قال لي صديقي المسيحي: «ما الذي يحدث لكم أيها المسلمون؟ عنف في كل بقعة ينشط فيها الإسلام ويكثر فيها المسلمون، أحداث إرهاب في بلاد غير إسلامية ينفذها مسلمون، خطابات كراهية تتداول بين أئمتكم وعلماء دين مسلمين».
أجبته: مهلا يا صاحبي، يجب أن نميز أولا بين المسلم ومن يزعم أنه هو فقط المسلم، إذ تعلمنا من النبي محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - أن التكفير والترهيب والحض على العنف والمعاملة القاسية وكل ما ينسب لأعمال الجاهلية، هو أمر لا يمت للإسلام بصلة، وفي جميع أحاديثه كان ينهى عن العنف، إذ إن الإسلام يقدم التسامح والحب وكرم الأخلاق على أي شيء آخر، كما أن قصص التاريخ أشارت إلى كثير من غير المسلمين أحبوا أخلاق محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - قبل أن يتعرفوا على الإسلام، فكان خير رسول لمهمته التبشيرية.
لا نستطيع يا صاحبي أن ننسب الإسلام لابن لادن أو الزرقاوي أو أبي بكر البغدادي، أو كل هؤلاء الوحوش الذين يتمنطقون بأحزمتهم النارية ويفجرون أنفسهم، وسط أبرياء بعضهم أطفال في عمر الزهور.
كان الخلفاء يرفضون أي ظلم يتعرض له المسلم، أي مسلم، حتى لو كان الطرف الآخر ذا وزن أو جاه دنيوي، وقد بدأ الرسول عليه الصلاة والسلام بنفسه عندما نزلت عليه الآية لقصته مع عبدالله ابن أم مكتوم: «عبس وتولى أن جاءه الأعمى»، أو صحابته الكرام عندما رفض أبوبكر إسقاط ركن الزكاة، وعندما حكم عمر بمعاقبة جبلة بن الأيهم تجاه ضربه لآخر على رغم أنه من ملوك الغساسنة، أما قصص علي بن أبي طالب فكانت لا تحصى عن حرصه الشديد على العدل والمساواة، حتى لو خسر بذلك الخلافة كلها وهو ما كان، إذ أصدر قرارات بعزل بعض الولاة لأنه يراهم يحرصون على مكاسب شخصية فاتحدوا ضده وبقية القصة معروفة.
قال صاحبي: جميل ما ذكرته، لكن ألا ترى أن ظاهرة العنف المرتبطة بالإسلام تظل مقلقة لدين يدعو إلى السماحة بحسب قولك؟ ثم إن هذا الداء بدأ مبكرا لديكم، منذ مقتل الخليفة عثمان وابتداء الحرب بين الخليفة علي ومناوئيه وهم أكثر من جناح، واستمرار الصراع بين الأمويين والعباسيين حتى يومنا هذا؟
قلت له: أتفق معك في أن العنف استشرى بسرعة غير متوقعة، لكن لا تنسَ شيئا مهما جدا، وهو أن كل الآيديولوجيات والأديان تجابه برفض من جهة وتجابه بصراع على السلطة من جهة أخرى، ليصبح القتال داخليا.
أتصور أن هناك تقصيرا من علماء المسلمين كونهم يقحمون الإسلام في الصراعات السياسية، خلافا للديانات الأخرى التي حسمت أمرها منذ قرون، وعليه تداخلت مفاهيم الدين مع طموحات السياسي واستغلاله، وكما تلاحظ يدخل الصراع السني - الشيعي ضمن هذا الإطار الذي جيّره السياسي، فيما أن الرسول عندما توفي لم يكن هناك إلا مسمى «مسلم» فقط ولا تقسيم آخر.
قال: توقعت دفاعك، إلا أنك لم توضح ما هي الحلول بالنسبة لما يجري حاليا، فهناك بحار من الدماء معظمها بريئة تسفك باسم الإسلام؟ قلت له: لا أدّعي أنني أملك حلولا سحرية، فهناك من هو أقدر ولم يستطع ذلك، بل إن دولا تواجه هذه المحنة وتقف حائرة إزاءها. الأمر يتطلب من جميع الدول تضحيات هائلة وحزما أكبر وقوانين صارمة وتحديثا لمفاهيم الأطر التشريعية على المدى القصير، يصاحبها ثورات تعليمية وإعلامية وقانونية على المدى الطويل، ومن المنطقي أن يرتبط ذلك بإصلاحات دستورية وديموقراطية، وتكريسٍ أكبر لمؤسسات المجتمع المدني تنال فيه المرأة حقوقها كالرجل، وينالون جميعا حرية الرأي وفتح مجال النقد المباشر، والقضاء على الفساد واستقلالية القضاء وتقنين قوانين الإسلام.
قد أكون أطلب مرتقىً صعبا، إلا أن غير ذلك لن يحل أزمة يتخبط بها الإسلاميون، وستنتهي بالأخير حتما ضدهم، ولكن بعد تدمير كل منجزات أوطانهم.