توفيت الأحد الماضي، العالمة
المصرية منى بكر، الرائدة في علم "
النانو تكنولوجي"، عن عمر ناهز السادسة والأربعين عاما، بعد صراع مع المرض استغرق ثلاثة أشهر فقط.
وكانت صحة منى بكر قد تدهورت بشكل مفاجئ عقب عودتها من مؤتمر علمي بالصين، قبل ثلاثة أشهر، وأكد الأطباء إصابتها بمرض نادر أصاب مناعتها، حتى وافتها المنية دون أن يتمكنوا من إنقاذها.
وأثارت وفاتها الغامضة حالة من الجدل والشكوك حول تعرضها لعملية
اغتيال على أيدي أجهزة أمنية، أو مخابرات دولة أجنبية، وبشكل خاص
الموساد الإسرائيلي، نظرا لأهمية علم النانو تكنولوجي الذي نبغت فيه.
الاغتيال غير مستبعد
وألمح الكاتب صلاح منتصر إلى اغتيال بكر، قائلا في مقالة له بصحيفة الأهرام الخميس الماضي، إنها "انضمت إلى قائمة العلماء المصريين الذين توفوا في ظروف غريبة، ومن بينهم: سميرة موسى، ويحيى المشد، وسعيد بدير، وسلوى حبيب".
أما الباحث السياسي بمركز الأهرام، جمال مصطفى، فقال إن "هناك تكهنات قوية بأن منى بكر تم اغتيالها من قبل جهاز الموساد الإسرائيلي، أو المخابرات الأمريكية، ولكننا لا نملك معلومات مؤكدة تثبت صحة ذلك حتى الآن".
وأضاف لـ"
عربي21" أن هذا السيناريو يتماشى مع شواهد سابقة توكد أن الموساد قام باغتيال علماء مصريين في الماضي، ولا ينكر أحد ذلك، ومن بينهم سميرة موسى وعلي مشرفة، وغيرهم ممن كانوا مؤثرين في المجال العلمي، وتخشى "إسرائيل" من علمهم وإنجازاتهم.
وأوضح أنه "لا يستبعد أن تكون أجهزة مخابرات غربية ضالعة في هذه الجريمة، وليس بالضرورة أن تكون إسرائيل وراء اغتيال منى بكر، خاصة أن علم النانو تكنولوجي يشهد صراعا ضاريا بين الولايات المتحدة وألمانيا، اللتين تتنافسان على إحراز أي تقدم في هذا المجال الجديد".
وفاة طبيعية
وفي المقابل؛ استبعد أستاذ العلوم السياسية، عبد الخبير عطوان، أن تكون
وفاة منى بكر مدبرة.
وقال إنه "عندما يقوم جهاز مخابرات بقتل أحد العلماء؛ تكون هناك شواهد في البداية تشير لذلك، مثل وجود صراع بين عدة أجهزة على الأبحاث التي قدمها، أو تلقيه تهديدا أمنيا"، مشيرا إلى أن "من المؤكد أن هذا ما حدث في حالات الاغتيال التي قامت بها إسرائيل ضد علماء مصريين في السابق، ولم يحدث مع منى بكر".
وأوضح عطوان لـ"
عربي21" أن "التقارير الطبية أثبتت موتها بشكل طبيعي، وأن عددا من أصدقاء العالمة قالوا إنها كانت تعاني من ضعف المناعة، وإنها أصيبت قبل وفاتها بغرغرينة في ساقها وتم بترها"، مضيفا أن "وفاة هذه العالمة الكبيرة سيؤثر على الأبحاث العلمية؛ نظرا لأنها من أهم المتخصصين في مجال النانو تكنولوجي حول العالم".
من جانبها؛ أكدت الدكتورة علا السيد، صديقة العالمة الراحلة، أن "منى بكر توفيت بعد أن توقف قلبها بشكل مفاجئ"، موضحة خلال مداخلة مع قناة "إكسترا نيوز" الأربعاء الماضي، أنها "أصيبت قبل ثلاثة أشهر بمرض فقدان المناعة الذاتية، وبمجرد أن أصيبت بالإنفلونزا؛ لم يستطع جسمها مقاومة هذا الفيروس وفارقت الحياة".
وكشف شقيقها يحيى، في تصريحات صحفية الأحد، أن آخر الموضوعات التي بحثت عنها بكر على الإنترنت قبل وفاتها بساعات؛ كان مرض يسمى "فرفرية الصاعقة"، وهي متلازمة نادرة تسبب تجلط الدم داخل الأوعية الدموية، وتحدث نزيفا داخليا تحت الجلد؛ يؤدي إلى تدمير الأوعية الدموية.
من هي منى بكر؟
وأصدرت أكاديمية البحث العلمي بيانا نعت فيه العالمة منى بكر، أوردت فيه سيرتها الذاتية، وقالت إنها تخرجت في قسم الكيمياء بكلية العلوم في جامعة أسيوط، عام 1991 بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف، وعينت معيدة بقسم الكيمياء في الكلية.
وسافرت بكر لبعثة علمية لأكثر من أربع سنوات، لدراسة الدكتوراه بمعهد جورجيا للتكنولوجيا بولاية أتلانتا الأمريكية، وهناك عملت في مجال النانو تكنولوجي بالولايات المتحدة الأمريكية، وأظهرت نبوغا ملحوظا على أقرانها من مختلف الجنسيات.
وحصلت على درجة الدكتوراه في الكيمياء الفيزيائية من معهد جورجيا عام 2002، تحت إشراف العالم المصري مصطفي السيد، الذي يجري أبحاثا متقدمة على علاج مرض السرطان باستخدام جزيئات الذهب، ووقتها أطلق عليها لقب "ملكة النانو تكنولوجي".
وأسست أول شركة في مصر والعالم العربي لأبحاث النانو تكنولوجي، كما أنها شغلت منصب أستاذ مساعد بالمعهد القومي لعلوم الليزر بجامعة القاهرة، وأصبحت عضوا بأكاديمية البحث العلمي منذ عام 2009، وهو العام ذاته الذي حصلت فيه على جائزة الدولة التشجيعية في العلوم التكنولوجية المتقدمة.
ونشرت منى بكر عشرات المقالات العلمية في مجلات محلية ودولية، وسجلت أربع براءات اختراع دولية، وترأست المركز المصري للنانو تكنولوجي لمدة تسعة أشهر قبل وفاتها، وأجرت أبحاثا على إنتاج السليلوز من قش الأرز، وبيعه بالعملة الصعبة خارج مصر، بالإضافة إلى اكتشاف عقار جديد يساعد في علاج مرض الأنيميا المنتشر بشدة في مصر بين الأطفال والسيدات، وأنشأت مدرسة علمية تضم العشرات من طلاب الدراسات العليا.