لجأ رئيس الانقلاب، عبدالفتاح
السيسي، في مواجهة التقارير الدولية والمحلية -التي أكدت انهيار شعبيته بعد القرارات الاقتصادية الأخيرة، التي تضمنت تعويم الجنيه- إلى تحية
المصريين بالتصفيق، ودغدغة مشاعرهم، واستخدام الاستمالة الدينية والأخلاقية، وتبرير تلك القرارات، وإطلاق ثلاثة تراجعات تتعلق بإطلاق سراح دفعات جديدة من المسجونين، وتعديل قانوني تنظيم التظاهر والجمعيات الأهلية.
جاء ذلك في كلمة ألقاها السيسي، مساء السبت، في الجلسة الختامية للمؤتمر الدوري الأول للشباب، الذي نظمته رئاسته (رئاسة الجمهورية) في مدينة شرم الشيخ، وانتقد فيه السيسي تقديم مصر على أنها دولة بتضيع على صفحات الجرائد (المصرية)، بحسب تعبيره.
وغلب على الخطاب كثرة التصفيق الحاد من قِبل الحضور، بل بدأه السيسي بدعوة الحضور للتصفيق معه للشعب المصري، كاشفا عن معرفته بالتراجع الكبير في شعبيته. واختتمه بترديد عبارته المشهورة "تحيا مصر" ثلاث مرات.
دغدغة عواطف المصريين
بدأ السيسي خطابه بدغدغة عواطف المصريين، فوصف الشعب المصري بالعبقري، طالبا الوقوف تحية لشعب مصر، باعتبار أنها "تحية واجبة" "لشعب مصر العظيم المثابر الواعي، الذي أثبت بلا أدنى شك أنه شعب عبقري، وصانع للحضارة، وقادر على الصمود ومواجهة التحدي"، وفق وصفه.
ثم قال السيسي: "اسمحوا لي أن نقدم التحية لشعب مصر"، ليدخل السيسي والحضور في فاصل من التصفيق الحاد، الذي استمر قرابة عشرين ثانية، قبل أن يعلق السيسي فيعتبر أن تصفيقه هذا، والحضور، هو "تحية واجبة للشعب المصري".
وأضاف: "اسمحوا لي أن أحدثكم باسم مصر: "مصر بتشكركم أنكم حافظتم على كرامتها وكبريائها.. كتر خيركم يا مصريين.. شكرا جزيلا".
وأبدى السيسي تقديره "للي حصل الشهر اللي فات، واللي قبله.. إحنا بنتكلم عن 30 شهرا.. كلها محاولات علشان الدولة دي ما تكملش" (يقصد عدم الاستجابة لدعوات التظاهر يوم 11 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، تحت شعار "ثورة الغلابة").
استمالة دينية وأخلاقية
وفي خطابه، لجأ السيسي أيضا إلى الاستمالة الدينية بدعائه: "يا ر ب.. ما تحوجنا إلا ليك أنت بس". ولجأ إلى الاستمالة الأخلاقية فقال: "أرجو أنكم تخلوا بالكم من الكلام اللي بأقوله ده: السياسيات بتاعتنا قائمة على قيم ومبادئ قلَّ وجودها".
هكذا برَّر قراراته الاقتصادية "المؤلمة"
وعاد السيسي لتبرير قراراته الاقتصادية التي شملت تعويم الجنيه، وتسببت في سخط شعبي واسع، قائلا: "اتخذنا حزمة من الإجراءات الإصلاحية في مجال الاقتصاد تسعى لتحسين المؤشرات الاقتصادية، وتحفيز مناخ الاستثمار، وتهيئة البنية التحتية للدولة؛ كي تكون مركزا اقتصاديا إقليميا، وبما تنعكس آثاره إيجابيا على مستوى معيشة المواطن، وجودة الخدمات المقدمة إليه"، على حد قوله.
وشدَّد على أن "معاناة المصريين أمر لا يمكن تجاهله أو إغفاله، مردفا: "لذا أتت توجيهاتي للحكومة بضرورة اتخاذ مجموعة من إجراءات الحماية الاجتماعية، بالتوازي مع إجراءات الإصلاح الاقتصادي، بحيث تضمن تخفيف حجم الآثار المجتمعية السلبية التي قد تعاني منها الطبقات الاجتماعية الأكثر تعرضا لمخاطر الإصلاح من الطبقتين الفقيرة والمتوسطة".
في السياق نفسه، برأ السيسي سياساته الاقتصادية من المسؤولية عن تردي الأوضاع الاقتصادية في البلاد؛ إذ أرجعها إلى تراكمات السنوات السابقة، فقال: "إن الدولة تواجه تحديات اقتصادية ضخمة نتجت عن مسببات عديدة تراكمت على مدار عقود، وأدت إلى ارتفاع حجم الدين العام، وازدياد مطرد في عجز الموازنة، وانخفاض الناتج القومي، وتراجع حجم الصادرات إلى الخارج، وانكماش قاعدة الإنتاج الصناعي والزراعي، وتراجع في القطاع السياحي"، وفق قوله.
يثني على شجاعته.. ويزعم "التجرد"
وأثنى السيسي على شجاعته في اتخاذ القرارات السابقة، زاعما أنه لم يكن هناك بديل عنها، وأنه لا يأبه بتراجع شعبيته.
فقال: "أقول لكم بكل صدق، إن إجراءات الإصلاح الاقتصادي الأخيرة كانت تستلزم من القائمين على أمر هذا الوطن قدرا من الشجاعة لاتخاذها، خاصة في ظل وجود بعض الآثار السلبية على المواطن، والحق أقول أيضا إن معاناة المصريين أمر لا يمكن تجاهله أو إغفاله".
وأضاف: "لذلك كانت المواجهة حتمية تفرضها علينا المسؤولية السياسية، والضمير الوطني، والتجرد من أي اعتبارات إلا اعتبارات الصالح العام، ومستقبل أبناء الوطن"، على حد قوله.
وزعم أنه لم يكن يوما يسعى إلى حصاد شعبية، أو الحصول على تقدير، بقدر ما كان شاغله وهمه الأول أن "نقتحم مشكلاتنا المتراكمة، وحلها بما يمليه علينا الواقع والضمير"، بحسب وصفه ، في إشارة واضحة إلى إقراره بتراجع شعبيته.
إطلاق دفعات مساجين أخرى ومراجعة "التظاهر والجمعيات"
ولم يشأ السيسي أن ينتهي من خطابه قبل إطلاق ثلاثة تراجعات، تخص ملفات المسجونين، وتعديل قانوني تنظيم التظاهر والجمعيات الأهلية.
فأشار إلى أنه استخدم سلطاته الدستورية في إصدار عفو عن عدد من الشباب المحبوسين، كدفعة أولى تليها دفعات أخرى، وفق قوله.
وتراجع تراجعا تكتيكيا عن معارضته السابقة لتعديل قانون "تنظيم التظاهر"، فقال: "في إطار بحث تعديلات القانون 107 لسنة 2013، الخاص بتنظيم الحق في التظاهر والتجمعات العامة، وعلى ضوء الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا، فقد اطلعت على المقترحات المقدمة من المجلس القومي لحقوق الإنسان والأحزاب السياسية وشباب البرلمان، ووجهت الحكومة بسرعة إلى تقديم مشروع لتعديل قانون التظاهر إلى مجلس النواب خلال خمسة عشر يوما".
وهنا قال مقهقها: "يعني عايزين نقول لكم زي المرة اللي فاتت: إنتوا بتحبوا التظاهر أوي كده".
وبالنسبة لموقفه من قانون الجمعيات الأهلية، فقد تراجع السيسي أيضا، مشددا على أنه "يتوجه بالطلب إلى مجلس النواب بإعادة مناقشة قانون الجمعيات الأهلية بما يتناسب مع طبيعة عملها، ودون الإخلال بالدستور واعتبارات الأمن القومي"، وفق تعبيره.
ويذكر أن قانون الجمعيات الأهلية، الذي أقره مجلس النواب، أخيرا، أثار غضب الجمعيات الحقوقية في الداخل، والهيئات الدولة في الخارج، وهو ذات ما تعرض له قانون "تنظيم التظاهر"، الذي يقيد الحق في التظاهر، ويطلق يد الشرطة في قتل المتظاهرين، دون محاسبة.