سياسة عربية

صديق ملك المغرب: منظومة الدولة هي سبب احتجاجات الريف

مسيرة ليلة الثلاثاء بالحسيمة بعد اعتقال قائد حراك الريف ناصر الزفزافي ـ أ ف ب
مسيرة ليلة الثلاثاء بالحسيمة بعد اعتقال قائد حراك الريف ناصر الزفزافي ـ أ ف ب
انتقد الناطق الرسمي السابق باسم القصر الملكي، رئيس مركز طارق بن زياد، حسن أوريد، مقاربة الدولة لملف حراك الريف، معتبرا أن المشكل يكمن في منظومة عمل، داعيا إلى نزع فتيل الأزمة بالحكمة، محذرا من مغبة التصعيد.

ونشر موقع "الأول" صباح الثلاثاء، مقالا لحسن أوريد، بعنوان "كلمة عن الحراك".

التصور الجاهز

وقال حسن أوريد: "يدخل ما سمي بالحراك في الريف، مرحلة خطرة، بعد حملة الاعتقالات والمتابعات، وهي ما ينذر بتصعيد لا يمكن التكهن بمساراته في ظرفية مضطربة ومشحونة".

وتابع: "لم تكن وفاة المرحوم محسن فكري إلا القطرة التي أفاضت الكأس، وكان الوضع بالريف لمن يعرفه ويتابع شؤونه، يموج رغم ما أقدمت عليه الدولة من مجهودات ملموسة، من خلال الاشتغال على البنيات والأشياء، دون الإنسان، ومنها خياراته". 

وأفاد: "أتت الإدارة بتصور جاهز، ونخب جاهزة، وهو ما كان يُغيض نخبا ذات مسار تاريخي ونضالي، في المغرب والمهجر، آمنت بالمصالحة، وأدركت فحوى ما أقدمت عليه الدولة في فجر ما سمي بالعهد الجديد..".

الوصي على الريف 

وهاجم أوريد: "ولم تُفهم التخرصات التي أقدمت عليها، بعدئذ، من خلال تنصيب وصي أو أمين عليها. كان ذلك يجري في أحاديث خاصة وقد تم تسييج الساحة العامة".
 
وزاد: "ولم يتم التقاط الإشارة، لإنْ كان للدولة تصورها الذي يقوم على مفتاح (الباص passe ) الذي من شأنه أن يفتح كل الأبواب.. ولا حاجة لحمل رزمة من المفاتيح، لكل باب مفتاحها.. كان ذلك هو التصور القديم للمخزن، ولم يزد سوى أن غيّر (باص) بـ (باص)". 

وأكد: "ما لم يدركه بعض أصحاب القرار، هو أن التفضل بموقع ووضع على شخص أو أشخاص، يزري بمن لهم مسار ورصيد وشرعية. قد يتوارون أمام اختلال موازين القوى، ثم يبرزون حين يتغير الوضع.. من يُلام؟ من أٌجهز عليه، وأُزري به، ويظهر بعد كمون، ويدافع عن قضايا مشروعة أم من دفع بالإمّعات الذين يتاجرون بالقضايا المشروعة؟".

وأوضح: "هو ذا جزء من المشكل، ولو أن المشكل أبعد مدى من أن يحصر في الريف، بل هو منظومة عمل. وكيف لمن هو جزء من المشكل أن ينتصب عنصرا للحل؟".

واستعان بحادث تاريخي: "ولقد سبق لشيوخ قبائل ولاد الدليم وقد حل المرحوم الحسن الثاني بالداخلة بتاريخ 4 مارس 1980، لحفل الولاء، أن قالوا له مما يتناقله الناس في الصحراء: لا تعودوا تديروا تاسسويت علينا، جيبوا تاسسويت نتاعكم (لا تنصبوا علينا حثالة القوم منا، ولكن إن وكان ولا بد، فلتأتوا بحثالتكم)".

الخلط العمد

واعتبر الباحث في التاريخ: "التمرد والغضب والاحتجاج، ليس تصرفا فطريا أو طبيعيا عند الأفراد والجماعات، وهي لا تخرج لذلك إلا إذا دُفعت لذلك حين يكون حجم الضر قد أثقل عليها، أو بلغة العصر تجاوز عتبة المسموح به". 

وأوضح: "من السهل الإلقاء بالتعلة على الغاضبين، ونعتهم بالغوغائين وأصحاب الفتنة، ومن السهل تبخيسهم، والزعم أنهم شرذمة تغذي الكراهية وتدعو للعنف، وتروم الانفصال.. ولكن حبل الكذب قصير كما يقال". 

وبين أن "الشرذمة تستند على مد جماهيري، وعلى تعاطف وطني ودولي، وما يسمي بخطاب الكراهية تخرص، يخلط قصدا بمواقف سياسية، والانفصال، وليسمح لنا الفقيه النحرير خالد الناصري أن نمتح من قاموسه المرصع، خرافة".

ومضى يقول: "الوضع في الريف يقوم على معطيات موضوعية، ولا يمكن خلط الأعراض بالأسباب. استعصى على (ممرضي) الإدارة وهم يقدمون مختلف المراهم والمسكنات، واستعصى لأنه استفحل، واستفحل لأن للإدارة يدا في الاستفحال".

المخرج

واقترح حسن أوريد على الدولة مخرجا من الأزمة، قائلا: "ما نريده هو مخرج، لأن الوضع دقيق، في ظرفية مضطربة. لا بد من حوار جاد، ولا يمكن للحوار أن يتم إلا في وضعية هادئة. وأول الأشياء إطلاق سراح الموقوفين ورفع المتابعات.. الموقوفون لهم مطالب اجتماعية، ومواقف سياسية، وليسوا مجرمين اقترفوا جنايات. نعم قد يتم تكييف أفعال وفق منظور سياسي أو أمني، وليس القانون صنو العدالة، بل أبشع الظلم هو ما يرتكب باسم (القانون)". 

أما فيما يخص عرقلة العبادة فهي تحتمل قراءات متعددة، إذ هل الرأي عرقلة، وهل يحق للمسجد أن يكون صدى سياسيا لطيف دون طيف؟ وما سند الحديث "إذا قلت لصاحبك أنصت والإمام يخطب فقد لغوت".. أليس ذلك من مأساة الإسلام تدجين المسلمين مما اختلقه الطلقاء ليجعلوا الدين الحنيف تحت الحجر؟ أليس إغلاق المساجد عقب الصلاة، عرقلة للعبادة، لأن العبادة ليست مقصورة على الصلوات؟.

وتابع متسائلا: "ما العيب أن يقال إن الدولة أخطأت في خياراتها النيوليبرالية التي خلقت الفقاقيع، وتبدت سوآتها مع سلسلة الخوصصات الفطيرة، وتسليم الأراضي لنصابين ومافيات معروفة، من مناطق معروفة، وهل فضيحة دله بركة بتاغزوت قرب أكادير ببعيد؟".

وتابع: "ما العيب أن يعلى من شأن الشعب؟ وما مصدر الشرعية في الدولة الحديثة إلا من الشعب، فكيف نتأذى من ذلك ونحن نزعم أننا مجتمع حداثي ديمقراطي؟".

وأفاد: "ما العيب أن يفخر بعبد الكريم الخطابي، الذي كان ثاني اثنين ممن حمل لقب غازي، وهو أعلى لقب لمن حمل راية الإسلام، حملها أول من حملها، بادئ الأمر مصطفى كمال حين حرر تركيا من قبضة الإنجليز عقب الحرب العالمية الأولى، وبعده عبد الكريم الخطابي".

وختم: "ما العيب أن يحمل شباب الريف وعيهم التاريخي، وإيمانهم في المصير المشترك مع إخوتهم من شمال أفريقيا؟ أليس هذا ما استشهد من أجله المجاهدون منذ ملحمة الأمير عبد القادر، حين سقت دماء قبائل بني يزناسن وكبدانة وقلاعة وآيت ورياغل، وغيرها، معركته ضد المستعمر، ثم أثناء حرب التحرير؟ فهل يليق بالأحفاد أن يخيسوا برسالة الأجداد؟".

وخلص: "والحكمة هو مسايرة هذا المد الذي لا محيد عنه، بالتي هي أحسن، وذلك ما نبتغي. وإلا فالأخرى… سيتحقق معها ما يندرج في مسلسل التاريخ، ولكن بثمن غال.. وهو ما لا نريد".

وبحسب مراقبين فإن مقال حسن أوريد، يعد شهادة مهمة لواحد من بناة مغرب العهد الجديد، وقريب من مطبخ صناعة القرارات في المغرب، خاصة مرحلة الإنصاف والمصالحة، التي جرت فيها عملية مصالحة بين الريف والسلطة المرزية نجم عنها صناعة نخبة ريفية أصبحت فيما بعد قيادة حزب الأصالة والمعاصرة.

وعين حسن أوريد 1999، كأول "ناطق رسمي باسم القصر الملكي"، وهو المنصب الذي ظل يشغله حتى شهر يونيو 2005، حيث عين واليا على جهة مكناس تافيلالت، وتم تعيين حسن أوريد مؤرخا للمملكة المغربية في 2009 وقد ظل أوريد يشغل منصبه مدة سنتين إلى حدود 2010.
التعليقات (0)