كتب الباحث في شؤون الحركات الإسلامية الكاتب المشارك في مجلة "ذا أتلانتك" شادي حميد، مقالا يناقش فيه حال
الديمقراطية في الولايات المتحدة، ومفهوم "
الدولة العميقة" فيها.
ويقول الكاتب: "لا يكاد يمر يوم دون أن يرثى فيه لحال الديمقراطية في الولايات المتحدة، وأحيانا يكون للكلام معنى، حيث تحدث مؤشر ولأول مرة عن (الديمقراطية الأمريكية القاصرة)، فالكثير مما كتب مبرر، وليس من منظور الليبراليين أو الديمقراطيين فقط، بل وحتى المؤيدين لترامب، الذين يجبرون على الاعتراف بأن الاستقطاب الأيديولوجي العميق يسيطر على البلد، ورغم أن هذا يساعد حملة رايتهم، إلا أنه ليس صحيا بالتأكيد".
ويضيف حميد في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، أنه "مع الخوف على الديمقراطية الأمريكية، أو القلق على الليبرالية الأمريكية، فإن هناك طريقة للتعامل معها، وتحتاج إلى قدر من العطف، وهي كلمة مختلف عليها، مع المنتصرين في الانتخابات لا الخاسرين؛ لأن فوز دونالد
ترامب هو دليل على أن الديمقراطية الأمريكية أكثر حياة مما قدر الكثيرون، وتم تناسي هذا كله بسهولة؛ لأنهم لم يشعروا كم كانوا محظوظين، ولأن اليساريين والليبراليين سيشتكون من محدودية الديمقراطية الأمريكية، التي لا تسمح إلا بمرشحين اثنين يتوافق عليهما أعضاء النخبة في كل حزب، وبهذه الطريقة حرموا الأمريكيين من الخيارات الحقيقية، فهل الديمقراطية دون اختيار، هي ديمقراطية؟".
ويجد الكاتب أنه "من الناحية النظرية، يجب أن تحصل الأحزاب الراديكالية على فرصة للفوز في حالة قدرتها على جذب دعم شعبي كاف، وفي حال عدم حصول الأحزاب الراديكالية أو المعادية للمؤسسة على الفرصة الحقيقية للفوز بسبب النظام السياسي الذي صمم لحرمانهم، فإن الديمقراطية تكون قاصرة، ومن الناحية النظرية، وفي ظل نظام ديمقراطي، فإنه لو تم انتخاب الراديكاليين في عملية انتخابية حرة فإنه يجب السماح لهم بتطبيق أجندتهم داخل إطار القانون والدستور".
ويشير حميد إلى أن "إدارة ترامب اكتشفت أنها حتى لو ناقشت الأمور التي قالت خلال الحملة الانتخابية إنها ستقوم بتنفيذها، فإنها أدت إلى معارضة كبيرة تشمل بيروقراطية الدولة".
ويقول الكاتب: "عندما كان احتمال فوز ترامب في مرحلته التجريبية، كتبت هنا في (ذا أتلانتك) حول الدولة العميقة في أمريكا، التي ستعمل من الداخل ضد الرئيس ترامب المفترض".
وجاء في كلام الكاتب في ذلك الحين: "من الممكن، مع ذلك، تخيل رئيس متهور يقوم بتنشيط مؤسسات الدولة لتعمل ضده أو ضدها، بطريقة تجعل فكرة الدولة العميقة الأمريكية ذات معنى أو مهمة.. ويمكن للشخص التخيل بسهولة أن يعمل عمال الخدمة المدنية من يسار الوسط أو يمين الوسط ضد الرئيس من الداخل للتخفيف من فاعلية الرئيس، بل من صلاحيته".
ويعلق حميد قائلا إنه شعر بالتمزق الداخلي عندما كتب هذه الكلمات مثلما هو اليوم، خاصة أن ما كتبه لم يعد نقاشا أكاديميا، ويقول: "يصبح الأمر فيه تحد عندما تتصادم معتقداتك بالخيارات السياسية المفضلة: فأنا أعتقد أن الدولة العميقة تعارض الشعب، وأعتقد أنها خطيرة، وهي في الوقت ذاته ليست ديمقراطية، ومع ظهور الديمقراطية الليبرالية في مختلف أنحاء العالم الغربي، فهي تطرح أسئلة دون أجوبة من مثل، ما هو المدى الذي يمكن فيه لرئيس منتخب ديمقراطيا وشرعيا متابعة مواقف لاليبرالية، خاصة عندما يتعلق الأمر بقضايا ليست واضحة تماما؟".
ويرى الكاتب أن "(الدولة العميقة) في أمريكا ليست بالطبع مثل الدولة العميقة في تركيا ومصر، التي تتميز بمجموعات ظل مستقلة وشبكات دائمة لحماية النفس، خاصة في مؤسسة الجيش وأجهزة الأمن، فالدولة العميقة في
مصر، التي قوضت وأطاحت لاحقا بالرئيس المنتخب ديمقراطيا من الإخوان المسلمين عام 2013، كانت وبعمق غير ديمقراطية، فيما تتميز المؤسسات الأمريكية بالديمقراطية، وتدار من خلال النظم القائمة منذ وقت طويل، وهذا فرق رئيسي يبدو أن المنظر الأيديولوجي الرئيسي لترامب ستيفن بانون غير قادر على الاعتراف به".
ويستدرك حميد بأنه "مع ذلك، فإن مفهوم الدولة العميقة يظل مفيدا للكيفية التي يواجه فيها قادة غير منتخبين، ولا يخضعون للمحاسبة ومؤسسات، القادة المنتخبين ديمقراطيا، خاصة عندما يتم التعامل مع هؤلاء -الديمقراطيين- على أنهم تهديد على الدولة، كما لاحظ المنظر السياسي فهيم حسين، الذي قال: (تكمن في كل ديمقراطية بيروقراطية دائمة، لديها القدرة على تخريب المؤسسة المنتخبة لكونها دائمة وتملك الخبرة)".
ويختم الكاتب مقاله بالقول: "لو كنت من ناخبي ترامب، لشعرت بالإحباط من هذا النوع من الدولة العميقة الذي يعمل من أجل تقويض أجندة ترامب ووقفها، وسأقول، حسنا لقد صوت من أجل تنفيذ هذه الأجندة وليس من أجل نسخة غير مهددة أو مبتذلة منها، ولو فاز بيرني ساندرز أو أي شخص مثله بالرئاسة، وحاول إعادة تكييف السياسة الخارجية بطريقة راديكالية، فستحاول عناصر داخل الجيش والمؤسسة الأمنية وقفه، فبالنسبة لهذه المؤسسات فإن الأمر لا يتعلق بالشرعية الديمقراطية، لكنه متعلق بأمر مهم ورئيسي مثل الأمن القومي، فهل هذا يعني أن الرؤساء بعيدا عن تعددية الناخبين يريدون ولا يستطيعون التصرف بطريقة راديكالية عندما يتعلق الأمر بالشؤون الخارجية أو الهوية الوطنية؟ فلأي مدى يشعر الأمريكيون بالارتياح من هذا، أو يوافقون عليه بشكل متناسق؟".