قضايا وآراء

صناعة القيادة الثورية (5)

1300x600
في المقالات السابقة حاولنا أن نقدم لقراءة في اللاعبين الفاعلين في المشهد المصري، وقسّمنا هؤلاء اللاعبين لأقسام ثلاثة، تناولنا في المقال الأول من تلك القراءة اللاعبين الفاعلين المحليين، وفي المقال الثاني تناولنا اللاعبين الإقليميين، وفي المقال الثالث تناولنا اللاعبين الدوليين الفاعلين في المشهد المصري، وأوزان كل منهم النسبية، مع وضع بعض المؤشرات لإمكانية التعاون واحتمالات ردود الفعل من كل لاعب في حالة تحرك القيادة الثورية في البدء بالتغيير المنشود، مع ملاحظة أن السياسة رمال متحركة، وأن القاعدة الذهبية التي أرساها ونستون تشرشل: "لا صديق دائم ولا عدو دائم، ولكن مصالح دائمة". فعلى القيادة الثورية إدراك ذلك والعمل على أساسه، ومن ثم قراءة المشهد أولا بأول لتحديد اللاعبين الفاعلين في المشهد والأوزان النسبية لكل منهم، ومدى تأثير كل منهم على المشهد في حينها.

وبعد أن حددنا اللاعبين الفاعلين في المشهد المصري، بات من واجب القيادة الثورية أن تستقرئ المشهد الذي سترسم ملامحه بعد التغيير أو الساحة التي ستتحرك فيها لإحداث التغيير. وهنا فإن القيادة يجب أن تتحلى في قراءة هذا المشهد أو تلك الساحة بالعلم والخبرة، ولا يمكن لأحدهما أن يغني عن الآخر، فالخبرة وحدها قد يدفعها الهوى والرغبة إلى الخطأ فيضل الحراك الطريق ويكون عاملا سلبيا على أي حراك للتغيير يأتي من بعده إن هو لم يحقق الهدف المنشود. ففي عصر المعلومات لا يمكن أن يتم التحضير لأي مشروع إلا بقراءة متأنية للمعلومات الكافية لتحديد الوجهة والطريق وسبل الوصول للأهداف، لذلك فإن دراسة المزاج العام للشارع والمؤثرات والموجهات وخطوطه الحمر، أمر مهم لتحديد المستهدف، وفي المستهدف أيضا كلام، فما يصلح لفئة لا يصلح لأخرى، وما يؤثر في منطقة قد لا يؤثر في أختها.

مع ذلك فإن المشهد المصري منقسم بين فئات رئيسية وطبقات عامة وينقسم المجتمع المصري إلى ست طبقات: الطبقة المركزية المتحكمة والمتمثلة في قادة الجيش والملأ المستفيد من حكم الانقلاب، ثم الطبقة الوسطى العليا وهي طبقة الضباط الكبار والقضاء والشرطة ورجال الأعمال الكبار، ثم الطبقة الوسطى المستقرة وهي طبقة القيادة الوسطى في الجيش والشرطة من الضباط والمتقاعدين ومعهم رجال الأعمال والموظفين الحكوميين من الدرجات العليا، ثم  الطبقة الوسطى الفقيرة وهي طبقة الموظفين والأعمال الحرة، وأخيرا الطبقة العاملة وهم صغار الموظفين والعمال الموسميين وعمال العقود قصيرة الأجل، ويمكن أن نضم إليهم الطبقة السادسة وهي الفئات اللاطبقية الكادحة التي تعيش اليوم برزق يومه.
وعلى الرغم من أن هذا التقسيم سيتبعه تقسيم آخر، إلا أننا يمكن مبدئياً أن نحدد الطبقات المستهدفه من الدعوة للتغيير، وهي الطبقات الرابعة والخامسة والسادسة، حيث أن هذا التركيب الطبقي يظهر ابتعاد المجتمع كليا عن العدالة والمساواة على الرغم من بقايا الاشتراكية التي خلفها نظام يوليو من الخمسينيات كوسيلة للأمن المجتمعي الذي يصب في الحفاظ على بقائه في سدة الحكم، حيث أن هذا النظام رغم ذلك أسس في السنوات الأربعين الأخيرة نظاما مجتمعيا مبنيا على الاستغلال باستئثار الطبقات الثلاث الأولى على ملكية وسائل الإنتاج والتحكم فيها والبيروقراطية وتسيير الحياة اليومية، كما أن المشهد الآن متاح للانضمام إلى معسكر التغيير لما يعانونه من ضغوط اقتصادية. وعلى الرغم من أن هناك من يرى أن ثلاث طبقات لا تكفي لإحداث التغيير، إلا أن حقيقة الأمر تؤكد أن الطبقات الثلاث الأخرى في الحجم أقل، وإن كانت أقوى من حيث النفوذ والسيطرة، مع ذلك فإن القواعد الحاكمة في التغيير تعطي القوة النسبية للطبقات الثلاث المحتملة للانضمام لمعسكر التغيير.

وهذه الطبقات الثلاث ليست سهلة المنال، فالطبقة الحاكمة تلعب على جذبها أو تحييدها أو إرهابها من أجل عدم الانصياع لدعوات التغيير، وهو ما يعني أن على القيادة الثورية أن تعمل جادة في معركة الوعي لجذب تلك الطبقات للانضمام إلى معسكر التغيير على بصيرة، وعليها في ذلك أن تختار الوسائل المبتكرة ولا تعول على الغضب المكبوت، كما عليها إيجاد رؤية واضحة لقضية يجتمع عليها الناس.

وفي المقال القادم سنقدم للقيادة الثورية المنتظرة قراءة أخرى لتقسيم المجتمع المصري مبني على الأيديولوجية المحركة لطبقات المجتمع المصري والمبنية على المصالح الفئوية أو الطائفية.. فإلى لقاء.