إذا كانت فوضى الفتاوى الدينية مشكلة، فإن الحلول الخبيثة أو الساذجة التي تطرح لحلها مشكلة أكبر.
أقول ذلك بمناسبة الجدل الذي أثير حول الموضوع في مؤتمر المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، واللغط الذي أحدثه نشر خبر عن الشروع في إعداد قوانين جديدة لتنظيم العمل في دار الإفتاء
المصرية، ذلك أنني لم أصادف أي حوار جاد حول العوامل التي أدت إلى فوضى الإفتاء.
ولاحظت أن الشغل الشاغل للمتحاورين هو كيفية تأميم الفتوى، وإحكام سيطرة الدولة عليها.
لم أجد إشارة إلى دور ثورة الاتصالات التي أتاحت لكل من هب ودب أن تكون له قناته الخاصة، وهو قاعد في بيته، يرسل من خلالها إلى الكافة ما شاء من آراء وتحليلات وفتاوى.
لا أذكر أن أحدا أجاب عن السؤال: لماذا ينصرف الناس عن العلماء الذين على رأس المؤسسات الدينية الرسمية، في حين يقبلون على من عداهم؟ ولماذا فقدوا ثقتهم في الأولين وساروا وراء الآخرين؟ وما علاقة متغيرات البيئة السياسية بكل ذلك؟
إن أي متابع للموضوع لا تفوته ملاحظة أن السلطة في مصر لم تسترح يوما ما إلى استقلال
الأزهر والمؤسسات الدينية الموازية له.
لذلك، فإن الشغل الشاغل لأجهزة السلطة ظل متمثلا في كيفية اتخاذ الإجراءات وابتكار الأساليب التي تكفل إخضاع هذه الجبهة كلها لنفوذ السلطة.
وأصبحت حدود ذلك الإخضاع، تتفاوت بحسب تفاوت معدل الحالة الديمقراطية في البلد. ومنذ برز التطرف وجماعاته في سبعينيات القرن الماضي، كثفت السلطة من جهود الإخضاع، حتى بلغت ذروتها في السنوات الأخيرة، التي تطور فيها التطرف وخرجت من عباءته جماعات الإرهاب.
وهي الأجواء التي أفرزت وميزت بين نوعين من العلماء، النوع الأول يخافون من الله، وهؤلاء ظلوا منبوذين طول الوقت، والآخرون يخافون من الحكومة، وهؤلاء جرى الاحتفاء بهم، واحتلوا مواقع الصدارة في أغلب المؤسسات الدينية الرسمية، فضلا عن منابر الخطاب الديني الموجه.
أحدث ما تفتقت عنه قريحة دعاة الإلحاق، ذلك الاقتراح الذي تم تداوله في مجلس النواب، ودعا إلى إصدار ثلاثة قوانين، الأول يختص بتنظيم العمل داخل دار الإفتاء، ليضمن سيطرة السلطة على آلية العملية.
والثاني يدعو إلى تنظيم الفتوى، بحيث تصبح مقصورة على أعضاء هيئة كبار العلماء أو دار الإفتاء.
والثالث يقضي بتحجيم ظهور الفقهاء على القنوات الفضائية، بحيث لا يسمح بذلك إلا للذين يحصلون على ترخيص من وزارة الأوقاف.
وحسبما نشر، فإنه في حالة المخالفة يتم تغريم القناة بمبالغ تتراوح بين 50 و100 ألف جنيه.
ويتصور أصحاب المشروع أن تؤدي تلك القوانين إلى الحد من فوضى الإفتاء، بحيث تصبح تحت السيطرة تماما. وهو ما يكمل مساعي وزير الأوقاف الحالي الذي خاض معركة لتعميم الخطبة المكتوبة سلفا، بحيث لا يتفوه خطيب المسجد إلا بما تقرره الوزارة، وترضى عنه الأجهزة الأمنية.
لقد شاءت المقادير أن تنشر الصحف المصرية قبل إثارة موضوع القوانين الثلاثة خبرا له دلالته في السياق الذي نحن بصدده نصه كما يلي:
توجه الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية بالتهنئة إلى الرئيس عبد الفتاح السيسى بمناسبة انطلاق الحوار المجتمعي في صباح السبت 25/2 بحضور عدد من الوزراء ومحافظ مطروح، تمهيدا للبدء في إنشاء أول محطة سلمية للطاقة النووية بمحطة الضبعة في محافظة مطروح.
وأكد المفتي أن الشعب المصري عازم على تحقيق البناء والتنمية تحت قيادته.
وشدد على أن الجماعات الإرهابية الظلامية لن تستطيع النيل من قوة وعزيمة الشعب المصري، وإصراره على بناء مستقبل أفضل للأجيال القادمة، والعبور بالوطن إلى بر الأمان.
حين قرأت "الفتوى"، قلت إن المفتي سائر على درب وزير الأوقاف، ثم إنه لم يرد فقط أن يستبق جهود تنظيم وترشيد عملية الإفتاء، ولكنه أراد أيضا أن يثبت تجاوبه وتفاعله مع الدعوة المطروحة لتجديد الخطاب الديني.
(عن بوابة الشرق القطرية)