انتخب رئيس كتلة التغيير والإصلاح، ميشال
عون، رئيسا للجمهورية
اللبنانية، بعد 26 عاما من خروجه الأول من القصر الرئاسي في بعبدا بجبل لبنان.
الانتخاب جاء في ظل حضور دبلوماسي كبير، لكنه أوحى في الوقت عينه بوجود خلافات عميقة ما زالت ترخي بظلالها رغم وجود الثقل السياسي والمباركة الدولية.
وكان عون دخل عام 1988 كرجل أول في القصر الرئاسي، بعد أن كلفه الرئيس الأسبق أمين الجميل -المنتهية ولايته- برئاسة الحكومة الانتقالية؛ لانتهاء المدة الرئاسية، وعجز المجلس النيابي عن الانعقاد وانتخاب رئيس جديد.
لكن عون تعرض للنفي بعد نحو سنتين إلى فرنسا، بعد القضاء عليه عسكريا، واقتحام قصر بعبدا من قبل القوات السورية، إثر توقيع اتفاق الطائف الذي رفضه عون.
وجاءت الانتخابات الرئاسية غير مطابقة لتوقعات التيار الوطني الحر، بفوز عون من الدورة الأولى بثلثي أصوات المجلس، حيث تطلب الأمر دورة ثانية شهدت لغطا؛ لعدم تطابق أعداد الأوراق في الصندوق الانتخابي مع عدد النواب البالغ عددهم 127 نائبا.
ونال عون في الدورة الثانية 83 صوتا، ليفوز بالأغلبية المطلقة، لكنها لا تعكس أغلبية جامعة له في ظل وجود 36 ورقة بيضاء، عدا الأوراق اللاغية التي كتب في بعضها اسم الفنانة مريام كلينك (من باب الاستهزاء) والنائبتين ستريدا جعجع وجلبريت زوين.
وتعهد عون خلال خطاب القسم أمام مجلس النواب بأن يبقي لبنان بعيدا عن نيران النزاعات المشتعلة في المنطقة، مؤكدا عزمه إطلاق خطة اقتصادية تغير المسار المتدهور حاليا في البلد الصغير ذي الإمكانات الهشة.
وقال عون: "علينا معالجة مسألة النزوح السوري عبر تأمين العودة السريعة للنازحين، ساعين إلى ألا تتحول مخيمات وتجمعات النزوح إلى مخيمات أمنية". وتابع: "لا يمكن أن يقوم حل في سوريا لا يضمن ولا يبدأ بعودة النازحين".
ووصل عون، ظهر الاثنين، في موكب رسمي إلى القصر الرئاسي في بعبدا شرق بيروت، حيث استقبله الحرس الجمهوري والفرقة الموسيقية التابعة له، وتم إطلاق 21 طلقة مدفعية ترحيبا به.
صفحة طويت من تاريخ لبنان
ومن جهته، رأى النائب عن كتلة التغيير والإصلاح، الدكتور سليم سلهب، في تصريحات لـ"
عربي21"، أن "صفحة من تاريخ لبنان طويت بانتخاب العماد ميشال عون، في وقت بدأت صفحة جديدة ستستهل بالاستشارات النيابية وتسمية الرئيس المكلف لرئاسة الحكومة"، لافتا إلى "أن مسار الأمور سيتضح في الأيام المقبلة، فيما إذا كان سيستمر على الإيقاع الإيجابي نفسه، أم أن الأمور ستسير في مجال آخر".
وحول إمكانية تأخر تشكيل الحكومة بفعل التعارض الحاصل بين الأقطاب السياسية اللبنانية، قال سلهب: "التأخر في تشكيل الحكومة سيترتب عليه تداعيات كبيرة تضرّ بالمنحى التفاؤلي الذي تسير فيه البلاد حاليا"، مؤكدا "أن الترقب هو عنوان الأيام المقبلة بانتظار استكمال صورة العهد الجديد، ومن ضمن ذلك تسمية الحكومة وإعلان بيانها الوزاري".
وحول طبيعة الحكومة المقبلة، رأى سلهب أن "الصورة الأولية عن بداية العهد الجديد في لبنان ستوضحه شكل وتركيبة الحكومة المرتقبة، وعلى اللبنانيين حينها الاستنتاج والتوقع بإمكانية إنتاج هذه الحكومة من عدمه"، على حد قوله.
وعن مشهد عملية الانتخابات الرئاسية في مجلس النواب، قال: "العملية الانتخابية أظهرت وجود معارضة نيابية للجنرال عون، في ظل أجواء سلبية، لكن انتخاب الرئيس الجديد جاء بنسبة اقتراع مقبولة بلغت 83 صوتا، لكن كل ذلك ليس بإمكانه أن يترجم على أرض الواقع بنجاح وتقدم سياسي وإنمائي، إلا بوجود حكومة قوية تلازم الرئيس في مهامه وصلاحياته، وتعمل على معالجة الأزمات
الحياتية المتراكمة في فترة الفراغ، والتي يئن اللبنانيون تحت وطأتها"، على حد قوله.
وعن توقعاته فيما يخص الشراكة المستجدة بين تيار المستقبل ممثلا برئيسه سعد
الحريري، والرئيس المنتخب ميشال عون، قال: "أتوقع أن تتعزز هذه الشراكة بين الطرفين، وأتمنى أن تنتج أمورا إيجابية للبنان في حال استطاع الطرفان العمل معا، أما في حال حدوث خلافات منذ البداية، فسيرتد ذلك سلبيا على البلاد والمواطنين"، وشدد أن كلا الفريقين "حريص على إنجاح الآخر، بعد أن باتت الشراكة أمرا واقعا بناء على المجريات التي سبقت وتخللت عملية الانتخاب، وما اتفق عليه الرئيس المنتخب مع تيار المستقبل لجهة كيفية إدارة المرحلة الجديدة، وما رسماه معا من سقف الطموحات الإنمائية والسياسية المشتركة".
العهد الجديد والحسابات الداخلية
من جهته، أِشاد الكاتب والمحلل السياسي، والقيادي في حركة أمل، الدكتور نسيب حطيط، في تصريحات خاصة لـ"
عربي21"، بالحضور الدبلوماسي والسياسي الذي تحقق اليوم في جلسة انتخاب الرئيس في مجلس النواب، واعتبر حطيط أن الثقل السياسي كان في المستوى الأعلى في تاريخ هكذا مناسبات في لبنان، حيث احتشدت كل الأطراف السياسية من قوى 14 و8 آذار ومستقلين تحت قبة البرلمان، وفي المعطى الدبلوماسي، كان الحضور مميزا ولافتا لجهة الدلالة السياسية التي توحي بأن ثمة مباركة دولية لعملية إنهاء الشغور الرئاسي في لبنان، بعد أكثر من سنتين ونصف السنة من الفراغ الرئاسي وتعطل البلاد، والمراوحة الحاصلة في كل مفاصل الدولة"، وفق تصريحاته.
واعتبر حطيط أن المشهد الانتخابي في مجلس النواب حمل "دفعة إيجابية للديمقراطية في لبنان، في وقت تكابد فيه دول عربية عدة، لا سيما تلك المحيطة بلبنان، من ويلات حروب وتقهقر سياسي وانفلات أمني".
ورأى حطيط أن "لبنان اجتاز اختبارا صعبا في ظل التعددية السياسية والمناخ الطائفي الذي ظلّل البلاد لفترة ليست بالقصيرة، بالتزامن مع تدفق غير مسبوق للنازحين السوريين، وفي ظل بروز أزمة اللاجئين الفلسطينيين".
وعن ملاءمة الظروف الإقليمية لإتمام عملية الانتخاب، قال حطيط: "هناك رضى إقليمي ودولي بعملية الانتخاب، وتمثل ذلك بالترحيب الإيراني وأيضا في الجولة التي قام بها المبعوث السعودي ثائر النبهان ممثلا للمملكة قبيل الانتخابات، ما أعطى دفعا إيجابيا نحو إتمام عملية الانتخاب".
وعن الصعوبات التي تنتظر العهد الجديد، قال حطيط :"التحدي الأكبر هو تشكيل الحكومة، وقد بات إتمام تشكيلة الحكومة وإعلانها سمة ثابتة، حيث بقيت حكومة الرئيس تمام سلام 11 شهرا بانتظار استكمال عناصرها، وهو ما كان حصل سابقا أيضا في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي وغيرها من التشكيلات الحكومية، في ظل زحمة التباينات الموجودة بين الأقطاب السياسية في لبنان".
وأشار حطيط" إلى أن المسبب في تأخر إتمام تشكيلة الحكومات هو الحسابات الداخلية، وليس لأي مسعى إقليمي أو دولي دور في ذلك".
وختم حطيط حديثه بالتوقع بأن "يستنسخ البيان الوزاري للحكومة الجديدة من بيان حكومة الرئيس
تمام سلام، فيما لن تخرج التعيينات الوزارية عن العادة اللبنانية القديمة، المتمثلة في المحاصصة بين الأفرقاء السياسيين".