أثارت جملة المواقف والإجراءات التركية بشأن قطع دول خليجية وعربية علاقاتها الدبلوماسية مع دولة قطر، تساؤلات بشأن حدود حضور وتأثير أنقرة في أزمة الخليج الجديدة، والمدى الذي يمكن أن تصل له هذه الحدود.
وكان مسؤولون أتراك في مقدمتهم رئيس الجمهورية، أعلنوا عن مواقف داعمة لقطر ورفض عزلها، مع التأكيد على دعم الخلاف الخليجية بالحوار، في حين توجت أنقرة مواقفها بإجراء عملي تمثل بتمرير البرلمان بشكل مستعجل قانونا يسمح بنشر قوات تركية في قطر.
"حدود واضحة وموقف دبلوماسي، هكذا وصف الكاتب والباحث المختص بالشأن التركي سعيد الحاج حضور أنقرة في أزمة الخليج، موضحا أن أنقرة "لم تنحز لأي من الأطراف بشكل واضح لأنها كانت تحاول القيام ببعض الاتصالات لتقريب وجهات النظر".
ويشير الحاج في حديثه لـ"عربي21" إلى أن تركيا تدرك أن دول الخليج تفضّل حل مشاكلها خليجيا، وهذا كان واضحا من خلال جهود أمير الكويت الذي تواصل معه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
ويلفت الحاج إلى العلاقة المميزة بين تركيا وقطر من خلال تقارب المواقف في السياسة الخارجية، بل وحتى في "الاتهامات" الموجهة لهما، "كانت تفرض على أنقرة موقفا أكثر انحيازا لقطر، إلا أنها حرصت على أن يكون موقفها دبلوماسيا داعما للتهدئة، وبالمحافظة على علاقتها مع السعودية، واكتفت بدور الداعم للجهود الكويتية".
ويضيف الحاج: "تركيا لا تستطيع أن تدخل الأزمة الخليجية بشكل واضح على الأقل وفق المعطيات الحالية، حدود موقفها هو التواصل الدبلوماسي، لكن من جهة أخرى هي معنية بإرسال رسالة سياسية قوية بدعم قطر دون إغضاب السعودية بشكل كبير جدا".
من جهته الباحث في مركز سيتا للدراسات بأنقرة بلال سلايمة، يؤيد ما ذهب إليه الحاج فيما يتعلق بالدور الدبلوماسي التركي، فيقول إن أنقرة "سعت لأن تأخذ وقتها الكافي قبيل اتضاح موقفها بشكل كامل من الحملة الموجهة ضد دولة قطر التي تمثل حليفا مهما لها".
كما يؤكد سلايمة في حديث لـ"عربي21" على فكرة "الموازنة بين علاقة أنقرة بالدوحة والرياض"، ويقول: "أنقرة تحاول في هذه الأزمة الموازنة بين علاقاتها المميزة مع قطر وما يفرضه التعاون الاستراتيجي والاتفاقات الموقعة بين الجانبين، وبين علاقاتها مع السعودية من جهة أخرى، التي لا تريد تركيا لها أن تتراجع للمستوى الذي كانت عليه قبل عهد الملك سلمان".
ويوضح: "يمكن اختصار الموقف التركي بأنه يسعى لمساندة قطر ودعمها لكن مع تجنب المواجهة مع السعودية، التي ترى فيها تركيا لاعبا رئيسا ودولة مهمة لا يمكن تجاوزها في المنطقة".
رسالة عسكرية بمضمون سياسي
ويقرأ مراقبون قرار مصادقة البرلمان التركي على إرسال قوات تركية بأنه رسالة عسكرية الشكل سياسية المضمون، وهو ما يؤكده الحاج وسلايمة، مع التشديد على أن قرار نشر القوات هو ضمن اتفاق مسبق جرى عليه التعديل بشكل مستعجل.
ويرى الحاج أن لهذه الخطوة "دلالة سياسية أكبر من كونها عاملا عسكريا سيغير في المعادلة الحالية"، مشيرا إلى أن ثمة نقطتين جوهريتين ميزتا ما حدث، وهما "تطوير الاتفاقية ورفع مستوى التنسيق بين الطرفين، والتوقيت حيث سرّع الحزب من عملية تمرير الاتفاقية لتكون رسالة دعم لقطر".
ويشير الحاج إلى أن ثمة دلالة أخرى لهذه الخطوة، "وهي دلالة دعم وتحذير بطريقة أو بأخرى، لا سيما أنها تزامنت مع تصريحات إيرانية حذرت من تغيير الحدود والجغرافيا في المنطقة".
وعن أفق هذه الخطوة يلفت الحاج إلى أن الاتفاقية "تحمل مستقبلا إمكانية التطوير والتعميق، ولكن هذا يحتاج لوقت طويل وأمامه عقبات، منها موقف السعودية التي تحتفظ أنقرة معها بعلاقات جيدة، وموقف واشنطن التي لديها قاعدة العديد، أحد أهم عوامل حفظ استقرار النظام القطري في ظل مطامع السعودية، إضافة لعامل تركي مرتبط بملفات أنقرة نفسها داخليا وخارجيا".
في المقابل يرى الباحث سلايمة في المصادقة على إرسال قوات تركية إلى قطر، "رسالة دعم واضحة للدوحة مفادها أنها ليست وحيدة"، مستدركا: "لكن من المرجح أن تتجنب تركيا التدخل العسكري في حالة تصاعد الأزمة لمواجهة عسكرية -وإن كانت احتمالاتها قليلة- من قبل الأطراف المناوئة للحكومة القطرية".
ويشير إلى أفق آخر لهذه الخطوة متعلق بـ"تعزيز وجود تركيا في الخليج العربي"، ويقول: "رسالة الدعم التركية لقطر تعزز من التواجد التركي في المنطقة وفي الخليج تحديداً، ليس على الصعيد السياسي فحسب بل على الصعيد العسكري أيضا".
ويضيف سلايمة: "من المؤكد أن نجاح قطر مع الدعم التركي بتجاوز الأزمة الحالية، سيدفع قطر لتعزيز العلاقة بين البلدين ودول أخرى في المنطقة لتعزيز علاقاتها العسكرية مع تركيا نظراً لكونها دولة مهمة في ميزان القوى الإقليمي".
وإلى جانب الدور التركي، برزت الزيارة المفاجئة لوزير الخارجية الإيراني جواد ظريف إلى أنقرة، لتضيف مشهدا جديدا إلى الأزمة في ظل حديث اتجاه الدوحة إلى طهران وأنقرة كعاصمتين إقليميتين لديهما القدرة على إحداث توازن يحفظ وجودها ودورها.
وعن هذا التطور يقول الكاتب سعيد الحاج إن "التنسيق الإيراني-التركي بشكل عام ما زال في مستويات متدنية، على الرغم من العلاقات الاقتصادية واستمرار التواصل الدبلوماسي"، غير أن الأزمة الأخيرة في الخليج "ربما ستدفع قطر وتركيا بشكل أقل للتنسيق مع إيران باعتبار المهددات المشتركة سوف تدفع باتجاهات".
ويستبعد الحاج أن يعني هذا تشكل محور قطري تركي إيراني، "لكن من الممكن أن يعني على المدى المتوسط أو البعيد تغير شكل التحالفات أو الاستقطاب في المنطقة"، مضيفا: "قطر بخياراتها القليلة إذا ما تأثرت العلاقات السعودية التركية من هذه الأزمة فإن التقارب القطري الإيراني سيكون حتميا".
بدوره يختلف الباحث سلايمة مع الحاج في مسألة التنسيق الإيراني التركي في هذه الأزمة "على الرغم من تقاطع موقف الدولتين في رفض الإجراءات المتخذة ضد قطر"، مستبعدا "وجود تنسيق بين الدولتين في ملفات المنطقة في المستقبل".
ويشير سلايمة إلى أنه "باستثناء الموقف من الأزمة الأخيرة في قطر فإن الموقف التركي أقرب للموقف السعودي والخليجي منه للموقف الإيراني عموما"، مضيفا أن أنقرة "تشارك السعودية ودول الخليج وجهة النظر بالحاجة للحد من التدخل الإيراني في ملفات المنطقة والتي تراه تركيا كما الموقف الخليجي سبباً رئيسياً لمشاكل المنطقة".