نشرت صحيفة "الغارديان" مقالا للصحافي الروسي أليكسي كوفاليف، يشير فيه إلى المقارنة التي ينجذب إليها الكثير بين الطريقة التي يتعامل فيها الرئيس الأمريكي دونالد
ترامب مع الحقائق، وحملة الدعاية التي يشنها الرئيس الروسي فلاديمير
بوتين على المستوى المحلي والدولي لعدة سنوات.
ويقول كوفاليف إن "هذه المقارنة أصبحت أكثر جاذبية بعد المؤتمر الصحافي لترامب، الذي سبق احتفال التنصيب، وكذلك المؤتمر الصحافي العدواني الذي عقده المسؤول الإعلامي شون سبايسر، في أول يوم لترامب في البيت الأبيض، فهنا لدينا بوضوح زعيم مستبد يبدي هو ومساعدوه ومستشاروه وموظفوه العداوة بوضوح ليس للإعلام فقط، بل للحقائق أيضا".
ويضيف الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، أن "سبايسر رد بغضب على (التقارير الكاذبة المتعمدة)، في الوقت الذي قام فيه بالإدلاء بتصريحات من الواضح أنها غير صحيحة، وقال كاليين كونوي لاحقا عندما تمت مواجهته بتشويه سبايسر الواضح للحقائق، إن ما قاله سبايسر ليس كذبا، لكنه (حقائق بديلة)".
ويشير كوفاليف إلى أن "هذا كله أدى إلى الشعور بالقلق والتساؤل في الإعلام الأمريكي: كيف نتعامل مع هذه الإدارة المستعدة للكذب في وجوهنا وهي تتوقع أن تنجو بفعلتها؟ أما بالنسبة لشخص مثلي، غطى أخبار بوتين والسياسة الروسية من موسكو سنوات طويلة، فإن الأمر لا يبدو غريبا، فمشاهدة المؤتمر الصحافي الذي عقده ترامب ذكرني بأمور كثيرة: التهرب والكذب الواضح وفشل أعضاء السلك الصحافي المتفاجئين بدعم زملائهم الذي تم الاستفراد بهم وشتمهم، وقبل الحديث عن التشابه في طريقة التعامل مع الإعلام بين ترامب وبوتين، دعونا ننتهي أولا من الحديث عن الفروق بينهما".
ويبين الكاتب أن "ترامب وبوتين هما عكس بعضهما من عدة نواح، ففي الوقت الذي نشأ فيه ترامب في عائلة ثرية، فإن بوتين نشأ فقيرا في لنينغراد ما بعد الحرب، ويبدو أن ترامب يحب أن يتصرف بتهور أحيانا، لكن بوتين يقدس الالتزام وعقله حاضر دائما، والأهم من ذلك هو أنه ما لم يقم ترامب بتفكيك قواعد الديمقراطية الأمريكية في بداية عهده في الحكم (كما فعل بوتين، حيث تابع إجراءات بوريس يلتسين ضد الإصلاحات الديمقراطية)، فإنه من غير المحتمل أن يجد الإعلام الأمريكي في الوضع ذاته الذي وجد فيه الإعلام الروسي نفسه، فعلى الورق يحمي الدستور الروسي حرية التعبير، لكن هناك طرقا لا تحصى يمكن للدولة أن تضايق فيها الإعلام غير الملتزم دون اللجوء للعنف".
ويقول كوفاليف: "لو أخذنا مثالا تلفزيون دوزد، وهي محطة صغيرة مستقلة مقرها موسكو، في عام 2014 كانت متهورة لدرجة أنها طرحت سؤالا على (تويتر) مفاده: (هل كان يمكن أن تكون التضحيات في حصار لنينغراد أقل لو تم تسليم المدينة للنازيين؟)، وكانت السلطات تبحث عن سبب لمعاقبة هذا المصدر الإعلامي الذي يعارض ضم
روسيا للقرم والحرب في أوكرانيا، والرواية الرسمية الروسية للحرب العالمية الثانية مقدسة، ولا أحد يستطيع فتح نقاشات حولها، فما تبع ذلك كان ضربا من الهستيريا التي أثارها موظفو الدولة والإعلام الموالي، وبعد ذلك بفترة قصيرة قامت شركات خدمة الكيبل الكبيرة كلها بحذف دوزد من شبكاتها، مع أن تحقيقا مستقلا بعد ذلك أظهر أن الشركات عملت تحت ضغط من إدارة بوتين، ولم يكن هناك انتهاك لأي قوانين".
ويلفت الكاتب إلى أن إجابة الشركات لتلفزيون دوزد كانت: "نحن شركة تجارية، ولا نريد الاستمرار في تقديم الخدمة لكم"، وهو ما اضطر شركة التلفزيون إلى الاعتماد على البث عبر الإنترنت فقط، كما حصل الشيء ذاته بالنسبة لاستئجار مكاتبها، حيث تم إلغاء عقد الإيجار دون أي إيضاحات.
ويقول كوفاليف: "لو وضعنا هذه التكتيكات الفظة جانبا، فإن ترامب يبدو أنه يقلد بوتين بوعي أو بغير ذلك، فمؤتمرات بوتين الصحافية يتم التخطيط لها بدقة، وتنقلها مختلف القنوات التلفزيونية، وتستمر 4 ساعات على الأقل، ومع ذلك فلا يوجد فيها أي محتوى: حيث لا يتم الإعلان عن أي سياسات مهمة، لكنها باختصار عبارة عن بيانات مبهمة غير ملزمة لبوتين، وتحتوي على الكثير من الإحصائيات والحقائق التي يصعب التأكد من صحتها، ومع ذلك فإنه لا يهاجم المراسلين، كما فعل ترامب مع مراسلي (بازفيد) و(سي أن أن)، لكنه يملك طرقا عدة لإهانتك، أو تجاوز سؤالك، إن سمح لك أصلا أن تسأل سؤالا".
وينوه الكاتب إلى أن "آخر مؤتمر صحافي لبوتين العام الماضي، حضره أكثر من 1500 مراسل، معظمهم من صحف محلية صغيرة من المهتمين فقط بقضاياهم المحلية، بالإضافة إلى بعض الإصدارات المؤيدة جدا لبوتين، التي تمدحه وتلقي عليه أسئلة خفيفة وتهاجم أعداءه، ولذلك، وإن استطعت أن تسأل سؤالا فيه تشكك ولم تكن راضيا عن جواب بوتين، فإن فرصة أن يقوم زميل آخر بتوجيه سؤال مؤازر حول الموضوع ذاته قليلة جدا".
ويفيد كوفاليف بأنه "مع إبقاء هذا في البال، فإنه يمكن تخيل السبب وراء اقتراح نقل غرفة المؤتمرات الصحافية خارج البيت الأبيض إلى مكان أوسع، حيث سيحضر المؤتمر الصحافي بدلا من نخبة مراسلي
الصحافة في واشنطن المدونون ومقدمو برامج الحوار الإذاعية، والهدف من ذلك واضح في ذهن أي شخص يرى مئات الصحافيين يحاولون الحصول على انتباه بوتين في مؤتمراته الصحافية".
ويكشف الكاتب عن أن "أكبر خطر على تنوير العامة في روسيا ليس الرقابة ولا ضغط الحكومة ولا الأخبارالكاذبة؛ لكنه الهشيم الذي يلقى بشكل مستمر ليبقي الإعلام مشغولا، فهناك سياسيون في روسيا لم يفعلوا خلال فترة عملهم السياسي التي تمتد عقودا سوى إصدار التصريجات، واقتراح قوانين سخيفة، والهدف الوحيد من ذلك هو البقاء في عناوين الأخبار، واشتهر عن بوتين نفسه والمتحدث باسمه دميتري بسكوف ميلهما إلى إنكار ما هو واضح، ثم القيام بالتراجع فيما بعد، ما يدهش الجميع".
ويستدرك كوفاليف بأنه "لإبقاء بوتين أو ترامب تحت المساءلة، لا تحتاج إلى الوصول إلى الكرملين ولا إلى البيت الأبيض، بل على العكس، فإن التمكن من الوصول إليهما هو عبء بحد ذاته؛ لأنه امتياز يمكن تهديدك بسحبه أو أن تلتزم بالتحيز، والتحقيقات في الفساد وسوء الإدارة لا تحتاج إلى علاقة حميمة مع المسؤولين الحكوميين، بل العكس، ومع أن المراسلين الروس المستقلين لا يمكنهم خلع بوتين، إلا أن زملاءهم الأمريكيين لديهم ميزة عليهم بسبب تعريف السياسة العامة".
ويختم الكاتب مقاله بالقول: "نصيحتي لزملائي الصحافيين في أمريكا، الذين يريدون تغطية أخبار إدارة الرئيس ترامب، هي: لا يشتت انتباهكم ما يقولونه، ولكن ركزوا على ما لا يقولون".