تحول موقف
الحكومة المصرية من جزيرتي
تيران وصنافير إلى مادة للتندر في أوساط المصريين، بعد أن أقرَّ محاميها أمام محكمة
القضاء الإداري، الثلاثاء، بأن العلم المصري ما زال مرفوعا على الجزيرتين، وأنهما مصريتان حتى الآن، في معرض دفاعه عن سعوديتهما، مما أصاب الأوساط المصرية بالحيرة والدهشة.
جاء ذلك في أثناء نظر الاستشكال المعكوس للاستمرار في تنفيذ حكم مصرية "تيران وصنافير" بتطبيق حكم المحكمة الأول، الذي أقر ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية، ومصرية الجزيرتين.
وقررت المحكمة تأجيل الجلسة إلى 8 تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، للنطق بالحكم في دعاوى الاستشكال، المتعلقة بتنفيذ الحكم الصادر من المحكمة ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود البحرية المشتركة بين مصر والسعودية الموقعة في شهر نيسان/ أبريل الماضي، المتضمنة نقل تبعية الجزيرتين إلى المملكة العربية
السعودية.
وطالب خالد علي، أحد المحامين الصادر لصالحهم حكم بطلان الاتفاقية، وآخرون، بالاستمرار في تنفيذ حكم القضاء الإداري.
وكشف علي، في تدوينة عبر موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، الثلاثاء، أن محامي الحكومة اعترف بمصرية الجزيرتين، ورفع العلم المصري عليهما، في مشادة كلامية بينهما خلال جلسة نظر إشكالات التنفيذ على حكم محكمة القضاء الإداري بمصرية الجزيرتين، التي جرت بمقر مجلس الدولة، الثلاثاء.
وقال علي: "النهاردة كانت جلسة إشكالات التنفيذ على حكم تيران أمام محكمة القضاء الإداري، ولما ترافعت وتساءلت: هل رفع العلم المصري على تيران يعد من وجهة نظر الحكومة ضررا يستدعى تقديم إشكال تطالب فيه بوقف تنفيذ الحكم؟ جاء رد محامي الحكومة منفعلا: دا مش دفاع قانوني، دا ابتزاز، أنا كنت لسة في شرم الشيخ، ورحت تيران، والعلم مرفوع، والأرض مصرية".
وأشار إلى طلب فريق الدفاع إثبات ما ذكره محامي الحكومة بمحضر الجلسة، فضجت القاعة بالضحك، وارتبك محامو الحكومة، وذكر أحدهم أنها زلة لسان، فيما بدأ صوت يرتفع بالقاعة يقول: "كلمة الحق ظهرت".
لكن الحكومة حاولت علاج ما قاله محاميها، فقال الأخير إن ما حدث أمام المحكمة ما هو إلا زلة لسان وخطأ غير مقصود منه، وإن المحامين، أصحاب الحكم، استغلوها بسوء نية، وأحدثوا ارتباكا للتأثير على عقيدة المحكمة.
وأضاف أنه كان يقصد العكس، ولكن حدث خطأ في دفاعه أمام المحكمة، وأن المحكمة تعي جيدا وتستطيع أن تفرق بين الخطأ والنسيان، مشيرا إلى أنه حاول توضيح الأمر، ولكن محامي الخصوم لم يمنحوه الفرصة.
وطالب بوقف تنفيذ الحكم لمخالفته صحيح حكم القانون باعتبار أن توقيع الاتفاقية من أعمال السيادة غير الخاضعة لرقابة القضاء، مشددا على أنه لا صحة لما رددته أسباب حكم القضاء الإداري من قول بأن الاتفاقية قد تضمنت تنازلا عن تيران وصنافير، التي أثبتت المستندات الرسمية سعوديتهما، وأن الحكومة المصرية قد وافقت على إعادتها للسعودية سنة 1990، وأرجأت تنفيذ قرارها بالاتفاق مع المملكة العربية السعودية لحين استقرار الأوضاع بالمنطقة.
وكانت المحكمة بدأت الجلسة بسماع مرافعة أعضاء هيئة قضايا الدولة، وكلاء الحكومة، التي طالبوا فيها بأجل لتقديم شهادة من جدول المحكمة الدستورية العليا، وتحديد المحكمة جلسة لنظر منازعة التنفيذ المقامة أمامها حول حكم محكمة القضاء الإداري المستشكل فيه، بما يفيد اتصال علم المحكمة بكون المنازعة معروضة على المحكمة الدستورية العليا، بما يستوجب وقف الاستشكال تعليقيا لحين الفصل فيه من المحكمة الدستورية العليا.
وفي المقابل، قال المحامي خالد علي: "شاهدنا من وقت صدور حكم القضاء الإداري ما لم نشاهده في أي منازعة قضائية على الإطلاق، من هجوم على المحكمة، وهجوم على الخصوم، وفوجئنا بأن هذه المنازعة تحولت إلى 7 دعاوى قضائية، 3 منها أقيمت أمام محكمة القاهرة للأمور المستعجلة، و2 منهم أمام محكمة القضاء الإداري، وطعن أمام المحكمة الإدارية العليا، ومنازعة تنفيذ أمام المحكمة الدستورية العليا".
وأضاف "علي" أن الأصل في إقامة الاستشكال على الحكم هو وقوع حدث جديد لم يكن تحت بصر وبصيرة المحكمة وقت صدور الحكم، ويأتي الاستشكال لإبرازه، مؤكدا أن استشكال رئاسة الجمهورية والحكومة لوقف تنفيذ الحكم جاء مختلقا حدثا عبر إعادة طرح موضوع سبق للمحكمة مناقشته، وهو نظرية أعمال السيادة.
وأشار إلى أن نظرية أعمال السيادة ليست جامدة، وتعتبر وصمة عار في جبين قاضي المشروعية، موضحا أنها تختلف من دعوى لأخرى، على حسب المركز القانوني للأرض المتنازع عليها، متسائلا: "ما الضرر الذي سيقع على الدولة حال رفع العلم المصري على الجزيرتين، واستمرار فرض السيادة المصرية عليهما وعلى مضيق تيران لحين الفصل في الطعن المقام أمام المحكمة الإدارية العليا؟".
وسمحت المحكمة لمحامي الدولة بالتعقيب على ما جاء بمرافعة خالد علي، فكرر طلباته السابقة نفسها، مؤكدا أن الحكم صدر موصوما بالعديد من العيوب القانونية والدستورية، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن نظرية أعمال السيادة في مصر ليست واقعية كما هو الحال عليه في فرنسا، وإنما قانونية تستمد مشروعيتها من مواد صريحة في قانون مجلس الدولة والدستور، بحسب قوله.
وكان علي، تقدم، في خلال الجلسة السابقة، بتاريخ 8 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، بوثائق ومستندات قال إنها جديدة، وتؤكد مصرية الجزر، وخضوعها للسيادة الوطنية المصرية، بالإضافة إلى مراسلات تابعة للقوات المسلحة المصرية تدعم ذلك.
إلى ذلك، قال مساعد وزير الخارجية الأسبق، السفير معصوم مرزوق، في ندوة بالحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي بالشرقية إن مصرية الجزيرتين حقيقة لا تقبل الجدل، وإن خدمته السابقة في القوات المسلحة المصرية ثم في وزارة الخارجية تحتم عليه ألا يخفي هذه الحقيقة، أو يسكت عنها.
وأكد أن الاتفاقيات الدولية والوثائق والمواقف التاريخية كلها تؤكد مصرية الجزيرتين، وأن ما يتحدثون عنه من أن الملك سعود بن عبد العزيز طلب من الملك فاروق حماية الجزيرتين أمر لا دليل عليه، ولا منطق له حيث كانت مصر وقتها تحت الاحتلال البريطاني، وكانت الولايات المتحدة هي المسؤولة عن حماية المملكة السعودية.