نشرت صحيفة "واشنطن بوست" مقالا للأستاذ الزائر في كلية السياسة والحكومة في جامعة جورج ميسون، والمدير السابق لكل من وكالة الأمن القومي ووكالة الاستخبارات المركزية مايكل هايدين، يقول فيه إنه في تشرين الثاني/ نوفمبر، حاول أن يحلل حب الرئيس الأمريكي دونالد
ترامب الغريب للرئيس الروسي فلاديمير
بوتين وغيره ممن اتصل بهم أعضاء حملته في
روسيا.
ويقول الكاتب: "أفضل تحليل استطعت التوصل إليه هو شيء يسميه الروس (بوليزني دوراك)، ويعني (الأحمق المفيد)، وهو مصطلح يعود للعهد السوفييتي، ويصف الأشخاص السذج من الكرملين غير المرغوب فيهم، لكن يمكن حثهم على عمل شيء لصالحه".
ويشير هايدن في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أنه بعد ستة أشهر فإنه "من المثير للإحباط أن أقول بأن مصطلح (الأحمق المفيد) لا يزال وصفا ملائما، فالرئيس ترامب لا يزال يقاوم الرأي القائل بأن روسيا تلاعبت في العملية الانتخابية في أمريكا، وحتى الأسبوع الماضي كان أفضل ما لديه هو أن يقول (إن كانت روسيا) قد تدخلت، وقد أدى موقفه هذا إلى توتر العلاقة مع مجتمع الاستخبارات، ولا تساعد هذه العلاقة استمرار ترامب باتهام ذلك المجتمع بالتجسس على حملته".
ويستدرك الكاتب بأن "الروس أصبحوا الآن وسط جدلية جديدة، هي من صنع الرئيس، عندما قام الأسبوع الماضي، بحسب (واشنطن بوست)، بالكشف عن معلومات استخباراتية حساسة حول تنظيم الدولة للسفير الروسي سيرغي كيسلياك ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، خلال اجتماع في المكتب البيضاوي".
ويلفت هايدن إلى أن "المعلومات مصدرها دولة ثالثة، بحسب التقارير، وكشفها هو اختراق لقاعدة شبه مقدسة، بخصوص معلومات الطرف الثالث، التي تقول: إن المعلومات من بلد ما لا يمكن مشاركتها مع بلد ثالث دون اتفاق مع المصدر، وإن كسرت هذه القاعدة أكثر من مرة فإن مصادر معلوماتك تبدأ بالجفاف".
ويجد الكاتب أنه "مع ان الإدارة تؤكد بأنه لم يتم نقاش المصدر ولا الأسلوب، وقد يكون ذلك صحيحا، لكن، كما اختلفت مرارا عديدة مع الصحافيين لأشرح لهم، بأن الكشف عن (حقيقة شيء ما) في العادة يشير إلى أن الطريق إلى (حقيقة كيف) الوصول إلى المصادر والأساليب التي يدعون أنهم لم يتسببوا لها بالخطر".
ولا ينفي المسؤول السابق أن الرئيس يملك حق رفع السرية ، ويقول: "يجب أن تكون لديه عمليا مساحة واسعة لما يريد أن يشارك البلدان الأخرى به، لكن القضية هنا ليست هي سلطات الرئيس، وإنما أداء هذا الرئيس".
ويرى هايدن أن "الحكم هو تجربة جديدة لترامب، فهو واحد من أقل الرؤساء خبرة في تاريخ أمريكا، وليس هناك ما يدل على أنه لديه علم ولا حتى اهتمام عميق بعملية الحكم في أمريكا، وليست لديه خبرة دولية، باستثناء خبرته في مجال العقارات والتجارة".
ويستدرك الكاتب بأنه "رغم هذا الضعف في مؤهلاته كله، إلا أنه يبدو لا يريد التواضع قليلا في وجه قلة خبرته، والمؤشرات كلها تقول إن الرئيس قليل الصبر على الدراسة، وواثق بشكل غير طبيعي من معرفته وحدسه، وغير مبال، بل إنه يزدري مؤسسات الحكومة المصممة لتساعد الرئيس على النجاح".
ويبين هايدن أن "ذلك كان واضحا في الفترة الانتقالية، عندما قام، بصفته رئيسا منتخبا، بالاتصال بالزعماء الأجانب، دون الحصول على المعلومات اللازمة من وزارة الخارجية، بل حتى دون علمها، فلم يكن غريبا أن يكون الرئيس المندفع قد تجاوز النص لتحذير زواره الروس بأسلوب درامي، أم أنه أراد أن يتفاخر أمامهم ببراعة مخابراته الفائقة؟".
ويقول الكاتب: "مرة أخرى وقف البيت الأبيض موقفا دفاعيا، حيث قام مستشار الرئيس للأمن القومي أتش آر ماكماستر ونائبة المستشار دينا باول، اللذان أعرفهما واحترمهما، بالتصريح بأن الرئيس لم يحدد المصدر، ولا الأسلوب، وقالا إن تقرير (واشنطن بوست) كان (كاذبا)".
وينوه هايدن إلى أن "النقاش حول ماذا قال الرئيس بالضبط، أو ما لم يقله أصبح موضع جدل، عندما غرد الرئيس بأن بإمكانه أن يفعل ما يريد في هذه الظروف".
ويعلق الكاتب قائلا: "لا أظن أن ماكماستر أو باول كانا مرتاحين لأن يجدا نفسيهما في هذا الموقف، والأمل هو ألا يتكرر ذلك معهما كثيرا".
ويؤكد هايدن أن "هناك فسادا حول الرئيس، عندما يضطر المتحدثون باسمه للدفاع عما لا يجب الدفاع عنه، ولا يمكن لفريق الأمن القومي أن يسمح لنفسه بأن يصاب بذلك".
ويطرح الكاتب مشكلة أخرى تتعلق بالتسريب ذاته، ويتساءل قائلا: "من أخبر الصحيفة وغيرها من المؤسسات الإخبارية وبسرعة كبيرة عن اللقاء؟ وهنا يشير المدافعون عن الرئيس إلى عناصر ظلامية من الدولة العميقة، أو بقايا إدارة أوباما، وقد يكون ذلك صحيحا، لكن هناك تفسيرات أخرى، فقد يكون الأمر أكثر من مجرد حقد أو عرقلة للمسيرة السياسية".
ويفيد هايدن بأنه "قيل إن الكشف أثار قلق العاملين في مجلس الأمن القومي، وقاموا بتحذير وكالة الاستخبارات المركزية ووكالة الأمن القومي، وواضح أن أحدا في الحكومة أقلقه الضرر المحتمل، وعندما خرج الكلام، فمن السهل تخيل القلق بين الموظفين الحكوميين، الذين يشعرون بعدم الارتياح من إدارة تبعات ما يرونها أخطاء رئاسية".
ويخلص المسؤول السابق إلى القول إن "الإدارة ستحاول تصيد بعض أولئك الأشخاص، على الأقل من تحدث منهم إلى (واشنطن بوست)، فالتسريب يبقى تسريبا، لكن الأمل أيضا أن تتم إعارة اهتمام كاف لجعل الرئيس أكثر معرفة وجاهزية، وأن يكون أكثر تقبلا للإجراءات والبروتوكول، الذي حكم تصرفات الآخرين الذين شغلوا هذا المنصب الرفيع".