ترامب ومئوية وعد بلفور.. هل هما وجهان لعملة واحدة؟

تداعت الأقلام والهتافات والحملات والشعارات والدعم لكل من فريقي هيلاري كلينتون ودونالد ترامب؛ ولم نكن في شك يساورنا بأن معسكر دونالد ترامب هو الذي سيطغى صوته وليس دونالد ترامب نفسه فقط.

لا ندّعي علما ولا حسن معرفة بأمور السياسة التي نمقتها، ولكنه استقراء لما يدور في فلك التغيير عند الشعوب، ليس فقط في الولايات المتحدة الأمريكيه فقط، بل عند الكثير ممن يناصرون معسكري الفريقين، وأقصد هنا فريقا مغلفا بزهاوة وريقات الورود، وفريقا آخر جلي الوضوح في ما هو مقدم عليه، وإن كان الجوهر واحدا في تطبيق سياستيهما؛ ظلما وعدلا كما تقتضيه مصلحة من يتبعون.

وهل تكون مصادفة أن تأتي مئوية وعد بلفور الظالم في هذا التوقيت؟ ذلك الوعد الوحشي الذي اقتلع شعبا من أرضه، وفتت شمله، وأزهق الأرواح، وانتهك الحرائر، وأهلك الحرث والشجر والحجر والدواب. هل تكون تلك مصادفة مع ترشح وانتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحده الأمريكية، وهو ما فتئ يبعث منذ البداية برسائله العنصرية ضد المسلمين؟

ولا بد لنا أن نسجل هنا احترامنا للعملية الديمقراطية التي رعت الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، فلم يكن هناك من يؤول نصر معسكر ترامب على معسكر كلينتون بأصوات ليست كبيرة ليقلل من العملية الديموقراطية. وهذا يذكرنا بنتائج تصويت الشعب البريطاني للخروج من الاتحاد الأوروبي، وهو للأمانة ما كنا نتوقعه، استقراء منا لما نراه حولنا من حيث مشاعر البسطاء وغيرهم لما يرونه الأصلح لهم ولذرياتهم. 

في بحر من المراجعات لما يجري قال لي صديق عزيز، إن العالم يعيش فوضى، ليست هي الفوضى التي نعيشها في العالم العربي بالتحديد، ولكن تلك التي تعم في الغرب أيضا. ربما أستزيد هنا وأقول إنها ليست مجرد فوضى، لكنها فوضى خلاقه تدار بدهاء، ولا شك في أن الخاسر الأعظم هي الإنسانية، تلك التي كرمها الله سبحانه وتعالى في خلقه لآدم عليه السلام، ليكون الإنسان خليفة لله في أرضه، فيحكم بالعدل لينعم الإنسان بالسلام، وليس سلاما ينشد بعدل محكوم بأهواء ومصالح؟

العالم العربي يموج في فتن واضطرابات، ودماء وأرواح تزهق، وأعراض تنتهك، وأراض ممزقة تفتت، وبنية تحتية تهدم بل تكاد تندثر، وحقد طائفي علا وتجبر. وفي وسط كل هذا تمر مئوية وعد بلفور لتتعانق مع فوز دونالد ترامب، فهل نقرأ منها شيئا؟

تعلمنا أن الله عز وجل يبعث على رأس كل مئوية من السنين رجلا ليجدد للأمة أمرها ويبعث فيها الخير. بالطبع لا نقصد هنا دونالد ترامب، ولا من هم وراء مئوية وعد بلفور، فهل تكون اليقظة لتعرف أيها الإنسان الكريم خيارك؟ تلك اليقظة التي تجعلك ترفض الظلم وتبحث عن بواعث العدل بعيدا عن جاهلية معاصرة سادها ضياع الإنسان وكرامته وانتزاع آدميته كما فعل قابيل بهابيل؟ تلك اليقظة التي تجعلك تعود إلى قانون السببية في الإعداد قدر الاستطاعة، فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها.

وفي خضم هذه التسارعات، فإنه لا بد لنا من ألا نغفل وألا نغض الطرف عما يحدث في المعسكرات الأخرى، وهي في أشد ذروة اللعب بأوراق استراتيجية خطيرة. فربما تكون هي التي تقوم على أنقاض ما يخلفه تعانق مئوية ذروتها وعد بلفور مع انتخاب رئيس للولايات المتحدة الأمريكية، بما يحمله معسكره الذي سوّق لحملته الانتخابية. ولا شك في أن معسكري روسيا والصين سيبرزان بقوة أكبر مما هما عليه في المرحلة المقبلة القريبة، والأخطر في كل هذا أن يتعانق كل هؤلاء جميعا في خندق واحد لفرض ما هو أدهى وأمر مما نمر فيه.

لا نملك إلا الكلمات لنقولها، أخطأنا أم أصبنا فيما نقول، ولكننا نؤمن أشد الإيمان بما وعد الله رسله، فوعده لرسله هو وعده لعباده الصالحين الذين يتبعونهم: (وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ 46 فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ ? إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ)-(إبراهيم).

تعلمنا ونعلم في جامعاتنا أننا حين نضع خطة لأي مشروع ننوي القيام به، فإن علينا أن نركز على مقاصده ونحدد المخاطر التي قد تواجهه، فنحللها ونعيّن أولويات لها من حيث شدتها، في الوقت الذي نجعل فيه لكل مخاطرة طريقة، ليس في معالجة ما يترتب على حدوثها، ولكن الأعظم هو أن نخطط وبعين شديدة الرقابة لكي لا تحدث تلك المخاطرة، فتنجح مقاصد المشروع بأقل تكلفة مع توخي المخاطر قدر الاستطاعة.

فهل أخطر من أن يصاب الإنسان في إنسانيته، وفي صلب كرامته، وفي حقه في العيش كريما؟ فهل أخطر من أن يتعانق الظلم مع بعضه البعض؟ ألسنا أصحاب رسالة رحمة وعدل وسلام ومحبة؟

لسنا إلا متفائلين بما يحدث حتى نعرف خيارنا جليا، ولأن الفجر يبزغ والليل في حلكة ظلمته ينطوي، فتلك سنة الله في خلقه.