عبر بضع دبابات، قديمة الصنع، وراجمات صواريخ بدائية، أراد حزب الله على ما أكد بعض مسؤوليه وإعلامه، إيصال رسالة، لمن؟ أنه أصبح قوّة إقليمية مقرّرة، وأن أي نقاش في مستقبل سوريا لا بد أن يأخذ مصالحه بعين الاعتبار، في خلفية تلك المشهدية كانت القصير المدمّرة منازلها والفارغة من سكانها شاهدة على حقيقة تلك القوة وعارقة لتفاصيل تشكّلها.
استعراض الحزب لأدوات قوته وأصوله العسكرية، ثم تصريحات مسؤوليه عن قوّته الإقليمية، تشكّل مشهدية كاريكاتورية في زمن لم يعد المزاج قادرا على استساغة مثل هذه الحركات، من عنده بالفعل قدرة على الضحك في وسط كومة الدمار؟ بل والأنكى من كل ذلك أننا بعد وجبة دسمة من الفنتازيا التي جسّدتها انتخابات دونالد ترامب لرئاسة أمريكا، بتنا نشعر بتخمة تجاه الكاريكترات المضحكة، لكن الحزب محسود لقدرته على إنتاج مثل تلك المشهديات السمجة على ركاكتها وهبوط مستواها.
لكن بما أنه من طبيعة الأشياء أنّ لا أحد يقدّم نفسه على حقيقتها، تبدو بروباعندا حزب الله عن أنه قوّة إقليمية مفهومة، بيد انه أيضا لدى تفكيك هذا المصطلح الوهم بموضوعية وحياد لا بد أن نتساءل عن طبيعة الإقليمية تلك التي يتحدث عنها الحزب، فهل هي بحجم إقليم القصير مثلا أم أبعد منه إلى مضايا والزبداني؟ وهذه تحتاج إلى نفاش إذ لا يمكن التسليم بها على عواهنها، ذلك ان استدامة سيطرته الإقليمية في تلك المنطقة مرهونة بغطاء مدفعي من قبل قوات الأسد، وبتأمين طرق إمداد لوجستي تتغاضى عنها الحكومة اللبنانية، وبانشغال ثوار سوريا في ساحات معارك عديدة، وبتغير تلك الشروط أو إحداها، فإن القوة النسبية لحزب الله في ذلك الإقليم " القصير – الزبداني – مضايا" ستصبح موضع شك واهتزاز عميقين.
غير ذلك، لا يمكن الحديث عن أدوار إقليمية أوسع من تلك المساحة، خاصة في ظل الحضور الروسي في سوريا، الذي قلّص من مساحة أدوار اللاعبين الأصغر لدرجة باتت معها إيران المعلم الأكبر لحزب الله وأخواته من المليشيات الطائفية، مجرد متعهّد لأدوار قذرة يوزعها عليهم فلاديمير بوتين الذي بدوره يمارس مزيجا من سياسات ذات طبيعة إمبريالية رثة، تهدف إلى السيطرة على سوريا، معطوفا عليها محاولته تحقيق مكاسب جيواستراتيجية على المستوى العالمي على حساب نكبة السوريين ودمائهم.
في تلك المساحة القذرة، بالمعنى السياسي والإنساني، يتلقّط حزب الله أدواره التي يسميها إقليمية، ويفعل ذلك دون أدنى إحساس بالعار من حقيقة أن الثوار السوريون هزموه منذ تلك اللحظة، التي توّسلت إيران لروسيا التدخل من أجل إنقاذ ما تبقى من قوة لأذرعها في سوريا، ويحاول منظرو حزب الله القفز على هذه الحقيقة بالتأكيد أنه في السياسة لا توجد أخلاق وأن النتائج هي الفيصل!
لم يفرح أحد بتلك المشهدية أكثر مما فرحت إسرائيل، وربما ابتهل قادتها للإله بأن تزيد حزب الله قوّة إقليمية على قوّته تلك، فقد وصلت الرسالة واضحة، حزب الله غادر جنوب لبنان إلى الأبد، وأنه أصبح قوة عسكرية رثّة فقدت ميزتها بحرب العصابات وتحوّلت إلى قوة مثقلة ببعض الدبابات الصدئة، وأن الحرب السورية أنقصت من قوته كثيرا، ليس على مستوى الكادر البشري الذي من الممكن أن تزوده حاضنته بها بأضعاف الأعداد الحالية، بل على مستوى عقيدته وأساليبه القتالية.
وهذا هو الواقع الفعلي، ليس حزب الله أكثر من قوّة فصائلية يوجد من نمطها في سوريا عشرات الحركات، وإذا كان يمتلك ميزة أنه يحارب تحت غطاء القاذفات الروسية، فإن تلك القاذفات لن تستمر في تغطية المشهدية لوقت طويل، لا قدرة لها على فعل ذلك، وأقصى ما يفكر به بوتين هو تحقيق انتصارات موضعية في أماكن محدّدة، هذا إن استطاع في ظل استقطاب دولي وإقليمي حاد، وفي ظل متغيرات متسارعة في مواقف ومواقع أطراف الصراع، حينذاك، وعند غياب القوّة الروسية عن المشهدية، سيغلق المشرق أبوابه على مكوناته التي ستستعرض حينها قواها، الجميع يملك دبابات وراجمات صواريخ، وفي ذلك الحين يمكن أن نتحدث عن حجم قوّة هذا الطرف أو ذاك.