مدونات

الثيوقراطية في النظام الغربي

محمد صالح البدراني
عربي21
عربي21
معنى الثيوقراطية:

هو مصطلح يصف حالة حكم رأي رجال الدين المسيحي في العصور الوسطى وتفاعلهم مع الملوك للتمكن من الشعب، فكان رأي رجل الدين الشخصي يعتبر حكما مقدسا إلهيا، والقساوسة يتكلمون باسم الله، أي هو في الخلاصة رأي مقدس يجب أن يكون معيارا لسلوك الجميع وواجب الاتباع منهم.

لذا يمكن القول إن الثيوقراطية لا تتعلق بالدين المسيحي ولا بأي دين آخر، وإنما هو تقديس رأي البشر وفرضه على الآخرين أو جعله معيارا للصواب والخطأ أو الحسن والقبيح، وبالتالي فإن تعصب العلماني إلى العلمانية وسلوكه هذا السلوك في تقديس رأيه ضد الأديان أو غيرها فهو ثيوقراطي متعصب للفكرة التي عنده.

لا غرابة أن نجد العلمانية اللائكية في فرنسا مثلا قد ثارت ضد الملوك ورجال الدين، لكنها في الحقيقة ثارت لأنها واقعة تحت ظلمهم وليس ضد الظلم نفسه، فنجد في التاريخ تعصبا ضد الأديان ونجد تحول الملكية إلى إمبراطورية كانت تُعد زمن نابليون الأول للتوريث، فما اختلف الأمر؛ عصبية باسم الدين أصبحت عصبية علمانية، وملكية في سلالة بالحق الإلهي أصبحت وراثية من دكتاتور أو طاغية بحكم القوة والنفوذ وبقي الفساد على وضعه، وهذه أتت كرد فعل أيضا على بداية الثورة الفرنسية عندما أعدم روبسبير الناس بدل سجن الباستيل، وأعدم روبسبير أكثر من 6 آلاف شخص في أقل من شهر ونصف، وفي العام 1794 من معارضته، وأعدم هو الآخر بـ"المقصلة" مع 100 آخرين من أعوانه، وهي كما هو واضح فاعلية للأنا، فهي منظومة تنمية التخلف إذن تتعامل مع غريزة حب السيادة والتملك كأي سلطة في العالم اليوم مهما حوّرت وغلفت نفسها بشعارات وآليات كما تفعل الرأسمالية.

الثيوقراطية الرأسمالية:

النظم الغربية نشأت على إسقاط الأعراف ووضع القانون والدولة، لكن هذا أبقي باطنيا كثير مما تسرب من العصور الوسطى التي أغلقت دون مراجعة لتفاصيلها إلا بقدر ما يهم الثورة الصناعية والانتقال إلى مجتمع لا يتحكم به القساوسة، واستل النظام الديمقراطي وفق شروط نخبوية، وهذا مهم جدا لأن النظام الرأسمالي غايته حماية رأس المال بآليات متعددة منها نشأت على تتابع كالديمقراطية والليبرالية وحقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني وغيرها في عملية بناء طويلة شكلت نمط حياة مقبولا.

ولأنها لم تواجه في البدء تحديات من الشرق حقيقية أو فكرية لم تُبحث هذه المنطقة إلا بشكل يلائم أفكارها نحوها ومصدرها في هذا المنقول، والذي من ضمنه الحروب البينية. وكان النظر إلى مصدر القوة كتهديد لنمط الحياة كما كان تهديدا للنظم الحاكمة في أوروبا قبل الثورة أو ما يسمى النهضة والتي في حقيقتها تنمية اقتصادية ترافقها تحولات مدنية في المجتمع، لكن أفكارهم عن الإسلام مثلا هي انطباعات منقولة عن الصليبيين والقسس في مرحلة التحشيد لغزو الشرق المهرطق والوثني والذي يملك الكنوز، واليوم هو يملك مصادر الطاقة لكن بقيت ذات الأفكار.

ما المشكلة؟

لدينا في واقعنا مشكلة مزدوجة لفوضى الواقع والفراغ الحقيقي الذي لم يُملأ من زمن ضعف قبضة الدولة العثمانية وامتداد النفوذ الغربي إلى داخلها نتيجة الفساد فازداد الأمر تعقيدا، وعلت المقاومة للدخيل بالتمسك بالماضي والتقليد بل اعتبر أي فكر خارج الصندوق يسعى للاجتهاد فكرا فيه جنوح وكفر، وما أسهل التكفير لحمَلة رايات التغيير. وهنا تحول الواقع إلى ما يشبه الثيوقراطية لكنها مؤيدة للحاكم ولا تحكم أو متحالفة معه، وإنما تؤيده بحكم ولاية التغلب المنقولة عن التنظير الفقهي الواضح في العصر العباسي. والتغلب على فاعليته قد بدأت بعد الحكم الشوري الراشدي.

ظهور التطرف من مفرزات تعاظم التحديات والتضييق على الإسلام من داخله وخارجه، فلا يسمح بفهمه بل وُضعت شروط وقواعد للاجتهاد تبقيك في دوار القديم (كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة هي وصاحبها في النار)؛ كذلكم الغرب يعمل على إذكاء الفشل وإبراز التطرف متحدا بذلك مع رجال الدين عنده، المتوجسين على الرعوية، وعناصر من الكراهية وتقسيم المجتمع إلى أقلية وأكثرية وإثنية وطوائف، بل بات المنظرون لا يفهمون الإسلام ومؤمنون بما لا يفهمون أنه الفهم الصائب في ذات طريق العلمانية الثيوقراطية التي تحمل نوعا من العلمانية المقدسة والتصالحية، وهما معروفتان لكنني اصطلحت هاتين الكلمتين للتعبير عنهما.. فتقول أهونها إن الإسلام يمكن أن يحكم كأحد الجهات، دون فهم لحقيقة الإسلام أنه يحكم بغايته وغايته هي أهلية الإنسان وكرامته، فالعلمانية أصلا لا نحتاج لها لأنها تمثل عيوب وإسقاطات تاريخ مختلف لأمم أخرى وثقافة أخرى.

نحن والغرب:

من المفارقات الرهيبة ما يرتكب بحق المسلمين في بلدانهم سواء من الاحتلال أو ممن لا اعتراض عليهم من الغرب لكونهم "علمانيين" فلا يرون القمع منهم، وكل أمر ضد الإنسانية يمارَس من حكام المسلمين المستبدين، والذين يتسلطون من غير المسلمين، وجرائم يعتبرها القانون الدولي أنها جرائم حرب لكنها لا يُنظر إليها ولا تعالج ويريدون من هذه الشعوب ألا تدافع عن نفسها ولا تثور ضد الظلم وعلى الوحشية وإهانة الكرامة الإنسانية، وإن فعلت فهي إرعابية (كلمة إرهاب خطأ لغوي).

لا يعترضون إلا شكليا لإبقاء الطاغية خائفا منهم مرتاحين لنقاط ضعفه وحرصه على كرسيه، وهذا منزلق لقاع النفاق والوحشية، مع غياب القيم عن الغرب ومعايير الأخلاق وارتباط سلوكه بالنفعية والتعامل من خلالها.

فإن جاء للحكم إسلامي، وبدل أن يتركوه يخوض التجربة ويطور في أساليب الحكم؛ فليس في الإسلام نظام جاهز وإنما يتبع الغاية بأسلوب العصر.. يقومون بسؤاله أن يحافظ على الأقليات، وهل الأقليات، أديانا وعرقيات، كانت لتبقى لو أن الإسلام متعصب ضد الأديان والقوميات؟ ولا يرون أن الإسلام لا يتعامل بالأقلية والأكثرية فالأمة تفخر برجالها التاريخيين من أية قومية كانوا.. وهل سيسمح بالتعري وشرب الخمر؟.. وكأن معاييرهم الثيوقراطية هذه هي الصحيحة؛ ولا يرون ما في مجتمعهم من إفرازات لأن الإنسان لا يعامَل للحفاظ على سلامة تفكيره. والإسلام يهدف للحفاظ على الضروريات الخمس، لكل الأديان وكل البشر. علينا أن ننشئ مركز دراسات من النخب لفهم ديننا على حقيقته، وكذلك الغرب عليه أن يفهم نفسه ويفهم الإسلام أيضا لتستقيم البشرية.
التعليقات (0)