ضربت موجة جديدة من الغلاء، الأسواق المصرية، وارتفع سعر الطماطم وحدها، إلى رقم قياسي لم تسجله منذ العام الماضي، وهو نحو 15 جنيها للكيلو المكون من قرابة سبع حبات متوسطة، غير بعيد عن سعر الدولار الذي يُباع حاليا بنحو 18 جنيها، والذي تجاوزه فعليا سعر كيلو الليمون، الذي بلغ 30 جنيها، مع اختفائه من الأسواق، في وقت سجلت فيه أسعار فاكهة التفاح نصف هذا الرقم الأخير.
في المقابل، لم تتمكن الحكومة من توفير الطماطم، أو القضاء على ارتفاع سعرها، أو حتى توفير رقابة تحول بينها وبين منع بيع الطماطم المغشوشة، وهو ما رصده مواطنون بالكاميرا، لأحد البائعين، وانتقده برلمانيون شجبوا غياب الرقابة الحكومية.
وعلى الرغم من تدشين عدد من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي حملة بعنوان "72 ساعة ضد الغلاء"، في محاولة جديدة للتغلب على ارتفاع الأسعار، على أن تبدأ السبت بمقاطعة شراء الطماطم، إلا أن المبادرة لم تجد نفعا، ولم تسفر عن أي انخفاض يُذكر في سعر الطماطم، الذي واصل تسجيل أرقام قياسية بمحافظات عدة.
وشهدت أسواق مدينة أسوان، بجنوب مصر، وصول سعر كيلو الطماطم إلى 15 جنيها، واشتكى عدد كبير من الأهالي، مما وصفوه بالارتفاع الجنوني في الأسعار، قائلين إنه لا مبرر لها، وطالبوا بشن حملات تموينية مكبرة على الأسواق بمراكز المحافظة.
أما على مستوى الفاكهة، فسجل سعر البرتقال 8 جنيهات، والكنتالوب 12 جنيها، والرومان 15 جنيها، والفراولة 10 جنيهات، والليمون 30 جنيها، والجوافة 8 جنيهات، واليوسفي 8 جنيهات.
هكذا يبيعون الطماطم المغشوشة
وتم التقاط مقطع فيديو، بحسب صحيفة "فيتو"، بإحدى أسواق جرجا بمحافظة سوهاج، ويظهر فيه اثنان من الباعة، أحدهما يتولى التعامل مع الجمهور، وتجهيز طلباتهم، والثاني يتولى ملء أحد الأكياس بالطماطم المعطوبة، ثم يناوله للأول الذي يسقط الكيس الذي في يده بخفة ومهارة، ويستبدل الآخر به، ويعطيه للمشتري.
ذلك دون أن ينتبه الأخير إلى ما حدث، حيث يكتشف بمجرد عودته إلى منزله، أن الطماطم التي اشتراها في حالة ممتازة، أثناء تعبئة البائع لها، ما هي إلا طماطم فاسدة، ومعطوبة، ولا تصلح للأكل.
التصدير السبب فأوقفوه
وتعليقا على ارتفاع أسعار الطماطم، قال مستشار وزارة التموين والتجارة الداخلية الأسبق، نادر نور الدين، إن الخضار المصرية أصبحت تباع بـ"تراب الفلوس" في الخليج، بعد أن أصبح الدولار هناك بنحو 19 جنيها، مضيفا أن المواطن في الخليج ولبنان يشتري الطماطم المصرية أرخص من المواطن المصري، ومثله البصل.
وكتب نور الدين، عبر حسابه بموقع "فيسبوك": "نحن في ذروة عروات الإنتاج، وبالتالي ليس السبب الانتقال بين العروات، ولكن السبب فتح التصدير على البحري، دون اعتبار لحاجة الأسواق المحلية، وحاجة الشعب".
وأضاف: "يا ريت نفكر في المواطن المصري شوية، ويكون التصدير بحساب مثلما فعلنا مع الأرز من قبل، ولا ينبغي للطماطم أن تزيد عن خمسة جنيهات فقط طبقا لقدرات المواطنين".
وتابع: "من يذهب إلى ميناء الإسكندرية سيشاهد مقطورات الطماطم المنتظرة لدورها في التصدير".
نقيب الفلاحين: الاحتكار سبب ثان
من جهته، أرجع نقيب الفلاحين والمنتجيين الزراعيين، فريد واصل، سبب الزيادة المبالغ فيها، إلى احتكار التجار للمحصول، ورفع سعره.
وأضاف: "هنا يأتي دور نواب البرلمان والحكومة في التصدي لهم، وحماية حقوق المواطنين"، متابعا: "لا يجب أن يُترك الأمر لحملات المقاطعة".
وتابع، في تصريحات لصحيفة "الوطن": "الفلاح يبيع للتجار بسعر منخفض، وهم يحتكرون السلع كي يزيدوا سعرها، وهذا في النهاية يرهق المواطن"، حسبما قال.
نائبة: الرقابة لم تصل لأقصى دراجتها
في السياق نفسه، قالت عضو مجلس نواب ما بعد الانقلاب، عن محافظة الشرقية، زينب سالم، إن المشكلة الحقيقية تكمن في استغلال التجار وقيامهم برفع السعر دون أي آلية متابعة.
واتهمت الرقابة (الحكومية) بأنها لم تصل لأقصى درجاتها، لأن الدولة لم تحكم الأسواق بالطريقة التي ترضينا، وبالتالي يجب أن تكون البداية من المواطن، على قولها.
ارتفاع الدولار سبب ثالث
ورأى عضو مجلس النواب عن محافظة الجيزة، بكر أبوغريب، أن "عودة أسعار الخضراوات للارتفاع أمر طبيعي في ظل ارتفاع سعر الدولار في البنوك"، مشيرا إلى أن "الزراعة تعتمد بشكل أساسي على خامات مستوردة من بذور وتقاوى ومبيدات حشرية وسماد، وانتهاء بالسولار، وطبعا سعر صرف الدولار الجمركي، الذي يتحكم في أسعار السلع جميعها".
وأكد أبوغريب، في تصريحات نقلتها صحيفة "اليوم السابع"، أن المشكلة الحقيقية لم تعالجها الحكومة، وظلت تعطي مسكنات بالضغط على مباحث التموين والجهزة الرقابية مثل جهاز حماية المستهلك لتنفيذ حملات تفتيشية على الأسواق، وترك الأمر الأساسي، وهو ضبط الأسعار بسياسات محددة.
وحذر من أن الأسعار سوف تستمر في الازدياد لأن الإنتاج المحلي يقل بسبب تجاهل المسؤولين مشكلات المزارعين والمصنعين، وهو ما يجعل عملية الاستيراد أسهل وأكثر ربحا من تحمل المزارع، وفق قوله.
مسكنات الحكومة وغياب قبضتها
أسباب أخرى أشار إليها رئيس الغرفة التجارية بدمياط، وكيل لجنة الصناعة بمجلس النواب، محمد الزيني، إذ أشار إلى تزايد إهلاك الخضراوات الناتج عن النقل من الأرض الزراعية إلى الأسواق، وركود المبيعات الذي أصاب حركة التجارة بعد تعويم سعر صرف الجنيه، وهو ما انعكس على قطاعات الدولة كافة.
وتساءل عن دور وزارة الزراعة والتموين في توعية المزارعين والتجار، بل وتوفير طرق بالتنسيق مع القطاع الخاص، لتنمية والحفاظ على الثروة الزراعية.
أما النائبة غادة عجمي، فرأت أن سياسات الحكومة تركت الحبل على الغارب للتجار، ووثقت فيهم، من أجل التحول لسياسة السوق الحرة التي تتبعها أغلب الدول، ووقعت مصر بشأنها على العديد من الاتفاقيات الدولية، لكن للأسف الكثير من التجار لم يكونوا أهلا للثقة، بحسب قولها.
وطالبت بإعمال الحكومة "قبضة حديدية" لوقف استغلال التجار للمواطن قليل الحيلة، مشيرة إلى أنها تقدمت بعدد من المقترحات للبرلمان وللوزارات والجهات المعنية من أجل وقف جماح الغلاء، والسيطرة على ارتفاع الأسعار، وتعتزم تقديم مقترح بقانون لتغليط عقوبة التلاعب بالأسعار.