توفي الرئيس الإيراني الأسبق الشيخ هاشمي رفسنجاني يوم الأحد الماضي (8 يناير 2017) إثر نوبة قلبية مفاجئة، ترك وراءه ماضيا حافلا بمواقف وأحداث وأسرار، ومستقبلا فقد مهندس "البرغامتية الثورية"، قلّ نظيره، ويُفترض أن يتأثر بفقدانه على الصعيد الداخلي والخارجي.
آية الله هاشمي رفسنجاني الذي كان من الجيل المؤسس للثورة الإسلامية، ثم للجمهورية الإسلامية، تقلد فيها مناصب كبيرة لم يشغلها جميعها غيره، بدءا من رئاسة مجلس الشورى الإسلامي، ومرورا بقيادة حرب السنوات الثمان، وكذلك رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس خبراء القيادة، ووصولا إلى رئاسة مجلس تشخيص مصلحة النظام.
قيل الكثير عن شخصية الشيخ رفسنجاني، وحياته السياسية، وأدواره ومواقفه وسياساته، في حياته ومماته، وهناك من أشاد به ومن انتقده، لكن ما اشترك فيه أنصاره ومنتقدوه وخصومه، أنه كان سياسيا داهيا فطنا، تميز برباطة الجأش وبرودة الأعصاب، وكونه رجلاً ثورياً، لم يمنعه أن يكون براغماتيا لأقصى الحدود، حيث لم تشهد إيران، وربما الحركات الثورية في العالم رجلا مثله يجمع بين الثورية ومثالياتها، وبين البراغماتية والواقعية السياسية.
هنا نستعرض حياته السياسية في أربع محطات مصيرية في كل منها يتكشف بعد من شخصيته:
المرحلة الأولى: رجل الثورة (1956 ـ 1979)
المرحلة الأولى تبدأ في عشرينيات من عمره في مدينة قم العاصمة الدينية لإيران، حيث تتلمذ فيها عند كبار علمائها، منهم آية الله سيد روح الله الخميني، وفي جلسات درسه، مال الشيخ رفسنجاني للسياسة والوقوف ضد استبداد النظام الملكي، فسرعان ما تحول إلى عنصر نشيط ومهم في الحركة الثورية التي كان يقودها آية الله الخميني وخاصة بعد عام 1963 ومذبحة مدرسة الفيضية بقم، فسجن خلال هذه المرحلة 7 مرات، مدة جميعها أربعة أعوام وخمسة أشهر وكان خلالها نصيبه كم كبير من التعذيب القاسي في السجون على يد استخبارات الشاه "الساواك"، وربما أنه كان الشخصية التي نالت قسطاً أكبر من هذا التعذيب بين العلماء، كما أنه عاش التجربة الثورية بكل تفاصيلها، وحيثياتها.
وخلال نفي آية الله الخميني في هذه المرحلة، لعب الشيخ هاشمي رفسنجاني دورا بارزا في قيادة الحركة الثورية إلى جانب آيات الله "الخامنئي"، و"مطهري" وآخرين، وكان من النواة المؤسسين لجمعية العلماء المناضلين عام 1978 قبل عام من انتصار الثورة.
انطلق الشيخ رفسنجاني نحو السياسة والتعاطي مع القضايا السياسية الداخلية من منطلق رؤية فكرية وسياسة شاملة، عابرة للحدود الإيرانية وقضاياها، والدليل على سعة أفقه وبعد نظره هذا، تأليفه كتاب "إسرائيل وفلسطين" عام 1956 وعمره 22 عاما، قبل أن تندلع أولى شرارات الثورة، مما يعني أن منطلقات الشيخ رفسنجاني في معارضة النظام الملكي لم تكن إيرانية فحسب، بل كانت في إطار رؤية متكاملة في سياق فهمه العميق للاستعمار والاستكبار الذي تناوله بإسهاب في هذا الكتاب.
والدليل الآخر على تجاوز أفق رؤيته السياسية، القضايا الداخلية إلى قضايا عالمية وإقليمية، وعلى رأسها القضية الأم أي القضية الفلسطينية، مقاله عام 1960 عن هذه القضية، الذي أثار جدلا واسعا في الأوساط السياسية آنذلك، ثم ترجمته لاحقا كتابا عن القضية الفلسطينية قبل الثورة، يقول الشيخ حول ذلك في مذكراته: "كنت قد كتبت مقالا عن فلسطين، كان له وقع كبير في تلك الأيام فقد كانت القضية الفلسطينية مسألة غير مطروحة في إيران، استعنت لكتابة هذه المقالة بكتاب أعطاني إياه المرحوم آية الله الحاج ميرزا خليل كمره اي، بعنوان القضية الفلسطينية للسفير الأردني في إيران (أكرم زعيتر)".
ويضيف: "وقد تأثرت بهذا الكتاب إلى حد أنني بكيت أكثر من مرة وأنا أطالع". ثم قرر ترجمته، فأنهاها عام 1963 في قريته "نوق"، وبعد فترة وجيزة من إصدار طبعته الأولى انتهى الكتاب في السوق، وكما يقول في مذكراته أحدث الكتاب ضجة سياسية كبيرة في البلد، ليس بسبب نصه الذي يعود للكاتب أكرم زعيتر، بل بسبب المقدمة القوية التي كتبها المترجم، التي كانت تمثّل فهمه الدقيق لمدلولات الأحداث الإقليمية آنذاك، فعندما اطلع رئيس الوزراء الإيراني الدكتور محمد مصدق في إقامته الجبرية بعد الانقلاب الأمريكي عليه، أوصى بضرورة طباعة ونشر الكتاب لأهميته وقدم مبلغا مالياً لهذا الغرض.
المرحلة الثانية: رجل الدولة (1979 ـ 1997)
أما المرحلة الثانية من حياته السياسية، بدأت مع انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979 حتى عام 1997، عندما ترك السلطة التنفيذية. انتقل الشيخ هاشمي رفسنجاني خلال هذه المرحلة من رجل الثورة إلى رجل الدولة المقتدر، خلال هذه السنوات التي تقلد فيها الشيخ رفسنجاني مناصب عديدة وحساسة لم يحتلها غيره كلها، ترك بصمات كبيرة على كافة الأصعدة تقريبا، سياسيا واقتصاديا وعسكريا، هنا في هذه المرحلة برزت شخصيته كرجل الأزمات، لقدرته على حل أزمات داخلية وخارجية عصفت بالبلد في هذه المرحلة التي تقلد فيها من عام 1989 إلى 1997 أهم منصب تنفيذي في البلد، وهو رئاسة الجمهورية، التي تزامنت مع انتهاء الحرب الإيرانية العراقية، ونظراً للظروف التي كانت تمر بها الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وخاصة بعد الحرب، كان الاقتصاد على سلّم أولوياته في ولايتيه الرئاسيتين.
عموما، فيما يلي نستعرض أهم إنجازاته خلال هذه الفترة الزمنية الحساسة:
ـ دوره البارز في تثبيت الثورة في أصعب ظروف مرت بالجمهورية الإسلامية
ـ لعب دورا محوريا في التحول من إيران الثورة إلى إيران الدولة
ـ مساهمته المؤثرة في إنهاء الحرب الإيرانية العراقية
ـ المساهمة الفاعلة في ملء الفراغ الحاصل على رأس هرم الثورة بسرعة، بعد وفاة مؤسسها، عبر إقناع مجلس خبراء القيادة بالتصويت لصالح آية الله الخامنئي، واختياره قائدا للثورة الإسلامية عام 1989.
ـ قيادة ناجحة لعملية البناء بعد الحرب، حيث عرف بـ "مهندس البناء"، وإعادة إعمار البلد المُدمّر خلال ثماني سنوات من الحرب.
ـ الانفتاح على الغرب، والعالمين العربي والإسلامي، حيث كان أول رئيس إيراني يشارك في قمة المؤتمر الإسلامي السادسة في السنغال، وهناك وبتنسيق مع السعودية، استطاع أن يكسب موافقة الأعضاء على انعقاد القمة الثامنة لدول منظمة المؤتمر الإسلامي في طهران، التي انعقدت في عهد الرئيس محمد خاتمي في ديسمبر عام 1997، شارك فيها معظم زعماء العالم الإسلامي، منهم الملك عبدالله بن عبدالعزيز الذي كان آنذلك وليا للعهد للسعودية.
خلال هذه المرحلة، كان الشيخ هاشمي رفسنجاني، "رجل الدولة"، و"رجل السلطة"، و"رجل السلم والحرب"، وله اقتدار كبير ونفوذ واسع، لكن من الخطأ التصور أن سلطته كانت تمكّنه من فعل ما يشاء، لأنه على أي حال لم يكن الرجل الأقوى، وإنما كان أحد الرجالات الأقوياء، أحياناً لم يكن بإمكانه الحركة عكس التيار السائد كما يقول ذلك في مذكراته.
المرحلة الثالثة: رجل المراجعات (1997 ـ 2009)
بدأت هذه المرحلة من حياة الشيخ هاشمي رفسنجاني، وهو خارج السلطة التنفيذية، مما شكّل ذلك فرصة ذهبية له للقيام بمراجعة ماضيه بدقة، ودراسة مواطن القوة والضعف لسياساته وأدائه، وكان لهذه المراجعة انعكاسات في أفكاره وسلوكه خلال المرحلة السياسية الرابعة من حياته السياسية.
إلى جانب طبيعة هذه المرحلة، التي شجعته للقيام بذلك، كذلك الانتقادات والهجمات التي تلقاها خلالها، والتي تعامل معها بصمت حكيم، كان لها أيضاً دور مؤثر في خوض هذه المراجعات بعمق.
المرحلة الثالثة للحياة السياسية للشيخ رفسنجاني تزامنت مع فوز الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي عام 1997 وانتهت بآخر أيام ولاية الرئيس نجاد الأولى. في هذه المرحلة تعرّض الشيخ رفسنجاني لانتقادات بعضها جارحة لسجله الرئاسي من تيارين: الأول، الإصلاحيين، حيث رغم دور الرئيس رفسنجاني في فوز الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي من خلال إنجاح العملية الانتخابية دون خلل يُذكر، إلا أنه نال أشرس الانتقادات خلال هذه الفترة من أنصاره، ووصل الأمر إلى تأليف كتب ضده، مثل كتاب "صاحب العباءة الحمراء"، وجهت فيه انتقادات له على سياساته الداخلية، ولاسيما في مجال الحريات العامة والتنمية السياسية، وقضايا حقوق الانسان.
الثاني، تيار المحافظين الجدد بقيادة الرئيس أحمدي نجاد الذي دشّن حياته السياسية من موقع معارضة الشيخ رفسنجاني وسياساته، ولاسيما في بعدها الاقتصادي، حيث كان يقدّم أحمدي نجاد نفسه كممثل للفقراء والطبقات الاجتماعية الفقيرة، وكان يعتبر الشيخ رفسنجاني ممثل الطبقة الغنية و"الأروسطوقراطية"، مما ساهم هذا الخطاب في إيصاله إلى كرسي الرئاسة عام 2005، إضافة إلى الدور الذي لعبه الإصلاحيون في ذلك، وساهم بشكل كبير في فوز الرئيس نجاد في الولاية الأولى التي كان ينافسه عليها الشيخ هاشمي رفسنجاني. وندم الإصلاحيون لاحقاً على موقفهم هذا من الشيخ.
قد تكون جوانب من هذه الانتقادات واردة، لكن لا بد عند الحكم على أيام رئاسة الشيخ رفسنجاني أن يُأخذ بعين الاعتبار أن المرحلة التي كان يتمتع فيها هو بسلطات ونفوذ واسع، لم تكن مرحلة طبيعية وملائمة، بل كانت أصعب المراحل في حياة الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي تتطلب وضع أولويات تتناسبها، سواء في العقد الأول للثورة، الذي كان على رأس السلطة التقنينية التشريعية في البلد، أي مجلس الشورى الإسلامي، أو في العقد الثاني الذي حكم فيه كرئيس للسلطة التنفيذية.
خلال هذين العقدين، إيران كانت تعيش أوضاعا صعبة، حيث كانت تتسم بخلافات شديدة بين مختلف المدراس الفكرية والسياسية، وإشكاليات نظرية وعملياتية، أفرزتها جدلية العلاقة بين الثورة والدولة، والاغتيالات، والتفجيرات التي أودت بحياة كثير من قيادات الصف الأول للثورة، ثم اضطرت في الخوض في حرب لسنوات طوال في ظل هذه الأوضاع الداخلية المضطربة، فرضت جملة هذه القضايا أولويات قصوى أمام الثورة ورجالها، غير تلك التي كانوا ينادون بها ويبتغونها قبل الثورة، مما ساهم ذلك في تهميش بعض الأهداف الثورية في العقد الأول.
وفي هذا السياق، وعلى سبيل المثال وليس الحصر، أن استلام الشيخ رفسنجاني الرئاسة عام 1989 تزامن مع انتهاء الحرب الإيرانية العراقية، التي دمرت البنية التحتية والاقتصاد وكادت أن تؤدي إلى حالة افلاس شبه كاملة، ففي ظل وضع كهذا، من الطبيعي جداً أن تُعطى الأولوية للاقتصاد وإعادة إعمار البلد، ولا يُأخذ بعين الاعتبار كثيراً التنمية السياسية أو التنمية الثقافية.
الشيخ هاشمي رفسنجاني خلال هذه المرحلة التي تمثّل بداية تراجع نفوذه وسلطته في مفاصل الدولة، واجه الانتقادات والحملات بصمت، ورباطة جأش، وبرودة أعصاب، دون انفعالية وردود غاضبة.
خلال هذه المرحلة، سعى الشيخ رفسنجاني مرتين أن يجرّب نفسه في الميزان الانتخابي الشعبي، لكنه لم يحصل على النتيجة المطلوبة، حيث في الدورة السادسة لانتخابات مجلس الشورى الإسلامي (2000)، ترشح عن طهران، لكنه حصل على مواقع متأخرة بين 30 فائزا عنها، مما انسحب ولم يدخل البرلمان، كما أنه خسر أمام منافسه الرئيس نجاد في الانتخابات الرئاسية عام 2005.
المرحلة الرابعة: رجل الشارع (2009 إلى 2017)
هذه المرحلة من الحياة السياسية للشيخ هاشمي رفسنجاني التي تتزامن مع بداية الولاية الثانية للرئيس أحمدي نجاد، والاحتجاجات التي أعقبت إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية عام 2009، تتسم بارتفاع هائل في رصيده الشعبي لاسباب عديدة، منها اقترابه لضمائر الناس وهمومهم بشكل عام، والإصلاحيين ومطالبهم بشكل خاص، ثم أن استمرار حملات الرئيس أحمدي نجاد وأنصاره وبعض أقطاب المحافظين التقليديين والجدد عليه، وضعته في موقف جلب له التعاطف الشعبي، مما زاد من منسوبه في الشارع. هنا البعض يعتبر الرئيس أحمدي نجاد أكبر نعمة وهبت للشيخ هاشمي رفسنجاني، إذ بمعارضته الشديدة للأخير، ساهم في بناء شعبية قوية له لم يكن يحظى بها في السابق.
ثم أن رفض ترشحه للانتخابات الرئاسية الحادية عشر عام 2013 من قبل مجلس صيانة الدستور الذي عزا ذلك إلى كبر سنه، زاد من شعبيته أيضا، ترجمت في فوز الرئيس روحاني في هذه الانتخابات عندما قرّر الشيخ هاشمي دعمه، حيث لولا دعمه والإصلاحيين لروحاني، لما كان بإمكانه تحقيق الفوز على خصومه السياسيين من المحافظين. كما أن هذه الشعبية أيضا تجسدت في نتائج انتخابات مجلس خبراء القيادة عام 2016، التي نال فيها المركز الأول بين الفائزين عن محافظة طهران، الذين كان معظمهم من أنصاره، ثم فوز جميع أعضاء القائمة الانتخابية الإصلاحية المدعومة منه في انتخابات مجلس الشورى الإسلامي للعام نفسه، كان بمثابة تأكيد إضافي على مدى الشعبية التي وصل إليها الشيخ هاشمي رفسنجاني في الشارع الإيراني.
كما أن المشاركة الواسعة في مراسم تشييع جثمانه إلى مثواه الأخير في طهران، والتي قًدرت قرابة 3 ملايين شخص أظهر مكانته المتميزة في قلوب الإيرانيين.
عموما، خلال هذه الفترة، اشتهر الشيخ هاشمي رفسنجاني بالاعتدال والاقتراب للإصلاحيين وتبنى معظم مطالبهم، وغلبت على خطابه خلال هذه المرحلة، مفاهيم "الشعب" و"السيادة الشعبية"، و"حقوق الناس"، وما شابه ذلك.
ومن هذا المنطلق كان يؤيد الرئيس الأسبق هاشمي رفسنجاني الثورات العربية التي انطلقت من تونس واجتاحت دول أخرى، وكان يركز خلال هذه المرحلة أكثر من قبل على مفاهيم الأخوة والوحدة الإسلامية وضرورة الابتعاد عن إثارة الخلافات، فأكثر من مرة، انتقد بشدة ولأكثر من مرة قيام بعض المتشددين بما يخدش الأخوة الإسلامية، منه لعن الصحابة.
كذلك، من يعرف الشيخ رفسنجاني لا يمكن أن يتجاهل دوره في استعادة العلاقات الإيرانية العربية وتعزيزها بعد الحرب الإيرانية العراقية، وربما هذا ما جعل مسؤولين في دول إقليمية لا تتمتع بعلاقات جيدة مع إيران، أن يكونوا من أوائل المعزّين بوفاته، عرفانا بالجميل، وتقديرا لدوره التاريخي في المنطقة وتجاوز الأزمات عندما كان رئيساً للجمهورية الإسلامية الإيرانية.
مستقبل إيران دون رفسنجاني
لا شك، أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية فقدت أحد أعمدتها الإعتدالية الحكيمة، يصعب إيجاد بديل له خلال الفترة المقبلة، وهي بأشد حاجة لبراغماتيته في هذا الظرف الدقيق الذي تمر به المنطقة، والعالم الإسلامي لمعالجة المشاكل والأزمات التي كان يًعرف بأنه رجلها. مع ذلك لابد من القول أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية في بدايات انتصار الثورة، فقدت كثيراً من كبار شخصياتها أمثال آية الله طالقاني، وآية الله مطهري، وآية الله بهشتي في عمليات إغتيال مدبرة، وفي أحلك الظروف، لكنها تجاوزت تلك الظروف.
كما أن وفاة الشيخ رفسنجاني سوف تؤثر على موازين القوة بين التيارات السياسية الداخلية، ويمثل فقدانه خسارة كبيرة للتيار الإصلاحي والاعتدالي الذي فقد أكبر داعميه وحماته الأساسيين، وأباه الروحي.
ومن ناحية أخرى، وعلى عكس ما ذهب إليه بعض التحليلات خلال الأيام الماضية، بأن وفاة الرئيس الأسبق هاشمي رفسنجاني سوف تقلل فرص فوز الرئيس روحاني لولاية ثانية، أستطيع القول إنه على الأرجح يحدث عكس هذا، حيث يُفترض أن يوصّل مكانة الشيخ هاشمي الجماهيرية وهو انتقل إلى دار الآخرة، الرئيس روحاني إلى كرسي الرئاسة لولاية ثانية، وربما بحصوله على أصوات أكثر مما نالها في ولايته الأولى، التي حظى فيها بدعم قوي من الشيخ وهو على قيد الحياة.
الختام
وفي الختام، ما يمكن قوله أنه عند الحكم على الشيخ هاشمي رفسنجاني وأفكاره وسياساته وأدائه، لابد أن ننظر إلى المراحل الأربع المذكورة في آن واحد، دون الأخذ بإحداها دون البقية، وتعميمها على حياته السياسية كلها، فتقييم الشيخ رفسنجاني كرجل دولة دون النظر في بقية المراحل، ليس تقييما سليما نتيجته ستكون تحليلا رغبويا.
خلاصة القول أن الشيخ رفسنجاني كان رقما صعبا في الحياة السياسية الإيرانية قبل الثورة وبعدها إلى أن وافته المنية، وهو أصولي، وإصلاحي، واعتدالي في الوقت الواحد في الفكر والممارسة، كرّس حياته لخدمة المشروع الذي كان يؤمن به، ناضل لأجله قبل الثورة، وبعدها حافظ عليه وسعى لتطويره، وكونه رجل دولة من الطبيعي أن يكون له من ينتقده أو حتى يجرّحه، فهذه هي طبيعة السلطة التي تجلب أصدقاء، قلّ منهم من يبقى بعدها، ثم تجلب أعداء قلّ منهم من يبقى على عدائه بعدها، وهذا ما حصل مع الشيخ رفسنجاني.