية ذات أغلبية مطلقة، تؤهلها لأن تنال التنصيب البرلماني، كما يقضي بذلك الفصل السابع والأربعون من الدستور المغربي لعام 2011. والواقع أن نوعية التوازنات التي أسفر عنها الاقتراع الأخير لا  تجعل "الإسلاميين" في وضعية مريحة لبناء تحالف سريع، وسهل الإنجاز، وإن كانت توقعات قادة حزب العدالة والتنمية عقب الإعلان مباشرة عن فوزهم قد ذهبت إلى غير ذلك، حين أكدت على أن تشكيل الائتلاف الحكومي ليس مشكلة، وسيشق طريقه بشكل عادي وسَلِس.

من المفارقت المُعَقِّدة لبناء الائتلاف الحكومي طبيعة الخارطة السياسية التي أسفرت عنها نتائج الاقتراع النيابي الأخير. فمن جهة، فازت، لأول مرة، قوتان متقاربتان في الوزن، يتعلق الأمر بحزبي "العدالة والتنمية" و"الأصالة والمعاصرة"، اللذين ظفرا بما مجموعه 227 مقعدا، أي ما يقرب من ستين في المائة من إجمالي عدد أعضاء مجلس النواب (395)، في حين تَوزَّع الباقي على الأحزاب الأخرى المتنافسة، أي العشرين حزبا المتبقية، التي لن يستطيع خمسة عشر حزبا منها تشكيل فريق نيابي بسبب عدم حصولها على العتبة المطلوبة. مقابل ذلك، تقهقرت الأحزاب التقليدية مثل أحزاب "الاستقلال"، و"الاتحاد الاشتراكي"، و"التقدم والاشتراكية"، التي لم تتجاوز مجتمعة 78 مقعدا، والأمر نفسه ينسحب على حزبي " التجمع الوطني للأحرار"، و"الحركة الشعبية"، المعروفين بولائهما الدائم للأغلبية الحاكمة، وهما أيضا لم ينالا مجتمعين أكثر من 64 مقعدا.    

الآن ورئيس الحكومة المعين في قلب هذه الصعوبات، كيف سيتمكن من تجاوزها إيجابيا ؟ وما هي المشاهد الممكنة لتطور المفاوضات حول الحكومة الائتلافية القادمة؟

ثمة مُستجد لم تعرفه الحياة السياسية من قبل، يتعلق بالتضامن والتنسيق الحاصلين من جهة بين حزبي "الاستقلال" و"الاتحاد الاشتراكي". ومن جهة أخرى، بين حزبي "الأحرار"، و"الحركة الشعبية"، ويبدو أنه معطى أفرزه سياق الاقتراع النيابي الأخير، وحتم على أصحابه البحث عن صيغ لتعزيز مكانتهم في المفاوضات مع "العدالة والتنمية".. وإذا استمر هذا التضامن إلى آخره، فسيكون رئيس الحكومة المعين اختيار أحد الزوجين، أما "الاستقلال" و"الاتحاد الاشتراكي"،  أو "الأحرار" و"الحركة الشعبية"، لإدراك الأغلبية المطلقة المطلوبة لاجتياز حاجز "التنصيب البرلماني" للحكومة.
 
ففي السيناريو الأول الخاص بالتحالف مع " الاستقلال" (46) و"الاتحاد الاشتراكي" (20)، سيكون في مُمكن "الإسلاميين" تجاوز عتبة الأغلبية المطلقة اللازمة للتنصيب، أي 195 مقعدا، هذا إذا أضفنا نصيب "حزب التقدم والاشتراكية" (12 مقعدا)، وهو حليف بدون منازع، فحينذاك سيصبح العدد الإجمالي لمقاعد الأحزاب المتحالفة 204 مقاعد، وهو رقم يفوق العدد المطلوب في التنصيب. لكن هذه الإمكانية مرتهنة بمجموعة من الشروط أبرزها حصول توافق بين "العدالة والتنمية" وحلفائه، لاسيما "الاستقلال" و"الاتحاد الاشتراكي" حول حصصهم من الحقائب الوزارية، وربما حول الخطوط العريضة للبرنامج الحكومي المقبل بدرجة أساسية. والواقع أن تحقق هذا السيناريو، سيعيد المتحالفين إلى تجربة أحزاب "الكتلة الديمقراطية" سابقا، وهي عودة موسومة بقدر من الانسجام المبدئي في الرؤى السياسية والتاريخ النضالي لمجمل مكوناتها. أما معوقات هذا المشهد فتكمن في الجفاء الحاصل عقب الإعلان عن نتائج الاقتراع الأخير بين حزب "العدالة والتنمية" و"الاتحاد الاشتراكي"، وكذلك الخلافات التي كانت مصدرا لخروج الاستقلال من الحكومة الأولى عام 2015.

يتعلق السيناريو الثاني بفشل الإمكانية الأولى المشار إليها أعلاه. وفي هذه الحالة قد يتحالف حزب "العدالة والتنمية" مع حزبي "الأحرار" (37) و"الحركة الشعبية" (27)، علاوة على حليفه الدائم، أي "التقدم والاشتراكية" (12)، لنكون أمام تحالف من 201، أي ما يتجاوز الأغلبية المطلقة المطلوبة في التنصيب البرلماني. والحقيقة أن هذه الإمكانية تنطوي على جوانب ضعف كثيرة على رأسها طبيعة الأحزاب المتحالفة، ومساراتها التاريخية، وممارساتها السابقة في أكثر من حكومة، حيث لا تحظى بالقبول المطلوب من طرف شرائح واسعة من المواطنين.

ثمة إمكانية ثالثة، نراها ضعيفة ولا تستند على ما يؤكد سلامة اللجوء إليها من الناحية الدستورية، تتعلق بحالة عجز رئيس الحكومة المعين، وهذا ما نستبعده بشكل مطلق، عن تشكيل حكومته الائتلافية، ما العمل حينذاك؟

ثمة من أراد ليَّ عنق الفصل 47 من الدستور وتويله بغير حق بقوله يمكن للملك استناداً على الفصل الثاني والأربعين، المتعلق بالاختصاصات الاستراتيجية للملك، إما اللجوء إلى الحزب الثاني في الترتيب، أي "الأصالة والمعاصرة" وتكليفه بتشكيل حكومة، أو الدعوة إلى انتخابات جديدة لتكوين أغلبية جديدة. الواقع أن الملك، وهو الساهر على احترام تطبيق الدستور وفقا للفصل 41 من الدستور، سوف لن ينحى هذا المنحى، ثم إن إعادة الانتخابات، علاوة على إضرارها بسمعة البلاد ستكلف كثيرا، والأمر الثالث أن رئيس الحكومة المعين سيقدر على إيجاد مخارج لتحالفاته.