افتتح الخميس الماضي مركز التسوق والترفيه العملاق "مول
مصر" على مشارف القاهرة، والذي يملكه
المستثمر الإماراتي ماجد الفطيم.
ويقع المشروع العملاق على مساحة 165 ألف متر، ويضم أول منطقة للتزلج على الجليد في قارة أفريقيا، وعشرات المطاعم، وقاعات السينما، ومئات المتاجر العالمية، ليصبح من أكبر المراكز في الشرق الأوسط.
وعلى الرغم من ارتفاع أسعارها؛ إلا أن شباك التذاكر يشهد زحاما شديدا من الزوار الأثرياء خلال الأيام الماضية، لممارسة هواية التزلج على الجليد لأول مرة داخل مصر، حيث تتراوح الأسعار بين 300 و955 جنيها، وهو ما يقارب نصف الراتب الشهري لبعض موظفي الطبقة الوسطى، بحسب مراقبين.
وأعلن "المول" عن جلب مجموعة من البطاريق قريبا، لافتا إلى إمكانية "مقابلة البطاريق، مقابل تذاكر تتراوح بين 450 و850 جنيها".
وأثارت الأسعار الباهظة لتذاكر "
مول مصر" حالة من السخرية الممزوجة بالمرارة لدى كثير من المصريين، في وقت تعاني فيه البلاد أزمة
اقتصادية خانقة، وارتفاعا شديدا في أسعار السلع والخدمات الأساسية.
المزيد من المشروعات المماثلة
وقال الرئيس التنفيذي لمجموعة "ماجد الفطيم" الإماراتية، إن الشركة ستنشئ المزيد من المشروعات المماثلة لـ"مول مصر" لاحقا في القاهرة وخارجها، مؤكدا تطلعها لتوسعة أعمالها في مصر بعد الانتهاء من المشروعات الحالية.
وأضاف "آلان بجاني" في تصريحات لوكالة رويترز، الخميس الماضي، إن "تمويل المشروع جزء منه ذاتي وجزء آخر من البنوك المصرية"، لافتا إلى أن الشركة "تتوقع استرداد التكلفة الاستثمارية لمول مصر البالغة 722 مليون دولار خلال ثماني إلى تسع سنوات".
وأشار إلى أن "مول مصر" يتبع النموذج الناجح "لمول الإمارات" في دبي، متوقعا أن يوفر المشروع 41 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة في الاقتصاد المصري.
ولكن الناشط الحقوقي، طارق العوضي، انتقد المشروع قائلا عبر صفحته في موقع "فيسبوك": "كان الأولى الاستثمار في الصناعة والزراعة لإدخال العملة الصعبة للبلد، بدلا من التحول إلى مجتمع استهلاكي".
وتساءل العوضي: "لماذا تم بيع أراض شاسعة بتراب الفلوس لمستثمر يقيم عليها مول للتزحلق على الجليد وبيع الماركات العالمية، ويشغل آلاف الشباب بائعين وعمال نظافة، وفي نفس الوقت نغلق مصانعنا التي كانت تنتج وتصدر؟".
استفزاز واضح للفقراء
من جهته؛ قال الخبير الاقتصادي مجدي مهنا، إن "هناك فجوة واضحة للجميع بين الطبقات في المجتمع المصري؛ بسبب السياسات الاقتصادية الفاشلة، وتراكمات أنظمة اقتصادية عفا عليها الزمن"، مشيرا إلى أن "النظام الحالي جاء ليزيد الطين بلة بارتكابه المزيد من الإجراءات الخاطئة".
وأضاف لـ"
عربي21" أنه "لم يعد هناك طبقة متوسطة في مصر؛ بسبب اختلال توزيع الثروات، فالغني يزداد غنى، والفقير يزداد فقرا"، مؤكدا أن "هناك ما يقرب من 10 بالمئة من الشعب يمتلكون أموالا تكفى الـ90 بالمئة الأخرى، وهذا سر ما تعانيه مصر من أزمات اقتصادية متكررة".
ورأى أن المركز الترفيهي الجديد "مول مصر" يمثل "استفزازا واضحا لفقراء هذا البلد دون شك"، مشيرا إلى أن "الفئة التي زارت هذا المكان؛ موجودة في المجتمع، لكنها لا تشعر بما يعانيه غالبية المواطنين؛ لأن كثيرا من هؤلاء ينتمون إما لرجال أعمال سرقوا ونهبوا البلد خلال فترة حكم حسني مبارك، وجاء
السيسي ليتيح لهم مزيدا من الفساد كي يستثمروا أموالهم، ويتهربوا من الضرائب".
وأوضح مهنا أنه رغم الكلفة العالية لـ"مول مصر" إلا أنه سيكون مشروعا مربحا لصاحبه "لأن هذه المشروعات الترفيهية سريعة المكسب؛ تستهدف طبقة معينة من الأغنياء موجودة بالفعل في المجتمع، ولكنها في المقابل ليس لها أية منفعة أو جدوى اقتصادية تعود على البلد، وإنما ستعود أرباحها ومنفعتها على المستثمر الذي استفاد من التسهيلات الني منحتها له الدولة".
نموذج للفساد
من جانبه؛ رأى الناشط اليساري أحمد عبد ربه، أن هذه المشروعات "تكشف حقيقة النظام السياسي، وطريقة إدارته للبلاد"، مشيرا إلى أن "النظام بقوانينه عديمة الرؤية؛ جعل الاستثمار الأجنبي يتركز على المشروعات الترفيهية فقط، كمراكز التسوق أو النوادي أو قاعات الأفراح، وفي ذات الوقت؛ أهمل المشروعات الثقيلة والبنية التحتية التي تحتاجها مصر بشدة؛ كي يقف اقتصادها على قدميه".
وقال عبد ربه لـ"
عربي21" إن مشروع "مول مصر" خير نموذج "للفساد المستشري في المجتمع، فملاكه يخاطبون الأغنياء ولا يكترثون بالفقراء"، موضحا أنه "يوجد بالقرب من المول منطقة تسمى (مساكن عثمان) يعيش فيها الآلاف من الفقراء والمرضى الذين تضرروا من سقوط صخرة الدويقة على منازلهم في عهد مبارك، ولو ذهب أي مسؤول هناك؛ لرأى أحوالا صعبة. وعلى الجانب الآخر تباع التذكرة بـ800 جنيه!".
وتابع: "هذا استفزاز صريح للشعب الكادح وللطبقة الفقيرة، وقتل للأمل عند الناس، فهذه المشروعات لا جدوى منها على الإطلاق، فنحن لسنا شعبا غنيا حتى يأتي مستثمر خليجي ليقيم مركز ترفيهيا بمبالغ طائلة".