نشرت صحيفة "لاكروا" الفرنسية تقريرا، سلطت من خلاله الضوء على التصريحات المثيرة للجدل لشيخ
الأزهر أحمد الطيب، التي قالت إنها تعكس الصراع القائم بين السلطتين الدينية والسياسية في
مصر.
وقالت الصحيفة، في هذا التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إن شيخ الأزهر، الذي ينظر إليه كمرجعية دينية في العالم الإسلامي، اتخذ موقفا علنيا حول مسألتين جوهريتين وحساستين تتعلقان أساسا بوضع الأقلية غير المسلمة، وضرورة التخلي عن الجزية.
ونقلت الصحيفة تصريحات شيخ الأزهر، خلال حوار تلفزيوني، يوم 13 كانون الثاني/ يناير، حيث أفاد بأن الذمة، أي حماية الأقليات الدينية في الدول ذات الأغلبية المسلمة، فضلا عن الجزية، وهي ضريبة تفرض فقط على هذه الأقليات، من المسائل التي "عفا عليها الزمن".
وفي السياق ذاته، أورد شيخ الأزهر أنه لا يمكن اعتبار المسيحيين في مصر أقلية يتوجب عليها أن تدفع الجزية؛ نظرا لأن ذلك يتعارض مع مفهوم المواطنة المبنية على أساس التساوي في الحقوق والواجبات. وفي الأثناء، اعتبرت العديد من الجهات، على غرار الموقع الإيطالي "تيريسانتا"، أن موقف شيخ الأزهر هو بمثابة خطوة أولية ومهمة نحو تجديد
الخطاب الديني.
ومن جهة أخرى، أفادت الصحيفة بأن المجلس الأعلى للعلماء، والهيئة القضائية العليا في الأزهر، عقدا في 5 من شباط/ فبراير اجتماعا تحت عنوان "توافق آراء العلماء"، أعلنا من خلاله رفضهما التام لمقترح عبد الفتاح
السيسي بمراجعة مسألة
الطلاق الشفوي، الذي يعدّ من أبرز الممارسات الشائعة في مصر.
ونقلت الصحيفة مقتطفا من بيان الهيئة الدينية، ورد فيه أن "الطلاق الشفوي متداول في المجتمع الإسلامي منذ عهد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وليس هناك حاجة إلى إضفاء الطابع الرسمي عليه، أو إتباعه بموافقة كتابية".
وأوردت الصحيفة أن المؤرخ دومينيك أفون، الذي يشغل منصب المدير المساعد في مؤسسة التعدد الديني والإلحاد، اعتبر أن كلتا المسألتين المثارتين والجدال القائم بشأنهما تندرج ضمن منحى فكري واحد.
وفي هذا الصدد، يقول أفون إن الطيب رد "المتطرفين" الذين يسعون إلى إعادة تطبيق الجزية، كما يفعل تنظيم الدولة اليوم. وأوضح أن "أحمد الطيب يفضل اتباع دستور المدينة على الأخذ بالتقاليد الإسلامية التي أخذها المسلمون عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم نفسه، خاصة أن دستور المدينة لا يفرق بين مسلم ويهودي ومشرك في إطار الدولة الإسلامية".
وأضاف أفون أن أحمد الطيب يرى أن الجزية جاءت في وقت متأخر من التاريخ الإسلامي؛ بهدف الدفاع عن "البلاد الإسلامية"، وأجبرت المسلمين على تبني ممارسات جديدة للسلطة. ومن هذا المنطلق، يرى أفون أن تصريحات الطيب تعدّ بمثابة دعوة إلى تجسيد المجتمع المثالي، أي مجتمع المدينة.
وفي المقابل، اعتبر أفون أن رفض مقترح السيسي، الذي يهدف لمنع الطلاق بين الزوجين دون وثيقة رسمية أو حضور كاتب معتمد لدى الدولة، يندرج ضمن محاولة العلماء اتباع "سنة محمد ومقاصد الشريعة وغاياتها".
وفي السياق ذاته، بينت الصحيفة أن الطيب نصب نفسه على أنه الضمان الوحيد للوحدة الوطنية؛ وذلك بهدف مواجهة كل الأطراف التي تسعى إلى تغذية الصراعات الدينية داخل الدولة. وفي محاولة منه لإثبات دعمه للوحدة بين الأديان في مصر، ظهر الطيب إلى جانب البطريرك تواضروس والسيسي، إثر الانقلاب على الرئيس محمد مرسي.
وقالت الصحيفة إن المواجهة بين السلطة الدينية والسلطة السياسية اشتعلت في أعقاب الخطاب الذي ألقاه السيسي، في 28 كانون الأول/ ديسمبر 2014، في الأزهر، الذي دعا من خلاله إلى محاربة التطرف؛ من خلال إحداث تغيير جذري على مستوى الخطاب الديني.