رغم أن
مصر كانت دائما سباقة في التظاهرات المناصرة لمدينة
القدس والمسجد
الأقصى والقضية الفلسطينية، عبر الجامعات والنقابات المهنية والأحزاب، إلى جانب دور جماعة الإخوان المسلمين بشكل خاص؛ إلا أن هذا المشهد غاب تماما في عهد الانقلاب العسكري.
واندلعت ظهر الجمعة، مواجهات عنيفة بين آلاف الفلسطينيين وقوات الاحتلال التي حولت مدينة القدس لثكنة عسكرية واعتدت على المصلين بشوارع المدينة المحتلة والحواجز المؤدية إليها من مدن الضفة الغربية المحتلة، فيما استشهد ثلاثة فلسطينيين برصاص الاحتلال.
وكانت قوات الاحتلال قد عمدت قبل أيام إلى وضع بوابات إلكترونية على أبواب المسجد الأقصى، في إطار سياسة التضييق التي تمارس على المرابطين والمصلين.
وخرجت
مظاهرات حاشدة الجمعة، في عدة مدن عربية وإسلامية، ففي العاصمة الأردنية تظاهر الآلاف انطلاقا من المسجد الحسيني الكبير وسط عمان، كما خرجت مظاهرات في مدن الزرقاء وإربد. وفي لبنان، خرجت تظاهرات في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، فيما نظمت قوى فلسطينية ولبنانية وقفات في بيروت وصيدا جنوبي البلاد.
وفي تركيا، خرجت مسيرة حاشدة من مسجد بايزيد وسط مدينة إسطنبول، فيما انطلقت مظاهرة أخرى من منطقة الفاتح. وفي السودان خرجت مظاهرة من أحد مساجد العاصمة الخرطوم.
وفي عدد من دول أوروبا خرجت مظاهرات مماثلة، كما يجري تنظيم اعتصامات على مدار يومي السبت والأحد.
ولم تسجل شوارع القاهرة خروج أية مظاهرة الجمعة، نصرة للأقصى، كما أن خطبة الجمعة الموحدة التي تعتمدها وزارة أوقاف الانقلاب لم تتطرق إلى قضية المسجد الأقصى، وجاءت تحت عنوان: "مفهوم المواطنة والانتماء وواجبنا تجاه السائحين".
كما لم يوجه حزب ولا نقابة ولا أية جمعية إسلامية أو جهة رسمية مصرية أية دعوات لنصرة الأقصى، سوى جماعة الإخوان المسلمين (المحظورة) التي دعت للتظاهر تضامنا مع المسجد الأقصى.
وانتقد الإعلامي المصري، عماد البحيري، غياب التظاهرات المناصرة للمسجد الأقصى بالشارع المصري، وقال: "خطبة الجمعة بكل مساجد تركيا عن المسجد الأقصى، وملايين الأتراك خرجوا من 39 مسجدا بإسطنبول وحدها في شمس تموز/ يوليو، نصرة للأقصى في مشهد يخلع القلوب، ومسيرات بدول عربية أخرى، حتى كوالالمبور خرجت بمسيرة كبيرة".
وأضاف البحيري عبر صفحته في "فيسبوك": "الخزي والعار يلف مصر السيسي 100 مليون مصري ولا تخرج مسيرة واحدة، ولا مسجد واحد يخصص خطبته نصرة لثالث الحرمين"، متسائلا: "ما هذا الهوان؟ ما هذه المذلة؟"، على حد تعبيره.
ثلاجة العسكر
وفي توصيفه لأزمة اختفاء التظاهرات من الشارع المصري نصرة للأقصى، يرى الكاتب الصحفي أحمد حسن الشرقاوي: "الشعب المصري في ثلاجة العسكر؛ يخضع لعملية قمع وتخويف غير مسبوقة تتزامن مع عملية تبريد ثوري منذ 2011، إضافة إلى التجريف التعليمي والتسطيح الإعلامي منذ 1952".
وأكد نائب رئيس وكالة أنباء الشرق الأوسط سابقا، لـ"
عربي21"، أن "أزمة المسجد الأقصى في 2017؛ كشفت أن القمع والتبريد لثورة المصريين وصلت إلى مرحلة (التجمد) في تلك الأزمة"، كما قال.
وأشار الشرقاوي إلى أن "الانقلاب العسكري قام بحظر التظاهر السلمي، وأصبح كل مصري أو مصرية يخرج للتظاهر يعتبر نفسه شهيدا لأن النظام لا يتورع عن القتل وإطلاق الرصاص".
وأوضح أن أحد أسباب تراجع اهتمام المصريين بقضيتهم الأولى سابقا؛ هو "الإعلام الانقلابي الذي يقوم بإعادة تشكيل عقول تم تجريفها تعليميا، فيقلب الحق باطلا ويستمرئ الكذب طول الوقت"، وفق قوله.
غُيِّب الإخوان
ويرى الإعلامي والمحلل السياسي، محمد حسين، أن "المسجد الأقصى كان قضية جماعة الإخوان المسلمين الأولى؛ على مستوى العمل الإغاثي والدعم الجماهيري وتوعية الشعب بأهمية القضية"، وفق تقديره.
وأضاف حسين لـ"
عربي21": "لما غُيب الإخوان المسلمون ما بين سجين وقتيل وملاحق، أصبحت قضية الأقصى في ذيل قائمة الاهتمامات"، موضحا أن "هذا لا يعني عدم دعم المصريين للقضية الفلسطينية ولكن الشارع المصري يحتاج من يحركه".
وأشار حسين إلى أن هناك أزمة أخرى كانت سببا في تراجع القضية الفلسطينية بالشارع المصري، مشيرا إلى أن "القضية الفلسطينية تم تشويها من قبل إعلام العسكر؛ الذي شوه المقاومة على مدى سنوات أربع، وجعل بعض العوام يعتقدون أن دعم فلسطين خيانة للوطنية"، كما قال.
وأضاف أنه "في ظل الانقلاب العسكري؛ بات هناك شكل أقوى من التطبيع مع العدو حتى أصبح الصهاينة أصدقاء، والمقاومة خطرا، بفضل إعلام العسكر"، لافتا إلى أن تلك الحالة "وصلت إلى حد شماتة البعض في الفلسطينين الذي يمثلون تهديدا لأمن مصر؛ بحسب ما روج إعلام السيسي كراهية في الإخوان".
تحرير مصر أولا
ومن جانبه، أكد الباحث الإسلامي محمد مسلم، أن "الشعب المصري شعار مرحلته الآن: أنا الغريق فما خوفي من البلل"، معتبرا أن "الشعب واقع الآن تحت نير احتلال أسوأ من الاحتلال الإسرائيلي"، في إشارة إلى الحكم العسكري في مصر.
لكن مسلم رأى، في حديثه لـ"
عربي21"، أن "الشعب المصري الآن في مرحلة الإفاقة ولم يقل كلمته بعد"، مضيفا: "الأولوية الآن لدى المصريين؛ هي تحرير مصر من الاستبداد والفساد كمقدمة لتحرير الأقصى الذي تراجع في قائمة اهتمامات الشعب المصري"، وفق تقديره.
وأضاف: "في زمن مبارك كنا نتظاهر نصرة للأقصى تحت وابل قنابل الدخان والرصاص وعصي الأمن المركزي، ولكن الآن اختفت من أدوات القمع الهراوات والعصا الكهربائية والدخان، وحل محلها الجرينوف (بندقية) والمؤبدات لمجرد التظاهر".
وقال: "الوضع اختلف كثيرا الآن؛ فقديما كان المعتقل يشعر في قرارة نفسه أنه أيام أو شهور قليلة وسيخرج للحرية، أما الآن فالداخل للسجون مفقود والخارج منها مولود".