قال الجيش
العراقي، إن قواته أطلقت عملية اليوم السبت، لاستعادة السيطرة على بلدة قرة قوش المسيحية قرب
الموصل، آخر مدينة رئيسة في قبضة
تنظيم الدولة في العراق.
وعندما اجتاح تنظيم الدولة المنطقة في 2014، فقد تم إخلاء "قرة قوش" التي تبعد نحو 20 كلم إلى الجنوب الشرقي من الموصل، فيما سيطرت وحدات خاصة عراقية الأسبوع الماضي على بلدة برطلة المسيحية، إلى الشمال من "قرة قوش".
تحذيرات من "نوايا خبيثة"
من جهته، قال الشيخ فاروق الظفيري، المتحدث الرسمي باسم الحراك الشعبي السني في العراق، إن هناك عددا من المؤشرات على وجود "نوايا خبيثة" تجاه المدنيين في مدينة الموصل (شمالا)، والبالغ عددهم مليونا ونصف المليون.
واستعرض الظفيري وهو أحد شيوخ عشيرة الغفري، في حوار مطول أجرته معه "الأناضول" في إسطنبول، الي يقيم فيها لأنه مطلوب من "داعش"، عددا من الأسباب التي تشير إلى أن
مليشيات الحشد الشعبي الشيعية ستفعل أكثر مما فعلته في الفلوجة (غربا) قبل أشهر، إبان وبعد تحريرها من "تنظيم داعش الإرهابي".
وأولى المؤشرات، وفق الظفيري، هي "عدم استعداد الحكومة العراقية لاستقبال النازحين من العوائل، كما فعلت في تحرير مناطق أخرى بالأنبار (غربا)"، حيث أفاد بأن "الحكومة لم تتهيأ لهذه الهجرة المتوقعة التي ستحدث عند الهجوم، بأماكن بديلة كما حصل في الفلوجة، فبذلك يريدون الإبادة".
وأضاف أن المؤشر الثاني أنهم "لم يفتحوا ممرات آمنة هذه المرة، ومعروف في المرة السابقة أن الممرات كانت بإشراف الحشد (الشعبي) الذي خطف الناس في الصقلاوية (شمال غربي الفلوجة). الحكومة في بغداد قالت إن هناك ممرات آمنة، ووضعت الجيش، وأرشدت العوائل للخروج منها".
مشاركة "الحرس الثوري"
ورغم أن هذه الممرات تسببت بانتهاكات، وكانت "وكرا للمليشيات التي اعتقلت وخطفت حتى اليوم أكثر من ثلاثة آلاف مواطن سني"، فإنها لم تعلن عنها في الموصل لخروج المدنيين، بحسب الظفيري.
وعن المؤشرات الأخرى، فقد أوضح أن "الموصل محاطة بأكثر من 80 ألف مقاتل بمختلف صنوفهم، مع المليشيات والأمريكان، وما بين 6 و8 آلاف من الحرس الثوري
الإيراني، مع كافة الأسلحة والمعدات، وبالتأكيد هم سيفعلون أكثر مما فعلوا بالفلوجة".
وشدد على أن عدد عناصر "داعش" في الموصل "بحسب إحصائيات الحكومة هو ما بين 5 و8 آلاف عنصر، فيما يقتل بقية المليون ونصف المليون مدني في المدينة بحجة قتال هؤلاء".
مشاركة الحشد الشعبي في المعركة، يعد مؤشرا آخر، إذ إن "تحركاتهم موجودة على أطراف الموصل، كما أنهم كانوا على أطراف الفلوجة. بداية قالوا إنهم لن يدخلوها، ومن ثم دخلوها، وإلى الآن فإن هناك مقرات للمليشيات في الفلوجة"، بحسب قوله.
واستشهد على ذلك بأن تواجد المليشيات على "أطراف الموصل هو مجرد ادعاء، المعركة هي على أطراف الموصل حتى اللحظة، ولم يدخل أحد الموصل، لا الجيش ولا المليشيات، ولكن من يضمن أن المليشيات لن تدخل الموصل".
وذكّر الشيخ الظفيري بتصريح زعيم الحشد الشعبي هادي العامري (نحن أقوى من الجيش العراقي ونتحكم به)، فـ"لا يوجد هناك ضمان ما دامت هذه الأفعال موجودة. بداية قال إنه لن يشارك الحشد، ولكن مع ضغوطات الحشد لن يستطيعوا منعه، ومنع جرائمه لأنه أقوى من الحكومة"، في مؤشر آخر إلى المخاطر على المدنيين.
مسألة الجيش العراقي توقف عندها الظفيري، بقوله إنه "حل منذ العام 2003، والبديل في الجيش اليوم هي المليشيات التي دمجت به، فما هو الفرق بين أن يلبس الزي العسكري الرسمي ويقتل الناس، وبين أن يلبس زي المليشيات ويقتل الناس؟".
الجيش العراقي المشرف على العمليات حاليا في الموصل، وصفه الشيخ في معارك الفلوجة والأنبار (غربا) بأنه "يفعل الأفاعيل مثل المليشيات، الفرق الوحيد هو الملابس، لذا لم نر أحدا عوقب بجريمته، رغم تصريح الحكومة بأنها جرائم فردية".
ويدعم مؤشر شرعنة المليشيات التي تقاتل على أطراف الموصل أن "الحكومة تدافع عنها، ووضعتها ضمن الدائرة الحكومية، وجعلت لها حصانة قانونية مرتبطة برئاسة الوزراء".
وأكد أن "الحكومة تعتبر الجرائم التي يرتكبها الحشد الشعبي فردية"، متسائلا: "أين الرادع الذي يمنع الجرائم؟ فلا جيش، ولا دستور، ولا حكومة في العراق، ولا قانون لحماية المواطنين من الاستهداف العسكري، وهذا كله بموافقة أمريكا، وعمل إيران وأتباعها في العراق".
ومن الأمور الأخرى التي تدل على أن الموصل على أبواب انتهاكات كبرى بحق المدنيين، اعتباره أن "لإيران وأمريكا ثارات مع مدينة الموصل، لأن أكثر الضباط الذين شاركوا بالحرب على إيران في الثمانينيات كانوا من الموصل، وتكن لهم عداء واضحا".
وشرح ذلك مبينا أن "للموصل رمزية باستراتيجيتها، وبسيطرة إيران على المدينة فإنها تسيطر على (الإقليم الكردي بشمال العراق)، وتشاغب على تركيا، وتسيطر على سوريا، ويكون لها ممر بري من إيران إلى لبنان مرورا بسوريا، ومناطق السنة بالعراق، لمد حزب الله (اللبناني) بالقوة، ويكتمل الطريق".
وأشار الظفيري إلى أنه "بالسيطرة على الموصل سيمنعون الطريق البري بين تركيا والعراق والخليج، فتركيا تشعر بالخطر، فأردات حماية أمنها، عكس العرب الذين يهمهم هذا الممر أيضا، ولكنهم لم ينتبهوا لهذا الأمر بعد".
أما في ما يخص ثارات أمريكا، فكشف أن "أمريكا تريد أن تنتقم، لها ثارات مع العراق، وخاصة الموصل والأنبار، وكثير من قيادات جيش العراق سابقا، وقيادات المقاومة، كانت من أهل الموصل".
الموصل مخزن الكفاءات
وأكد أن "الموصل تختلف عن باقي المناطق.. فيها كثير من الكفاءات العسكرية والطبية والاقتصادية، فيها خزان من الكفاءات العالية، فيحاولون تدمير البلد عندما يقضون على هذه الكفاءات".
وأبدى الظفيري مخاوفه لأنه "معلوم لهم، ولديهم إثباتات قديمة في الفلوجة، وصلاح الدين (شمالا)، وديالى (شرقا)، وجرف الصخر وحزام بغداد والأنبار، فكل مدينة يدخلونها (الحشد الشعبي) ينفذون المجازر فيها بحجة داعش".
وأضاف: "نحن نتخوف من هذا الأمر، والمنظمات الدولية تحدثت بشكل صريح، وخاصة منظمة العفو الدولية.. تؤكد صراحة أن الحشد الشعبي يرتكب جرائم شنيعة ترقى لجرائم الحرب بالموصل، واتهمت الحكومة بذلك".
وردا على سؤال حول ما عرض من مشاهد لتعذيب طفل وشاب نزحا من الموصل حديثا، أفاد بأن "ما يظهر لا يتعدى الواحد بالألف مما يفعل في الحقيقة، فما علاقة أهل الموصل بمقتل الحسين رضي الله عنه، وهو الذي قتل في الكوفة التي تبعد نحو 500 كم عن الموصل؟".
واعتبر أن "ما ظهر ما هو إلا (شيء قليل) من حقيقة ما يجري من إجرام، والمصيبة أن هذه المليشيات تصور الجرائم وتبثها، لأنها أمنت العقاب، وتمشي في ركاب المشروع الإيراني الأمريكي، ولا أحد يتجرأ بالحديث عن إرهابها، وفعل أكثر مما فعله داعش".
وفي ما يخص المخاوف من مجازر ربما ترتكب في مدينة تلعفر (شمالا) التي هجرها أهلها من الشيعة، ويتوقع عودتهم إليها بعد التحرير، قال الظفيري: "علينا أن نفهم وضع هذه الحكومة، ولماذا تفتعل هذه الأمور، تلعفر كانت تعيش بسلام، فيها سنة وشيعة وتركمان، ولم يعرفوا الطائفية".
وتابع موضحا: "عندما جاءت الحكومة التي زرعت الطائفية بكل الأماكن في العراق، وعندما خرج الأهالي من المنطقة عقب سيطرة داعش، فقد نقلت الشيعة بالطائرات -على عكس كثير من المناطق- الذين هجرت إلى النجف وكربلاء".
وبين أنهم "لا يعترضون على ذلك، ولكن الاعتراض على ازدواجية المعايير، ويريدون أن يجعلوا في المنطقة أداة لممارسة الإرهاب والإجرام في المناطق الأخرى، ورأينا في كثير من المناطق التي كانت خليطا من السنة والشيعة، وخرج منها داعش، أن الشيعة يعودون، بينما السنة يمنعون بحجة ارتباطهم بداعش، وهو ما سيحصل في تلعفر أيضا".
وشدد على أن "تركيا هي على رأس الأطراف التي يهمها الهدوء في الموصل خاصة، وفي كل العراق، والذي يسيطر على الموصل يمكن أن يؤذي تركيا من ناحية الأمن القومي".
وأكد أن "تركيا لا تسمح بالطائفية التي تؤثر على المنطقة، والأتراك لا يسمحون بهدر كرامة الإنسان، لأنهم احترموا الإنسان داخل أوطانهم، ويريدون ذلك للأوطان الأخرى، فتركيا هي الضامن الأول لمنع الطائفية في المدينة، وكذلك السعودية، إضافة إلى دول الخليج، أما أمريكا وإيران وغيرها، فهي السبب الرئيس لما يحدث من جرائم في العراق والمنطقة".
وانطلقت فجر الاثنين الماضي، معركة استعادة مدينة الموصل، شمالي العراق، من تنظيم الدولة، بمشاركة 45 ألفا من القوات التابعة لحكومة بغداد، سواء من الجيش، أم الشرطة، أم قوات الحشد الشعبي (غالبيتها من الشيعة)، أم قوات الحشد الوطني (سنية).
يأتي ذلك وسط تحذيرات حقوقية من ارتكاب مليشيات الحشد الشعبي الشيعي، انتهاكات ضد أهالي الموصل؛ حيث سبق أن واجهت الأخيرة اتهامات بارتكاب "انتهاكات" ضد أهالي مدن سنية أثناء استعادتها من "داعش" ومن بينها الفلوجة.
وتأسس الحراك الشعبي السُني في العراق مطلع عام 2013، عندما كان نوري المالكي رئيسا للوزراء، في محافظات ديالى والأنبار ونينوى وكركوك وصلاح الدين، وانطلق عبر تنظيم اعتصامات مفتوحة بمراكز المدن، وطالب بتنفيذ 14 مطلبا لأهل السُنة أبرزها إطلاق سراح الأبرياء من السجون، وإيقاف الاعتقالات العشوائية، وإشراك السُنة في إدارة المؤسسات الحكومية.