رغم مرور أسبوع كامل على كشف صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية عن
لقاء سري جمع بين قائد الانقلاب بمصر عبدالفتاح
السيسي، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين
نتنياهو، وزعيم المعارضة إسحاق هيرتزوغ، العام الماضي في القاهرة؛ فإن النظام المصري لم ينف حدوث اللقاء حتى الآن، ملتزما الصمت.
ويقول مراقبون إن صمت النظام يرجح وجود تفاصيل أكثر، وربما لقاءات أخرى لم يتم الكشف عنها بعد، كما أنه يثير الشكوك حول تكرار اللقاءات السرية بين السيسي والمسؤولين الإسرائيليين، وحول علاقة اللقاء الأخير بصفقة "تنازل" السيسي عن جزيرتي
تيران وصنافير للسعودية.
لقاء حميم قبل الفجر
وكانت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية قد كشفت الاثنين الماضي، النقاب عن لقاء سري عُقد في نيسان/ أبريل 2016 بين السيسي ونتنياهو وهيرتزوغ، بعد شهرين من قمة العقبة -السرية أيضا- التي جمعت نتنياهو والسيسي، ووزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري، والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، في شباط/ فبراير.
وأشارت إلى أن لقاء القاهرة جاء في ذروة جهود سياسية دولية لدفع عملية السلام في المنطقة، وأن القوى الدولية والإقليمية أرادت إشراك حزب "المعسكر الصهيوني" -الذي يتزعمه هيرتزوغ- ضمن الائتلاف الإسرائيلي الحاكم؛ لأن نتنياهو لم يكن قادرا على قيادة المفاوضات بسبب شراكاته مع الأحزاب اليمينية وحدها في الحكومة.
وأوضحت "هآرتس" أن الاجتماع مع السيسي كان جزءا من تلك المساعي، حيث توجه نتنياهو وهيرتزوغ وعدد من المسؤولين السياسيين والأمنيين إلى القاهرة ليلا على متن طائرة خاصة، وتم نقلهم إلى أحد القصور الرئاسية، و"ضغط" السيسي عليهم لاتخاذ الإجراءات اللازمة لدفع عملية السلام، ثم عادوا إلى "إسرائيل" في ذات الليلة قبيل الفجر.
ولفتت إلى أنه في منتصف أيار/ مايو 2016، أي بعد أيام قليلة من هذا الاجتماع السري؛ ألقى السيسي كلمة في محافظة أسيوط، دعا فيها الفلسطينيين والإسرائيليين إلى الاستفادة من الفرصة المتاحة والتوصل إلى اتفاق سلام ينهي الصراع بين الجانبين، كما أنه دعا الأحزاب السياسية الإسرائيلية إلى الموافقة على تلك العملية، لكن المحادثات فشلت بسبب رفض نتنياهو إعطاء الفلسطينيين ما هو مطلوب، وفقا للاتفاق المسبق مع القادة الدوليين والإقليميين، على حد قول الصحيفة.
إحراج السيسي
لكن صحيفة "فيتو" المقربة من الأجهزة الأمنية في مصر، قالت إن تسريب الصحافة الإسرائيلية للقاء السيسي ونتنياهو؛ هدفه إحراج السيسي، ومحاولة التقليل من شعبيته "الكبيرة" في البلاد، والتي لا تروق لهم، على حد تعبيرها.
وزعمت الصحيفة في تقرير لها السبت، أن الإسرائيليين يتعمدون إحراج السيسي لأنهم يرون فيه "بعبع الرئيس الراحل جمال عبدالناصر"، ويحاولون زعزعة الاستقرار في مصر وتقليب الرأي العام في البلاد عبر "مزاعم" بعقد لقاءات سرية مع قادة "إسرائيل" وبتعاون استخباراتي بين الجيشين المصري والإسرائيلي.
تيران وصنافير
وجاء هذا اللقاء السري قبل أيام قليلة من زيارة ملك السعودية سلمان بن عبدالعزيز للقاهرة، وتوقيعه اتفاقية تسليم تيران وصنافير للمملكة، وهي الاتفاقية التي ما زالت تثير رفضا شعبيا واسعا في مصر؛ رغم إقرار البرلمان المصري لها الأربعاء الماضي.
وتعليقا على هذه الأمر؛ قال الباحث المتخصص في الشأن الفلسطيني محمد السعيد، إن اللقاء جاء ضمن سلسلة لقاءات لم يتم الإعلان عنها، وهي متعلقة بعملية السلام التي بدأت بمفاوضات باريس في عام 2014، مشيرا إلى أن "السيسي يحاول أن يتوصل إلى اتفاق سلام شامل قائم على أساس حل الدولتين".
وأضاف لـ"
عربي21" أن اللقاء بالقطع له علاقة بصفقة تيران وصنافير، فمن الطبيعي أن تتم مناقشة الصفقة لأن الجزيرتين تقعان ضمن المنطقة "ج" في سيناء المشمولة بمعاهدة السلام بين مصر و"إسرائيل" وتتواجد فيها قوات دولية لحفظ السلام، وبالتالي فإنه حينما يتم انتقال السيادة عليهما للسعودية؛ فإن المملكة ستصبح جزءا من هذه الاتفاقية.
ولفت إلى أن لقاء السيسي ونتنياهو عقد قبل توقيع الاتفاقية مع السعودية بشهر واحد فقط، مشيرا إلى أن عددا من وسائل الإعلام نشرت وقتها وجود اتصالات بين القاهرة و"تل أبيب" قبل هذا التوقيع، دون إعلان تفاصيل هذه الاتصالات.
"دبلوماسية سرية"
من جهته؛ انتقد الباحث المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، سعيد عامود، فرض سياج من السرية على اللقاء، قائلا إن "محاولة السيسي تحقيق سلام بين العرب وإسرائيل عبر حل الدولتين؛ لا تستدعي أن يأتي نتنياهو للقاهرة تحت جنح الظلام"، مؤكدا أن "السبب الحقيقي هو مناقشة صفقة تيران وصنافير؛ لأن وضعهما يمس الأمن القومي للجانبين".
وحول الأسباب التي تدفع السيسي لإخفاء لقاءاته المتكررة مع الإسرائيليين؛ قال السعيد لـ"
عربي21" إن "السيسي يخشى أن يؤدي الرفض الشعبي للتطبيع مع إسرائيل إلى التأثير على شعبيته، وذلك بسبب كره المصريين للإسرائيليين"، مضيفا أن "السيسي لم يستطع أن يعلن السبب الحقيقي وراء هذه الزيارة السرية؛ لأنه ناقش مع الإسرائيليين أمرا حساسا كصفقة تيران وصنافير، قبل أن يعرف المصريون عن اللقاء شيئا، وهو ما سيسبب حرجا بالغا للنظام إذا ما تم تناوله في الاعلام".