نشر موقع "ميدل إيست آي" في لندن مقالا للخبيرة في شؤون الشرق الأوسط أليسون بارغيتر من معهد "يونايتد سيرفيسز"، قالت فيه إن حظوظ الإخوان المسلمين تنتقل من سيئ إلى أسوأ، مشيرة إلى أن هناك حديثا بأن الحركة قد تلجأ إلى شكل من المصالحة مع النظام
المصري.
وتقول الكاتبة إن سبب هذا الكلام كان تصريحا في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر لنائب المرشد العام الأستاذ إبراهيم منير، الذي قال لصحيفة "
عربي21": "فليأتنا من حكماء شعبنا أو من حكماء الدنيا، من يرسم لنا صورة واضحة للمصالحة.. وعندها تكون ردود الفعل".
وتعلق بارغيتر قائلة إن كلمات منير هذه أثارت سلسلة من الإشاعات حول صفقات مصالحة سرية يتم التوسط فيها بين النظام والإخوان، بما في ذلك مصالحة تدعمها السعودية، مشيرة إلى أن التقارير الصحافية أزعجت الإخوان، فتحركوا بسرعة لتكذيب الإشاعات، وقال منير لقناة الوطن في 20 تشرين الثاني/ نوفمبر: "لم ولن نصالح النظام الانقلابي"، بالإضافة إلى أن الحركة أصدرت بيانا تنكر قيه "الأخبار الكاذبة" حول المصالحة كلها، وتؤكد التزامها "بعدم المصالحة مع القتلة، ولا تنازل عن الشرعية، ولا تفريط في حق الشهداء والجرحى والمعتقلين".
ويشير المقال، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن الحركة حاولت جاهدة تأكيد الموقف الذي بقيت ملتزمة به منذ تمت الإطاحة بالرئيس محمد
مرسي من الجيش المصري في تموز/ يوليو 2013، وهو الثبات على الموقف أملا بأن ينهار نظام الرئيس عبد الفتاح
السيسي، ما يسمح لها بالعودة.
ويستدرك الموقع بأن "السؤال هو: كم يستطيع الإخوان الاستمرار في مقاربة انتظار ما سيحصل، واللعب بنفس طويل، والتشبث بالشرعية؟، وكأن اتخاذها موقفا أخلاقيا أعلى سيحملها بشكل أو بآخر خلال أشد فترة من القمع في تاريخها الطويل مغامرة كبيرة لا تبدو أنها ستعطي نتيجة، بل إن الحركة تبدو محاصرة والضغوط تزداد من كل جانب".
الضغوط الخارجية
وتلفت الكاتبة إلى أن "انتخاب دونالد ترامب هو مثال على هذه الضغوط، وليس من الواضح بعد إن كان ترامب سيذهب إلى درجة أن يوقع قانونا يصنف حركة الإخوان على أنها منظمة إرهابية، وهو ما يقترحه مستشاره للشؤون الخارجية وليد فارس".
ويستدرك المقال بأنه "على أي حال، فإن موقف ترامب المعادي للإسلاميين لا يشكل إلا أخبار سيئة للحركة، وأعطى انتخاب ترامب السيسي، الذي كان أول زعيم أجنبي يهنئ ترامب، دفعة إلى الأمام، ويشاع أن ترامب وصف للسيسي مؤخرا بأنه (رجل رائع.. قام بالسيطرة على مصر.. وعمل على إخراج الإرهابيين)".
ويذكر الموقع أن "هذا يأتي بعد المصاعب التي تواجهها حركة الإخوان في المملكة المتحدة، التي تعد مركزا مهما للحركة، ومع أن المراجعة المثيرة للجدل التي أجرتها الحكومة البريطانية بخصوص الإخوان المسلمين لم تصنف الإخوان منظمة إرهابية، إلا أنها تضمنت نقدا قاسيا للحركة".
وتنوه بارغيتر إلى أن "التقرير البريطاني توصل إلى أن العضوية في الجماعة (مؤشر محتمل للتطرف)، وأن (جوانب من فكر الإخوان المسلمين وتكتيكهم) تتعارض مع القيم والمصالح القومية والأمن القومي للمملكة المتحدة".
وتقول الكاتبة: "صحيح أن اللجنة البرلمانية للشؤون الخارجية في البرلمان البريطاني أصدرت تقريرا عن الإسلام السياسي، في نهاية تشرين الأول/ أكتوبر، انتقدت فيه المراجعة التي أجرتها الحكومة، إلا أن هذا التقرير تسبب بزيارة وفد برلماني مصري لتحذير أعضاء البرلمان البريطانيين من الخطأ الذي وقعوا فيه".
وتضيف بارغيتر: "الملاحظ، على أي حال، هو أن الحكومة البريطانية لم تغير موقفها تجاه الإخوان المسلمين، تاركة الحركة تشعر بأنها مقيدة وتحت الضغط، وعلى المستوى الإقليمي لا تزال الحركة تتألم من المواقف الحادة، التي اتخذتها كل من السعودية والإمارات ضدها، اللتين تبنتا مقاربة لا تسامح فيها، وفي الوقت الذي أثبتت فيه كل من تركيا وقطر على مستوى أقل أنهما حليفتان قويتان، إلا أنه يتضح أن الاعتماد عليهما لا يكفي لضمان بقاء الحركة".
الصعوبات الداخلية
وتتابع الكاتبة قائلة إنه "إذا لم يكن هذا كافيا، فإن الضغط الداخلي في الحركة يتزايد، فبالإضافة إلى محاولة الحركة الحفاظ على تماسكها مع وجود معظم قياداتها في السجن أو المنفى، فإنها تجاهد لاحتواء بعض شبابها، الذين ينادون إلى مواجهة النظام".
ويورد المقال أن منير اعترف بهذا الأمر عندما قال لقناة "الجزيرة" في تشرين الثاني/ نوفمبر، إن الخلافات داخل الحركة تتسبب بها أقلية لا تقبل بالقاعدة العامة التي التزمت بها الحركة، التي تقول إن "السلمية أقوى من الرصاص".
ويجد الموقع أنه "رغم أن الحركة استطاعت كبح جماح هؤلاء الناشطين الأكثر حماسا إلى الآن، إلا أن السؤال الذي سيبقى مفتوحا هو: كم من الوقت تستطيع الحركة فعل ذلك، خاصة أن كوادرها لا يزالون يلاحقون ويسجنون".
وتذهب بارغيتر إلى أنه "في مثل هذه البيئة، ليس غريبا أن الحركة لم تستطع الاستفادة من الصعوبات المتزايدة التي يواجهها السيسي، وهذا يتضمن (ثورة الجياع)، التي كان من المفروض أن تشهد احتجاجات على نطاق واسع ضد النظام في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر، الأمر الذي لم يتحقق".
وترى الكاتبة أن "عدم تمكن الإخوان من تسخير هذا السخط الشعبي له علاقة بشكل جزئي بأن فكر الحركة لم يكن يوما مركزا حول مناصرة الفقراء، أو البحث عن حلول لعدم المساواة الاجتماعية، بالرغم من أنها استخدمت العمل الخيري وسيلة لتوسيع نفوذها، لكن أيضا لأن الحركة طحنت لدرجة أن ليست لديها قوة للفعل".
ويستدرك المقال بأنه "بالرغم من دعواتها للاستمرار في التظاهر السلمي والعودة إلى الشرعية، ولذلك تبدو الحركة أكثر فأكثر أنها قوة منهكة وفي خطر أن تصبح غير مهمة، إلا أن الحركة واقعة في مأزق، ففي الوقت الذي تسعى فيه إلى العودة إلى مصر، فإنها تعرف بأنه حتى لو كان النظام منفتحا على فكرة المصالحة، فإن السير في هذا الطريق سينطوي بالتأكيد على تنازلات غير مقبولة، يمكنها أن تترك الحركة في حالة ضعف إلى أجل غير محدود، وستكون في هذه الحالة قابلة للاتهام بأنها باعت دماء الآلاف الذين ضحوا بأنفسهم للقضية، من خلال الاستشهاد أو السجن".
الفصل بين السياسة والدين
ويفيد الموقع بأنه "في محاولة لتغيير حظوظ الحركة، فإن بعض الأعضاء جددوا دعوتهم للحركة إلى تغيير نهجها بفصل عملها السياسي عن أنشطتها الدينية التقليدية، فقال الوزير السابق في حكومة مرسي عمرو دراج في وقت سابق من هذا العام: (علنيا أن نفصل بين الدعوة والسياسة)، بل إن آخرين من داخل الحركة ذهبوا إلى أنه يجب على الحركة التقليل من أنشطتها السياسية، والتركيز على الجانب الديني، فمثلا كتب القيادي الإخواني الدفراوي ناصيف: (يجب أن نعود إلى أساليبنا القديمة وجذورنا، والتركيز على بناء دعوتنا.. لقد تورطنا كثيرا في السياسة)".
وتعلق بارغيتر قائلة إن "مثل هذا النقاش ليس غريبا، بل إنه متفاعل داخل الحركة منذ سنوات، ومن المفارقات أنه قبل ثورة 2011 تقدم أولئك الذين فضلوا عودة الحركة عن السياسة لصالح الدعوة، فيما كان ردة فعل يائسة لعدم تمكن الحركة من تحقيق تقدم سياسي خلال حكم مبارك، وواضح أن التجربة البائسة للإخوان في الحكم بعد ثورة 2011 حثت بعض الأعضاء للعودة إلى هذا الموقف".
ويشير المقال إلى أن "هذه الدعوات جاءت مؤخرا متأثرة بحركة النهضة
التونسية، التي إن لم تكن جزءا من حركة الإخوان المسلمين العالمية، إلا أنها تنتمي للتيار الفكري ذاته، ففي أيار 2016 أعلنت النهضة أنها ستفصل عملها السياسي عن الديني، وأعلنت أنها لم تعد حزبا يناضل لأجل الهوية، لكنها (حزب ديمقراطي وطني)".
ويجد الموقع أن "هذا القرار يبدو عملية تغيير ماركة أكثر منه تحولا فكريا عميقا، حيث سيكون فصل السياسة عن الدعوة إجرائيا أكثر منه أي شيء آخر، وهو أيضا محاولة واضحة من النهضة للإثبات أمام الجمهور الداخلي والخارجي أنها قادرة على تجاوز سياسة الهوية، وأن تكون حزبا مدنيا يمكن له أن يمثل مصالح وآمال التونسيين اليوم".
وتلفت الكاتبة إلى أن "جاذبية هذه المقاربة واضحة، إلا أن هناك عوامل تجعلها أسهل بكثير بالنسبة للنهضة أن تسير في هذا الاتجاه أكثر من نظيرتها في مصر، فأولا لا تحمل النهضة عبء حركة الإخوان المسلمين في مصر، التي تعد الحركة الأم لحركة عالمية وضعت الاسلام السياسي في لب فكرها، ولذلك فإن لدى النهضة حرية أكبر لرسم طريقها أكثر من (الفرع الأم)، الذي عليه الالتزام بشكل أكبر بالتقاليد".
وتقول بارغيتر إن "الأمر الثاني يتمثل في أن
حركة النهضة في تونس لم تحظ بالمساحة لممارسة الأنشطة على مستوى القواعد كذلك الذي تمتعت به حركة الإخوان في مصر، وكنتيجة لذلك كانت النهضة تعمل في السياسة أكثر من الدعوة، وبدا قادتها دائما سياسيين أكثر منهم أئمة، وهذا ما لا يمكن قوله عن الإخوان في مصر، فأحد الانتقادات التي وجهت للإخوان خلال وجودهم في الحكم هو أن قادتهم، بمن فيه الرئيس مرسي، يبدون أكثر ارتياحا لتوجيه الخطب في المساجد أكثر من التظاهرات السياسية".
وتضيف الكاتبة أن "النهضة استطاعت أن تخرج من تجربتها في الحكم متضررة، لكنها كانت متماسكة، إلا أن تجربة الإخوان في السياسة كانت كارثة حقيقية، وبالرغم من كونها تحمل راية (الإسلام السياسي)، إلا أنه تبين لدى صعودها إلى سدة الحكم أن رؤيتها السياسية كانت فارغة ومبنية على شعارات ومفاهيم ضبابية لم يمكن تطبيقها عمليا، وكنتيجة لذلك انكفأت الحركة إلى سياسة رد الفعل والتحشيد الشعبي، ما غذى فكرة أن الحركة ببساطة غير مؤهلة للوظيفة".
وتتوصل بارغيتر إلى أنه "لذلك، ففي الوقت الذي كان فيه الفصل بين السياسة والدعوة أمرا طبيعيا بالنسبة للنهضة، فإنه يستحيل بالتأكيد على الإخوان المصريين فعل الشيء ذاته، والأهم هو أن قوة الحركة في مصر كان مبعثها هو الجمع بين كونها فاعلة سياسيا وحركة اجتماعية دينية في الوقت ذاته".
هل يمكن لحركة الإخوان أن تنقذ نفسها؟
وتعتقد الكاتبة أنه "يجب على حركة الإخوان أن تفعل شيئا إن هي أرادت إنقاذ نفسها، فمع أنه يمكنها الاعتماد على قاعدتها التي ستدعمها، بغض النظر على الخيارات التي تقوم بها، فإن أرادت أن تتجاوز الأزمة وتجد طريقا إلى عودتها إلى مصر، دون أن تتعرض للخطر، فإنها تحتاج لأن تجد طريقة للإصلاح من الداخل، وهذا يتطلب الذهاب إلى ما هو أبعد من الحديث عن القيام بمراجعات، وتحتاج إلى إعادة تفكير في ما هي حركة الإخوان وماذا تمثل".
ويجد المقال أن "هذا لن يكون سهلا، فحركة الإخوان، كغيرها من الكيانات الاستبدادية، لم تكن في أي وقت تميل إلى الإصلاح أو المراجعة الذاتية، بالإضافة إلى أن محاولة تطبيق أي نوع من الإصلاحات الجادة في بيئة مسممة أمر مليء بالتحدي".
ويذكر الموقع أنه "بالإضافة إلى ذلك، فإن الحركة تصرخ مطالبة بوجود قيادة، وكما قال عضو الإخوان السابق إبراهيم زعفراني: (القيادة الحالية عاجزة، وتعيش في أزمة اتخاذ قرار كبيرة، والقرارات الصعبة تحتاج قيادة متناسبة مع فداحة الحالة)".
وتستدرك بارغيتر قائلة: "ربما يكون الأهم من ذلك كله هو أن الإصلاح يحمل معه مخاطر، وكونها حركة فضلت دائما عالم العموميات، وسعت لأن تكون كل شيء للناس كلهم، فإن وضع خطة إصلاح صلبة قد تشهد تفكك الحركة، وتدرك الحركة أن الإصلاح الحقيقي قد يحمل المخاطر التي يحملها انتظار سقوط الخصم ذاتها".
وتبين الكاتبة أن "المأساة بالنسبة لمصر هي أنه إن فشلت حركة الإخوان في إعادة صياغة نفسها، فإن مستقبل البلد سيبقى معلقا إلى الأبد في المعركة القديمة ذاتها، بين قوتين من الماضي، النظام من جهة والإخوان من جهة".
وتختم بارغيتر مقالها بالقول: "في الواقع، فإنه بعد خمس سنوات من ثورة 25 كانون الثاني/ يناير، فإنه ليس هناك بديل لهاتين القوتين القديمتين، ولا يبدو أن أيا من النظام أو الإخوان جاهزان لإصلاحات ذات معنى، وهذا يعني أن مصر على ما يبدو ستعيش فترة طويلة من الشك وعدم الاستقرار".