تساءل مراقبون يتابعون ملف تأليف الحكومة عما إذا كانت زيارة الموفد الملكي السعودي الأمير خالد الفيصل أمس للبنان لتقديم التهنئة إلى الرئيس ميشال عون بانتخابه، أتت في وقتها، خصوصا أن حكومة العهد الأولى لم تبصر النور، وكانوا يودّون لو أن الزيارة أتت مباشرة بعد تشكيل الحكومة.
ردا على هذه التساؤلات، قال مطلعون على مسار تشكيل الحكومة إن الزيارة أتت في وقتها؛ لأن الرياض أرادت أن تبعث برسالة إيجابية إلى الرئيس الجديد شخصيا، وأن الرسالة لها معنى خاص في قاموس السياسة الخارجية السعودية، لناحية مستوى الوفد الذي ترأسه عضو رفيع في العائلة المالكة، وأمير منطقة مكة المكرمة التي توازي بأهميتها منطقة إمارة الرياض العاصمة، فضلا عن أنه مستشار خاص للملك سلمان بن عبد العزيز.
والهدف -بحسب المطلعين أنفسهم- أن الرياض أرادت أن تقول للرئيس الجديد إنها تدعم موقعه، وإنها في صدد فتح صفحة جديدة لبنانيا، يمكن أن تشهد تطورا نوعيا بعد أن يقوم عون بتلبية الدعوة لزيارة المملكة، وبالطبع بعد تشكيل حكومة العهد الأولى برئاسة سعد الحريري تحديدا.
لم يبحث الموفد مع رئيس الجمهورية في الهبة السعودية، ولا مع أي من المسؤولين الذين زارهم؛ فالملف موجود في الديوان الملكي في الرياض، والزيارة لها "شيفراتها" الديبلوماسية، ومفادها في المرحلة الأولى أن عون الرئيس فتحت أمامه أبواب العالم العربي على مصاريعها. أما الهبة، فالسعوديون لم يبتّوها حتى الآن، وهي معلقة، وسيكون على الرئيس سعد الحريري الذي سيزور السعودية أيضا بعد تشكيل الحكومة أن يتابع الملف مع المسؤولين في المملكة، لكن من غير المستبعد أن يعاد النظر في قرار التجميد السعودي بعد زيارة الرئيس عون.
ما تقدم لا يريح البعض في لبنان، ولا يطمئنهم أن تنفتح أبواب السعودية أمام رئيس آت من تحالف متين مبدئيا مع "حزب الله". فعون العارف أنه لا يستطيع أن يحكم من دون تأييد "حزب الله" له، يعرف أيضا أنه لا يستطيع أن يحكم بعيدا عن النظام العربي الرسمي الذي تقوده المملكة العربية السعودية. وهو اذا أراد أن ينطلق في عهده الجديد يحتاج إلى إقامة توازنات دقيقة وصعبة في آن واحد.
وليس أدلّ على حراجة وضع عون أو أي رئيس آخر في هذه المرحلة، تلك العراضات العسكرية التي فرخت من القصير في سوريا، إلى الجاهلية في لبنان في الشهر الأول لانتخابه رئيسا للجمهورية، ولعلّ مشهد الجاهلية قبل ثماني وأربعين ساعة على عرض الجيش اللبناني في عيد الاستقلال، في حضور عون رئيسا للمرة الأولى، يشير إلى أن هناك فريقا يعمل بجدية على محاصرة العهد الجديد بأمر واقع يصعب تجاوزه. فـ"هيبة" العرض العسكري الرسمي بسلاحه الشرعي، بوجود رئيس جديد، ضربت مرتين في أقل من عشرة أيام. ولا ننسى المخاض الحكومي الذي ليس سوى صراع إرادات لا صراع حقائب.
لقد قلنا سابقا إن عون أتى بتسوية كبيرة توسعت. اليوم تبدو التسوية غير مكتملة، وثمة من يقول إن عهد ميشال عون سيكون عهد العواصف التي بدأت ملامحها في شهره الأول.
النهار اللبنانية