خصصت صحيفة "الغارديان" افتتاحيتها للحديث عن
تركيا والضغوط المتعددة التي تتعرض لها، والجرأة التي تحلت بها لمواجهتها.
وتشير الافتتاحية، التي ترجمتها "
عربي21"، بداية إلى المذبحة التي ارتكبت عشية رأس السنة الميلادية في الملهى الليلي "رينا" في إسطنبول، التي قتل فيها 39 شخصا، وأعلن
تنظيم الدولة مسؤوليته عنها، لافتة إلى أنها "أدخلت تركيا في مستوى جديد من الحزن والقلق، وحولت ليلة الاحتفال إلى حمام دم، حيث مزقت البندقية الأوتوماتيكية أجساد الراقصين والمشاركين في الحفل، بشكل أعاد إلى الذاكرة
الهجوم على مسرح باتاكلان في العاصمة الفرنسية باريس، في 25 تشرين الثاني/ نوفمبر، وعلى العالم التعبير عن التضامن مع الضحايا بقوة وعلانية، كما فعل مع فرنسا".
وتقول الصحيفة إن "تركيا ترزح تحت وطأة صدمات متعددة، وهي أمة مهتزة تعيش خوفا من إمكانية حدوث عنف آخر في عام 2017، حيث تواجه نزاعا في الداخل، وتداعيات الحرب والفوضى في الشرق الأوسط، وحدثت صدمة الإرهاب، إلى جانب ركود سياسي على نطاق واسع أعقب العملية الانقلابية، بالإضافة إلى التوتر الذي خلقته مشكلات التعامل مع وصول ثلاثة ملايين لاجئ في السنوات الأخيرة، وأحيانا بثمن إنساني كبير".
وتعلق الافتتاحية قائلة إن "هذه القوى، كل له طبيعته الخاصة ومداه، ويجب ألا تدمج في بعضها، وهي ليست مرتبطة أوتوماتيكيا، لكن يجب أخذها بعين الاعتبار عند محاولة فهم الضغوط التي يتعرض لها المواطنون الأتراك".
وتجد الصحيفة أن "وجود إحدى هذه المشكلات في أي بلد كافٍ لأن يكون تحديا عظيما، وإن جاءت مجتمعة فهي بمثابة امتحان عظيم، واضعة أمة تعيش استقطابا على منعطف مهم وربما حاسم".
وتلفت الافتتاحية إلى أن "هجوم الملهى الليلي حدث في مدينة غنية تاريخيا ومنفتحتة، وذات معالم سياحية كثيرة، وجاء القتلى من 14 دولة، ما يوسع مدى الحادثة وصداها، وقال تنظيم الدولة إن (بطلا من جنود الخلافة) استهدف المكان، حيث كان (المسيحيون يحتفلون بعيد وثني)، وقال إن المهاجم قام بالعمل (انتقاما لدين الله)، ولأن تركيا (خادمة الصليب)، وكان الجيش التركي قبل العملية منخرطا في عمليات عسكرية مكثفة في شمال سوريا، حيث يواجه تنظيم الدولة والجماعات الكردية المسلحة".
وتبين الصحيفة أن "تركيا عدلت، بشكل مفاجئ، من سياستها في الشرق الأوسط، وتحالفت مع روسيا، ما سهل سقوط المنطقة التي كانت تحت سيطرة المقاتلين المعارضين لنظام بشار الأسد في حلب الشرقية، وهذا وضعها في مرمى الجماعات التي تدعي أنها حامية للسنة المسلمين، رغم أنها تقوم بتعذيبهم، لكن المخاطر التي يمثلها التنظيم على تركيا سبقت هذا التغيير في التحالفات، وعليه فإن الدافع الرئيسي لأنقرة هو الحد من طموحات الأكراد في المنطقة".
وتنوه الافتتاحية إلى أن "مأساة إسطنبول جاءت بعد قائمة طويلة من الجرائم التي حدثت في تركيا، بشكل يجعلها الدولة الغربية -كونها عضوا في الناتو- التي كانت الأكثر معاناة من الهجمات الإرهابية في السنوات الأخيرة، فمنذ عام 2015 قتل أكثر من 400 شخص بسبب الهجمات التي نسبت إلى تنظيم الدولة والجماعات الكردية، وهو عدد أكبر مما تحملته الولايات المتحدة وفرنسا وبلجيكا وألمانيا منذ ظهور تنظيم الدولة، وقد تم التغاضي عن هذه الحقيقة، حيث تركزت التعليقات على الطريقة القاسية التي استخدمها الرئيس التركي رجب طيب
أردوغان في التعامل مع المعارضة، ووصلت ذروتها بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة".
وترى الصحيفة أن "الرئيس التركي المستبد والمصاب بجنون االعظمة لا يستحق التعاطف، فقد تم اعتقال أكثر من 140 صحافيا ومثقفا وكاتبا، وتعرض مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي للتحقيق، وفتحت تحقيقات قضائية ضد 80 ألفا في أكبر عملية تطهير شهدتها تركيا، وتعاني العلاقات التركية مع حلفائها الغربيين من توتر؛ بسبب ملف حقوق الإنسان، والتباين في المواقف في الشرق الأوسط".
وتقول الافتتاحية إنه "من السهل النظر إلى البلد في قبضة الديكتاتورية، والنظر إلى الديكتاتور فقط، وتجاوز ملايين المواطنين الذين يعيشون في البلاد بتنوع وطموحات متعددة، وهناك شخص واحد يتم التركيز عليه، أردوغان، نظرا للسلطات التي يتمتع بها".
وتختم "الغارديان" افتتاحيتها بالقول إنه "في وقت تنعى فيه الأمة موتاها، فإن الطريقة المثلى للتعبير عن التضامن، بتذكر أنه رغم الضغوط فإنه لا يزال هناك مجتمع مدني حي في تركيا، وتطلعات للحرية والديمقراطية والتسامح، وليس للكراهية والانقسام، وتظهر الأمة شجاعة أمام هذه الكدمات المتلاحقة التي تعاني منها، وتظهر مقاومة مثيرة للإعجاب، خاصة عندما تحصل المأساة، وشجاعة المواطنين لا تستحق تعاطفنا فقط، لكنها تستحق دعمنا الكبير أيضا".