بعد مقتل أردنيين اثنين على يد حارس صهيوني في عمان، اتفق النظام الأردني مع الكيان الصهيوني على السماح بخروج الحارس القاتل من الأردن معززا مكرماً؛ مقابل إزالة الإجراءات الإسرائيلية الأخيرة ضد المسجد الأقصى، أو جزء منها على الأقل –لم تتضح الصورة النهائية حتى اللحظة- وبهذا خرج الطرفان رابحين في تصورهما، إسرائيل استطاعت النزول عن السلم الذي وجدت نفسها متورطة فوقه، فاستمرار الاحتجاجات قد يفجر الأوضاع في الضفة، ويخلق حالة تحدٍ قد تتصاعد لانتفاضة واسعة، وإزالة البوابات يعني إقرارها بسيادة المقدسيين على الأقصى.. أما النظام الأردني فيظهر بأنه أنجز صفقة مشرفة نجح بموجبها في حماية الأقصى.
لكن المقدسيين والفلسطينيين جميعاً بل وغالبية المسلمين يدركون حقيقة الموقف، وأنه لولا الصمود المقدسي، لمرت الجريمة الصهيونية ضد الأقصى، كما مر غيرها من قبل.
ومن هنا يتوجب على المقدسيين أن يواصلوا حراكهم حماية للأقصى، حتى لو أزيلت كافة الإجراءات الصهيونية التي أعقبت عملية الأقصى على يد الجبارين الثلاثة، فينبغي أولا التأكد من إزالة كافة الإجراءات الصهيونية، وعدم السماح بأي تغيير على أرض الواقع، لأن أي تغيير يصب لصالح الطرف الأقوى، وهو هنا الاحتلال بلا شك، ثانياً: يجب أن يتواصل الحراك الغاضب، وليكن الهدف القادم هو منع الاحتلال من دخول الأقصى، فمجرد دخول جنود الاحتلال ومستوطنيه إلى الأقصى؛ يمثل عدوانا بالغ الخطورة على المسجد، وعلى المقدسيين، وعلى المسلمين جميعاً.
ينبغي للمقدسيين أن يظلوا في ميدان المواجهة المستمرة، فهم الشعلة التي تشعل مشاعر كافة المسلمين سواء داخل فلسطين أو خارجها، ليظلوا على اتصال دائم بالأقصى، فالذي حرك غزة والضفة والداخل هذه المرة هو الصمود المقدسي بالدرجة الأولى، ولو افترضنا أن المقدسيين استسلموا للإجراء الصهيوني، ومروا من خلال البوابات، لما رأينا أي احتجاج هنا أو هنالك، وكلما تصاعد الغضب المقدسي وتواصل أكثر، كلما تزايد حجم التفاعل الخارجي معهم، هذه الحقيقة ينبغي أن يدركها المقدسيون، ويتصرفوا بناءً عليها.
إذا أزيلت الإجراءات الصهيونية الأخيرة، يجب على المقدسيين أن يغيروا خططهم وتفاصيل فعالياتهم، لكن مبدأ الاحتجاج يجب أن يستمر دون توقف، طالما أن مستوطنا أو جنديا واحداً يدخل الأقصى، فهو مكان مقدس لنا، ولا يحق لأحد أن يدخله دون إذن منا نحن المسلمون، والممثل الوحيد لنا في هذا هم المقدسيون فقط، الذين أثبتوا أنهم بحجم المسؤولية، وعلى قدر الأمانة الملقاة على عواتقهم.
ما تم إنجازه حتى هذه اللحظة كبير في تقديري، فقد رسّخ لدى العالم كله، أن المقدسيين متمسكون بالأقصى تمام التمسك، وأن أي عدوان على المسجد لن يمر بسهولة، بل قد يفجر مواجهة واسعة، تربك كافة حسابات الاحتلال، وهو كذلك قد أحرج الأنظمة العربية، وهي رغم أنها فقدت كافة أشكال الحياء، وباتت تتصرف باستهانة تامة بشعوبها، إلا أن ما جرى في الأقصى يمعن في إظهار عجزها اللامتناهي، كما أن أحداث الأقصى بدأت بهز الضمير الشعبي العربي الذي انشغل في الفترة الأخيرة بأزماته العديدة، وجراحاته الواسعة، ولذا لابد من تصعيد معركة الأقصى.