بات واضحا أن النظام السعودي اتخذ موقفا حازما في مواجهة الإخوان المسلمين وحركة حماس، بلغ حد التحريض ومطالبة قطر بصرامة وقف دعمها لهما، كما جاء في تصريحات وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير.
وأثار تغير الموقف السعودي من حركة حماس استهجان الحركة من تصريحات الجبير، لأنها "غريبة على مواقف المملكة العربية
السعودية، التي اتسمت بدعم قضية الشعب الفلسطيني وحقه في النضال" على حد تعبير البيان.
وتساءل باحثون ونشطاء على خلفية تصريحات الجبير المحرضة على الإخوان وحماس: "ما هي أسباب وعوامل تغير الموقف السعودي من الحركة وجماعتها الأم؟ ولماذا ضعفت حملات التعبئة والتحشيد المحذرة من الخطر "الصفوي المجوسي"، لتشتد ضراوتها ضد الخطر الجديد (الإخواني بالطبع)؟ فهل بات الإخوان أشد خطرا على السعودية من
إيران؟".
أرجع الإعلامي السعودي، المتخصص في الجماعات الإسلامية، عبد العزيز قاسم الأسباب التي أدت إلى هذا الموقف السعودي الحازم من جماعة الإخوان المسلمين إلى أربعة أسباب.
وذكر القاسم لـ"
عربي21" أن السبب الأول يتمثل في موقف الجماعة إبان حرب الخليج عام 1991م، حيث فوجئنا بموقفهم وهم يقودون التظاهرات في العواصم العربية دعما لصدام، ونحن من فتحنا لهم بلادنا بالطول والعرض إبان الملك الفيصل، ومكنتهم الدولة من وظائف رفيعة، وقدمت لهم الدعم الكامل.
وتابع القاسم: "لكنهم ردوا الجميل بالإساءة في وقفتهم الغادرة تلك إبان أزمة الخليج"، واصفا موقفهم ذاك بأنه "لا مروءة فيه ولا وفاء ولا خلق ولا أية شيمة من شيم العرب، بل عض يد من أنقذهم من حبال المشانق، وليعتب من يعتب، ويغضب من يغضب، لكنها الحقيقة" على حد قوله.
أما السبب الثاني وفقا للإعلامي السعودي القاسم "فيكمن في أن الجماعات الجهادية المتطرفة التي ابتلينا بها في السعودية والمنطقة العربية تفرعت من الإخوان المسلمين، وهم من أدخل الفكر الحزبي وأشاعه في إسلاميي الخليج"، مستشهدا بما قاله الأمير نايف بن عبد العزيز، وزير الداخلية السعودي السابق في حديثه الشهير عن الإخوان بأنهم أس كل بلاء أبتليت به السعودية.
وحدد القاسم السبب الثالث بقوله: "هذا السبب رافق الجماعة منذ ثلاثين سنة، وهو علاقتهم مع إيران، فالكل يعرف أن الإخوان كانوا من أوائل الوفود التي وصلت إلى طهران للتهنئة بنجاح الثورة الإيرانية وقتها، وبعد ذلك كان المرشد العام للجماعة حينها عمر التلمساني من أشد المتحمسين للثورة، ولم تفتر علاقة الإخوان بزعماء الشيعة".
وجوابا عن سؤال: ما هو السبب الأهم الذي أدى إلى هذا الموقف السعودي الحازم والصارم من الجماعة؟ أكدّ القاسم أن موقف الإخوان "مما يسمى بالربيع العربي، الذي بات بلاء على الشعوب العربية بسبب الإخوان" هو الذي أدّى إلى هذه المفاصلة والمفارقة التامة، بل ووصم الجماعة بالمنظمة
الإرهابية" على حد وصفه.
وأشار القاسم إلى أنه أعلن موقفه هذا وهم في سدة الحكم أيام الرئيس مرسي، واصفا: "طمع الإخوان في منصب الرئاسة، بأنه من أوصل الأقطار العربية إلى ما هي عليه من حروب أهلية وفتن وانقسام".
وانتقد الإعلامي السعودي بشدة ممارسة الإخوان السياسية، ذاكرا أنه طالبهم بما طالبهم به الدكتور عبد الله النفيسي بالعودة إلى مقارهم ومراكزهم الدعوية وترك السياسة لأهلها، وتفرغهم للدعوة، لأنهم أبانوا عن طفولة سياسية وعدم فهم للأحداث، وأوصلوا الأمة لهذه الفوضى والدمار الذي يعم ديار العرب" بحسب عباراته.
من جانبه فسر الناشط الحقوقي والسياسي
المصري، خالد أبو زيد سبب مهاجمة النظام السعودي للإخوان المسلمين بأنه يرجع إلى ما تخشاه السعودية من انتشار فكر الإخوان وتأثيره على المجتمع السعودي.
وحدد أبو زيد في حديثه لـ"
عربي21" قضيتين أساسيتين يُكثر الإخوان من تناولهما وإثارتهما، خاصة بعد الربيع العربي، ألا وهما: الحديث عن تداول السلطة، واختيار الشعب لحكامه، وكلتا القضيتين تعدان في السعودية مما يحظر تناوله والحديث عنه.
ورأى أبو زيد أن "السعودية لم تناصر دولة أو فئة أو جماعة وانتصرت" ممثلا بصدام حسين والمقاومة السورية والمقاومة اليمنية، ومضيفا: "لكن في نهاية المطاف نجد أن الشيعة استولت على الحكم في العراق، وضعفت المقاومة في سوريا، والشيعة يحاصرونهم في اليمن الآن".
وفي السياق ذاته قال الباحث المصري في العلاقات الدولية، محمد حامد: "بات من الواضح وجود مناخ محلي وعربي وإقليمي ودولي معارض ومناوئ وطارد لجماعة الإخوان المسلمين"، مضيفا: "هذه حقيقة على الجماعة التعامل معها بشكل أكثر واقعية".
ولفت حامد إلى أن "السعودية صنفت تنظيم الإخوان المسلمين تنظيما إرهابيا في 2014 في عهد الملك السابق عبد الله، وعلى الرغم من تغير القيادة في البلاط الملكي السعودي بالكامل إلا أن التنظيم ما زال على قوائم الإرهاب، رغم حالات التقارب البسيطة بين الرياض وحركة حماس بالسماح لإسماعيل هنية بالحج، إلا أن الوضع تغير الآن".
وذكر حامد أن العلاقات الدولية تبنى على المصالح في المقام والاعتبار الأول، ويمكن إبعاد أي علاقة تاريخية جانبا بسبب المتغيرات الجذرية في العلاقات الدولية.
وجوابا عن سؤال "
عربي21": أين ذهبت حملات حشد العلماء والدعاة والإعلاميين لمواجهة الخطر "الصفوي المجوسي" الذي حل محله فجأة خطر الإخوان وحماس؟ قال حامد "هي لم تتوقف وتسير جنبا إلى جنب".
وتابع: "تبقى مواجهة إيران هي القضية الأولى، لكن قد ترى السعودية أن جماعة الإخوان تعرقل التحالفات الجديدة في المنطقة (السعودية والإمارات والبحرين ومصر والأردن وإخراج قطر) لمواجهة إيران ومكافحة الإرهاب".
بدوره أوضح الباحث السياسي الأردني، فرج أبو شمالة أن حساسية النظام السعودي من الإخوان المسلمين ترجع إلى كونه تنظيما قويا يستند إلى مرجعية دينية، وما يحظى به من تأييد جماهيري واسع في عشرات الدول.
وأضاف: "ربما ترجع صرامة الموقف السعودي الأخير من الإخوان عموما، وحركة حماس خصوصا، بصورة توحي وكأنهما باتا أشد خطرا من إيران إلى أن السعودية في الآونة الأخيرة تسعى لإقامة علاقات تجارية واقتصادية مع الكيان الصهيوني".
وأضاف لـ"
عربي21": "السعودية ترى أنها زعيمة الخليج، وزعيمة العالم العربي، وتستشعر أن القضية الفلسطينية، وعنوانها الأبرز حماس تحول دون مضيها قدما فيما تسعى إليه من تطبيع اقتصادي مع إسرائيل".
ولفت أبو شمالة إلى أن تنازل مصر عن تيران وصنافير لصالح السعودية، ربما يفضي إلى إقامة علاقات اقتصادية مباشرة بين السعودية وإسرائيل.
وردا على سؤال: لماذا لا تسعى السعودية، كدولة كبرى تمثل أهل السنة للتحالف مع الجماعات والقوى الشعبية السنية كالإخوان بما يمثلونه من عمق جماهيري لها لمواجهة الخطر الإيراني المتمدد؟ أجاب أبو شمالة: ولماذا تفعل ذلك وهي لا تستشعر أدنى حاجة لأي قوى شعبية؟