بالأمس تولّى ترمب مهامهه رسميا كرئيس للولايات المتّحدة خلفا لباراك أوباما، وألقى خطابا لمدة 20 دقيقة لا يمكن وصفه إلا بأنه سطحي للغاية عبّر فيه عن توجهاته الشعبوية التي لطالما أثارت مخاوف الكثيرين داخل وخارج الولايات المتّحدة الأمريكية. الاتحاد الأوروبي لم يخف هواجسه من سياسات ترمب المقبلة، وقد انعكس ذلك بشكل واضح من خلال تصريحات مسؤولين رسميين فيه، ومن خلال التغطية الصحفية والاعلامية لانتقال السلطة من أوباما إلى ترمب.
البعد الأمني في العلاقة مع واشنطن قد يكون الأكثر حساسيّة خلال المرحلة المقبلة. تستفيد أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية من المظلّة الأمنيّة الأمريكية، الأمر الذي سمح لها بالتركيز على البعد السياسي والاقتصادي وإعادة بناء ما دمرته الحرب والنهوض بالبلدان الأوروبية من جديد. وبالرغم من أنّ الاتحاد الأوروبي تحوّل سريعا إلى قوة اقتصادية عالمية، إلا أنّه لم يستطع أن يتحوّل إلى قوّة سياسية أو عسكرية على المستوى الدولي.
خلال الأيام القليلة الماضية، أجرى ترمب مقابلة مع صحيفة "ذا تايمز" أشار فيها إلى أن الناتو أصبح باليا بعد أن كان قد قال بأنّ على أوروبا أن تتحمّل المزيد من النفقات الدفاعية أو تواجه عواقب عدم فعل ذلك. وفي الوقت الذي عبّر فيه ترمب مرارا وتكرارا عن رغبة في نسج علاقة غير مسبوقة مع روسيا-بوتين، هاجم في المقابل سياسات عدد من القادة الأوروبيين على رأسهم المستشارة الألمانية أنجيلا ميريكل.
إذا ما ثبت أنّ ترمب سيلتزم بما كان قد أعلن عنه، فهذا يعني أنّ أوروبا ستصبح مكشوفة أمام التهديدات والمخاطر الخارجية والداخلية. أي تقارب استثنائي بين ترمب وبوتين سينعكس على الأرجح سلبا على الدول الأوروبية، ولا شك أنّ دول أوروبا الوسطى والشرقية ستكون الضحية الأولى لمثل هذا التقارب، ثم ستتبعها دول أخرى.
لا يقتصر الخوف الأوروبي من أن يؤدي موقف الإدارة الجديدة إلى تقوية روسيا جيوبوليتيكيا بحيث تصبح أكثر قدرة على ملء الفراغ الذي سيتركه التراجع الأمريكي في أوروبا، بل يتعداه أيضا إلى مخاوف تتعلق بتقوية ترامب وبوتين للخطاب القومي اليميني وهو ما يمكن أن يحمل معه تداعيات داخلية في دول الاتحاد، لاسيما وأنّ الظروف الإقليمية والدولية أصبحت مهيّأة لقبول وترويج مثل هذا الخطاب.
وتشير العديد من التقارير إلى أنّ فرنسا وألمانيا قد تكونا على رأس القائمة المستهدفة بالخطاب القومي، اليمني، الشعبوي، على أمل أن يؤدي ذلك إلى تمكين اليمين المتطرف الذي يشبه كثيرا بخطابه وتوجهاته ما يمثله ترمب وبوتين. وفي حال تحقق ذلك، فقد يدفع بدوره إلى ما يشبه الدومينو في دول الاتحاد بشكل يهدد وحدته ويسرّع من تفككه وانهياره. هل يمكن استبعاد مثل هذا الأمر؟ لا أعتقد أنّ مثل هذا الاحتمال مستبعد بشكل مطلق بعدما خرجت بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ووصل ترامب إلى البيت الأبيض وأصبحت الصين عمليا هي من يدافع عن العولمة والتجارة الحرة!
وبالرغم من أنّ أوروبا خائفة، ولديها كل المبرّرات التي تجعلها تشعر بذلك. هناك أقليّة تعتبر أنّ وقاحة ترمب قد تساعد دول الاتحاد على أن تعتمد على نفسها وأن تتكاتف مع بعضها البعض وأن تواجه التحديات مجتمعة، لن نضطر للانتظار كثيرا قبل أن نقرر إذا ما كان ذلك صحيحا أم لا، لكن تجربة أوباما مع حلفاء أمريكيا الشرق أوسطيين خلال السنوات الماضية أثبتت العكس، إذ تخلّى عنهم لصالح إيران وما لبثت الأخيرة أن تقدّمت على كل الجبهات على حسابهم، وهو تصوّر قابل للتكرار مع استبدال إيران بروسيا وحلفاء أمريكا الشرق أوسطيين بالاتحاد الأوروبي.