نشرت صحيفة "ليسبريسو" الإيطالية، تقريرا حول ظروف إقامة عدد من مقاتلي
تنظيم الدولة في سجن مدينة كركوك في شمال
العراق، والذين تم القبض عليهم خلال المعارك الدائرة، فضلا عن دوافع انضمامهم لهذا التنظيم.
وقالت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، إن تنظيم الدولة أثبت مرة أخرى أنه لم ينته بعد، فقد قام في 21 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي بعملية نوعية ضد مدينة كركوك، شارك فيها حوالي 100 عنصر، مسلحين بالبنادق وقاذفات الـ"آر بي جي" والأحزمة الناسفة، هاجموا خلالها فندقين ومدرسة وثكنة عسكرية ومسجدا، واحتجزوا عددا من الرهائن ليوم ونصف، بهدف تحرير بعض عناصرهم المحتجزين لدى القوات الكردية.
وذكرت الصحيفة أنها نجحت في الحصول على فرصة استثنائية لإلقاء نظرة على
سجن كركوك، ومحاورة أحد هؤلاء السجناء الذين شاركوا في الهجوم الأخير، وهو الشاب المنحدر من قضاء الحويجة، عدي عباس سبحان (24 عاما).
وأضافت أن الجنود
الأكراد "جروا السجين عبر الرواق في السجن، وقاموا بوضعه قبالة الجدار بجانب سجينين آخرين تم عرضهم أمام الصحفيين كأنهم غنائم حرب، وأيديهم مقيدة إلى الخلف، وأعينهم معصوبة، والرعب يملؤهم".
وبينت أن حراس السجن رفضوا دخول الصحفيين إلى الزنازين، واشترطوا للقيام بمقابلة هذا الشاب حضور ثلاثة من عناصر الأمن والمخابرات لمراقبة سير الحوار.
وقالت إن "المقاتل المحتجز (عدي) كان نظيف الوجه، ويرتدي بدلة، ولا شيء يوحي من النظرة الأولى بأنه تابع لأخطر التنظيمات المسلحة".
ونقلت الصحيفة عن "عدي" قوله: "تم تجنيدي من قبل تنظيم الدولة في بداية 2014، أي قبل بضعة أشهر من دخول الموصل، على يد رجال الأمير أبي إسلام العراقي، وكنت قبل ذلك أعمل في مجال البناء، وهي المهنة التي عملت فيها منذ أن كنت صغيرا، فعائلتي فقيرة جدا، وكان علي أن أساعد أمي على إطعام إخوتي".
وأضاف "عدي": "كنت أجني من هذه المهنة 30 دولارا في أحسن الحالات، ولكن تنظيم الدولة في المقابل أمن لي مبالغ أكثر بكثير، فقد كانوا يعلمون أن المال هو السبيل لإقناع الناس بالانضمام إليهم، وعرضوا علي دفع حوالي 200 ألف دينار عراقي شهريا، أي حوالي 150 دولارا، ولكنني لم أحصل على هذا المبلغ كاملا".
وأشارت الصحيفة إلى أن "عدي" ولد في سنة 1992، ونشأ تحت الاحتلال الأمريكي في إحدى أكثر مناطق العراق توترا، والتي كان فيها السنة يعانون من الاضطهاد. وفي هذا السياق؛ قال هذا المقاتل: "لم أتمتع بطفولتي مثل بقية الأولاد، حيث إنه لم يكن بإمكاني أن ألتحق بالمدرسة لأن عائلتي فقيرة.. لقد كبرت وأنا لا أرى حولي شيئا غير الفقر، والنقمة تجاه الأمريكان أولا، وتجاه حكومة المالكي الشيعية ثانيا. لقد شعرت بأنه تم التخلي عني، وعندما اقترب مني رجال تنظيم الدولة؛ قلت إن هذه هي الفرصة المناسبة لتأمين حياة أفضل لعائلتي.. هذا هو سبب التحاقي بالتنظيم، ولم تكن تحركني أية دوافع أيديولوجية".
واعتبرت الصحيفة أن رواية "عدي" تؤكد أن ما يحرك هؤلاء المقاتلين ليست الدوافع الدينية، أو حلم دولة الخلافة الإسلامية، بل هو الحاجة إلى المال، "فبفضل الإغراءات المادية؛ اقتنع "عدي" بالانضمام للتنظيم، وأقنع عددا من أقرانه بمبايعة الخليفة".
ونقلت الصحيفة عن "عدي" قوله: "لقد تم تجنيدي داخل المسجد، بعد أن تقربوا مني بداية في الشارع والأماكن العامة، وكان المسؤولون عن التجنيد في التنظيم يعرفون كل القرى، وظروف عيش الناس، وكانوا يختارون أهدافهم بكل دقة، ويركزون على الناس الذين يعانون الفقر والحاجة، ويغرونهم بالمال والعيش الكريم، وبتأمين الحماية لهم ولعائلاتهم".
واعتبرت الصحيفة أن تنظيم الدولة يمثل بالنسبة للشبان "فرصة للخروج من الفقر، وتحقيق الذات عبر تأمين الاحتياجات المادية والحماية للعائلة، كما أنه يمثل تعبيرا عن الهوية السنية، إذ لعب التنظيم على وتر الغضب الشعبي تجاه حكومة نوري المالكي، التي شعر تجاهها السنة بالغضب والإحباط بسبب انعدام العدالة، ولذلك يسعى التنظيم لزرع الرغبة بالانتقام في صفوف هؤلاء الشباب، ولا يحدثهم منذ البداية عن الجهاد والعمليات الاستشهادية وحلم إقامة دولة الخلافة".
وقالت الصحيفة إن مسؤولين أكرادا أكدوا أن عناصر تنظيم الدولة يوجد بينهم أيضا عناصر من النظام العراقي السابق الذي كان يقوده صدام حسين، "فخلال الهجوم الذي تم في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي على سجن كركوك؛ شارك بالإضافة إلى بعض الشبان المجندين، بعض المقاتلين الكهول الذين كانوا يمتلكون خبرة كبيرة في حرب الشوارع، وهؤلاء ينتمون إلى نظام صدام حسين، ويتمتعون بتدريب عسكري على مستوى عال، كما أنه يوجد بينهم عناصر من الأجانب".
وأضافت أن جدران السجن لا تزال تحمل آثار تلك المعركة، التي حاول من خلالها تنظيم الدولة تحرير سجنائه، وقد كانت آثار الرصاص والقذائف واللون الأسود الذي يكسو الجدران؛ شاهدة على ضراوة المعركة التي دامت قرابة اليومين، "وخلال هذه العملية؛ لعب هذا الشاب، عدي عباس سبحان، دور الوسيط بين عناصر التنظيم القادمين من الحويجة، وعناصر خلية نائمة تابعة له في داخل كركوك".
وقال "عدي" إن عناصر التنظيم أوضحوا له أن الهجوم على كركوك؛ يهدف بالأساس إلى افتكاك بعض المناطق النفطية من أجل السيطرة على الاقتصاد، وإظهار أن التنظيم لا يزال يتمتع بكل قدراته رغم معركة الموصل.
ونقلت الصحيفة عن "عدي" قوله: "لقد خططنا لهذه المعركة طوال أسابيع، وكان عددنا حوالي 100 مقاتل، مقسمين إلى مجموعات من 20 مقاتلا، وكان من بيننا 30 شخصا يرتدون أحزمة ناسفة، وعند وصولنا للمدينة؛ تفرقنا لاستهداف مناطق محددة، ولم يكن من الصعب علينا إيجاد منازل يسمح لنا سكانها بالتمركز على الأسطح للقيام بعمليات القنص، فالعديد من السكان في هذه المدينة يكرهون المليشيات الكردية، ويشعرون بالظلم".
وذكرت الصحيفة أنه "رغم تخلي هذا الشاب عن التنظيم، وهروبه خلال تلك المعركة بعد أن رفض تفجير نفسه بحزام ناسف؛ فإنه لا يمكن التأكد مما إذا كان انضمامه للتنظيم قد تم لدوافع مادية بحتة، أم إنه يؤمن بأيديولوجيا وأفكار هذا التنظيم، إذ إنه لا جدال في أن الانقسامات الطائفية هي التي تغذي توسع تنظيم الدولة في العراق في السنوات الأخيرة".
وقالت الصحيفة إنها عندما سألت "عدي" الذي يواجه اليوم عقوبة الإعدام، عن شعوره حيال ذلك؛ رفع رأسه نحو السقف وقال: "طبعا الجميع يخافون من الموت".
وفي الختام؛ رأت الصحيفة أن تنظيم الدولة سيواصل شن هجماته على كركوك؛ ليثبت أن الخطورة ستظل قائمة حتى في حال سقوط عاصمته، خاصة وأنه يتمتع بدعم خلايا نائمة قام بتركيزها خلال الفترة السابقة، مستفيدا من الدعم الشعبي الذي يحظى به من قبل شبان على غرار "عدي".