شهدت
اليمن تصعيدا غير مسبوق في وتيرة العمليات العسكرية الأمريكية ضد أهداف مفترضة لتنظيم القاعدة في ثلاث مدن، تنوعت بين القصف الجوي الكثيف وإنزال قوات على الأرض، إلى جانب مشاركة البوارج الحربية أيضا في هذا التدخل الذي طرح تساؤلات عدة حول خلفيات وتوقيت هذه الحملة الأمريكية الأقوى التي اقتصرت في السابق على شن ضربات جوية تنفذها طائرات "الدرونز".
فعلى مدى الأيام القليلة الماضية، نفذت القوات الأمريكية أكثر من خمسين غارة جوية شارك فيها طيران حربي وأباتشي ومن دون طيار، بالإضافة إلى محاولتي إنزال بري في منطقتي "موجان" القريبة من ساحل أبين على بحر العرب (جنوبا)، والثانية في مديرية الصعيد بمحافظة شبوة (جنوب شرق البلاد)، رغم عدم توافر معلومات مؤكدة عن الثانية.
اتفاقيات كبلت اليمن
وفي هذا السياق، قال الخبير الاستراتيجي في شؤون النزاعات المسلحة، علي الذهب، إنه بعد استيلاء
تنظيم القاعدة على قافلة الأسلحة في أبين الشهر الماضي، "لم يعد هناك مبرر لدى الأمريكان لالتزام الصمت، كما يعتقدون، في ظل عجز القوات الحكومية عن مواجهة التنظيم أو التعامل معه في الحدود الدنيا".
وتابع حديثه الخاص لـ"
عربي21" بالقول "إن العمليات الأمريكية الأخيرة تبدو مبررة، ولا ننسى أن اليمن بات مكبلا باتفاقيات أمنية سابقة مع واشنطن في مكافحة الإرهاب، وتحدث عنها بكل شفافية الرئيس هادي قبل ثلاث سنوات".
وردا على سؤال أن هذه العمليات تأتي وسط خمول عمليات وتحركات القاعدة، أوضح الخبير اليمني أن التنظيم لا يمر بمرحلة خمول، بل يمكن أن يطلق عليها "إعادة ترتيب الصف"، خاصة بعد أن فقد خلال السنتين الماضيتين أبرز قادته الميدانيين، "وأصبحت معاقله مكشوفة، والمساحات التي يتحرك فيها محدودة، فضلا عن تراجع نشاطه في المناطق الشمالية قياسا على الهجمات الميدانية التي نفذها خلال سنوات حكم الرئيس هادي والأشهر الأولى لسيطرة الحوثيين".
ولم يستبعد الخبير "الذهب" قيام التنظيم بردات فعل إزاء هذا التدخل الأمريكي الذي أعلن أنه يتم بالتنسيق مع الحكومة الشرعية، وقال: "أتوقع أن يتبع القاعدة طريقة "حرب العصابات" أو "الجماعات العصابية المتفرقة" التي تخطط وتنفذ عملياتها بشكل مستقل مع استمرار الاتصال بمركز القيادة وفق آليات خاصة تتيحها تقنية الاتصال الحديثة وغيرها، مثلها مثل جماعة الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية".
توقيت مهم وحالة فوضى
من جهته، أكد الخبير والمحلل في شؤون القاعدة، سعيد الجمحي، أن توسيع
الولايات المتحدة لإستراتيجية مواجهة واستهداف القاعدة باليمن، يأتي لإدراكها أن هذا التوقيت هو الأمثل لتحقيق نتائج أكثر حسما ضد التنظيم، ولذلك لجأت المواجهة المباشرة معه، وتجاوزت أسلوب الاستهداف لقيادات القاعدة عبر الطائرات من دون طيار.
وأضاف في حديث خاص لـ"
عربي21" أن هذا التوقيت هو الأنسب لواشنطن، حيث لا حديث عن سيادة أو أي ممانعة تجاه إطلاق يد قواتها في اليمن دون رقيب. مفسرا ذلك بأن جميع الأطراف المتنازعة في هذا البلد، وبكافة خلفياتها ومسمياتها، تتسابق - بشكل علني أحيانا وغير معلن أحيانا أخرى ـ لاسترضاء الأمريكيين، والظهور كحليف لهم في الحرب على الإرهاب.. وهذا الأمر الوحيد الذي تتفق فيه جميع الأطراف في اليمن.
وأشار الجمحي إلى أن غياب الدور الرسمي، وحالة الفوضى والفراغ الذي تسببت فيه النزاعات بين الأطراف المتقاتلة في اليمن، فضلاً عن ما ستحققه هذه العمليات من دعاية ومكاسب ستصب لصالح الرئيس الأمريكي ترامب، وإدارته التي تسعى لإثبات جديتها في مواجهة القاعدة باليمن، بعد فشل إدارة أوباما في تحقيق نجاح حقيقي في هذا الشأن.
وأوضح الجمحي أن التنظيم، ورغم خسائره، سيستفيد من مواجهة أمريكا له بشكل مباشر، فهو يتقوى أكثر في أجواء كهذه، بل هو حلمه الذي يتغنى به، بأن باتت معركته مع "الكفار الأصليين"، وهذا سيمكن التنظيم من استقطاب مجندين والتوسع في جذب عناصر جديدة.
وأبدى توقعاته بأن يكون للتنظيم ردود أفعال قوية، وربما خارج الحدود اليمنية، وصولاً إلى "عقر ديار العدو"، وقد استطاعت القاعدة، فعل هذا من قبل، ولن تعجز الآن.
ولفت الخبير اليمني، في الوقت نفسه، أن العمليات الأمريكية ستؤدي إلى خلط الأوراق، وسيستفيد منها
الحوثيون أكثر من غيرهم، لكن الأمريكيين يبدو أنهم لا يبالون بمن سيكون المستفيد أو من سيكون الخسائر، مادام الأمر سيصب لصالحهم.
وفي نهاية كانون الثاني/يناير الماضي، نفذت قوات أمريكية عملية إنزال على قرية يكلا في مديرية ولد ربيع بالبيضاء، كان من بين ضحاياها نساء وأطفال، فيما تشير رواية الجيش الأمريكي إلى مقتل 14 عنصرا من تنظيم القاعدة في العملية.
كما أعلنت وزارة الدفاع الأمريكي "البنتاغون" أمس الجمعة، تنفيذ مقاتلاتها أكثر من 30 غارة اليومين الماضيين، الخميس والجمعة، ضد تنظيم القاعدة في اليمن.
فيما أعلن تنظيم القاعدة، الخميس، إفشال إنزال الجيش الأمريكي لقوات على منطقة في محافظة أبين على ساحل بحر العرب، والاشتباك معهم، ما اضطرهم للانسحاب تحت غطاء جوي كثيف.