قضايا وآراء

زيارات الرؤساء الأمريكيين لفلسطين المحتلة.. الكيان أولا

سليمان سعد أبو ستة
1300x600
1300x600
منذ تأسيس السلطة الفلسطينية زار خمسة رؤساء أمريكيين (كلينتون، بوش الابن، أوباما، ترامب، والزيارة الحالية لبايدن) فلسطين المحتلة، وكافة هذه الزيارات حملت كلاماً معسولا جميلا، لكنها لم تحمل أي فعل إيجابي لصالح الفلسطينيين، وظلت دائماً انحيازا استراتيجيا لصالح الكيان الصهيوني. والطريف أننا عندما نعيد قراءة أخبار تلك الزيارات نجد أنفسنا أمام مشهد ثابت يعيد تكرار نفسه كل عدة سنوات، وبشكل يكاد يكون حرفيا في بعض الأحيان.

واليوم إذا أردنا أن نستقرئ نتائج زيارة بايدن لا بد من إعادة قراءة الزيارات الأمريكية السابقة، ذلك أن سلوك الفاعل السياسي في المستقبل انعكاس في الغالب لسلوكه في الماضي، فلقد كانت الزيارة الرئاسية الأمريكية الأولى في كانون الأول/ ديسمبر عام 1998م، وتضمن برنامجها حضور بيل كلينتون اجتماعا للمجلس الوطني الفلسطيني، حيث صوّت المجتمعون على إلغاء بنود من ميثاق منظمة التحرير تنص على الكفاح المسلح، والعمل على إزالة الكيان الصهيوني، في فضيحة كبرى لم تجنِ منها السلطة أي شيء، بل كانت تنازلا دون مقابل، سوى وعود زائفة كانت مجرد حقن مخدرة انتهت باغتيال عرفات، وتعزيز منظومة التنسيق الأمني في قيادة السلطة.
كافة هذه الزيارات حملت كلاماً معسولا جميلا، لكنها لم تحمل أي فعل إيجابي لصالح الفلسطينيين، وظلت دائماً انحيازا استراتيجيا لصالح الكيان الصهيوني. والطريف أننا عندما نعيد قراءة أخبار تلك الزيارات نجد أنفسنا أمام مشهد ثابت يعيد تكرار نفسه كل عدة سنوات، وبشكل يكاد يكون حرفيا في بعض الأحيان

وذلك التنازل لم يقابل من الكيان الصهيوني بعين الرضا، بل عدته محطة من محطات التنازل التي يجب أن تستمر تحت ضغوط الابتزاز المتواصل، حيث قال بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة الصهيونية آنذاك: إن إلغاء الميثاق غير كافٍ، وأنه لا بد من القيام بمواجهة ما أسماها المنظمات الإرهابية، وتدمير البنى التحتية الإرهابية، قاصدا بذلك فصائل المقاومة الفلسطينية.

وقد حاول كلينتون إقناع نتنياهو بالموافقة على اتفاق واي بلانتيشن، إلا أنه أخفق أمام مواقف نتنياهو المتصلبة، والذي لم يتراجع رغم وعود الرئيس الأمريكي بمنح الكيان 1.2 مليار دولار لتلبية ما أسماها "باحتياجات إسرائيل الأمنية"، وهكذا انتهت هذه الزيارة بتراجع فلسطيني واضح مقابل تصلب صهيوني كبير.

وبعد ذلك بعشر سنوات في 2008 زار جورج بوش الابن الكيان الصهيوني مجددا تعهده بـ"أمن إسرائيل كدولة يهودية"، مؤكداً أن الكيان الصهيوني والولايات المتحدة حليفان قويان، وأنه سيسعى لتحقيق سلام دائم في المنطقة، بينما دعا الرئيس الصهيوني شمعون بيرس بوش للمساعدة في "وقف جنون إيران، وحزب الله، وحماس".

ولم يكن لتلك الزيارة أي انعكاس إيجابي على القضية الفلسطينية، لأنها جاءت في نهاية عهد بوش، قبل أشهر من اختتام دورته الانتخابية الثانية، وكانت في ذروة سلسلة عنيفة من العمليات العسكرية ضد قطاع غزة، والتي بلغت منتهاها في نهاية العام عقب الزيارة بأشهر، بحرب شرسة أودت بحياة 1500 فلسطيني، وهو ما تناقض بشكل جوهري مع ما تعهد به بوش بالتوصل لمعاهدة سلام قبل نهاية العام، حيث أعلن أنه واثق بأن دولة فلسطينية ستقوم، وأن الاتفاق سيتم خلال ذلك العام 2008، وهو ما لم يجد له أي تطبيق واقعي حتى اللحظة.

وفي آذار/ مارس 2013م كانت زيارة أوباما، التي أعلن خلالها وبوضوح أنه جاء للاستماع فقط، وليس لإطلاق مبادرة سلام، مع تأكيده أن مصلحة "إسرائيل" تستوجب إقامة دولة فلسطينية، ولذا سيتخذ إجراءات تهدف لتعزيز الثقة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، دون أن ينسى التأكيد على عمق العلاقة التي تربط بلاده بالكيان الصهيوني، حيث أكد أن واشنطن حليف ثابت لإسرائيل، وأنها تشعر بالفخر لذلك، متعهدا بعدم وقف تمويل القبة الحديدية، ومانحا الكيان الصهيوني حق ضرب إيران دون الرجوع إلى بلاده.
زيارته لن تحمل جديدا في مسار التسوية، ولن تكون سوى تكرار لزيارات سابقة، إلا أنها ستعمل بكل قوة على تسريع وتيرة اندماج الكيان الصهيوني في المنطقة العربية

وفي أيار/ مايو 2017 كانت زيارة ترامب التي أكد فيها عزمه إنجاز اتفاق تسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين رغم إدراكه صعوبة الأمر، ولكن حقيقة ذلك ظهرت في زيارته لحائط البراق، وأدائه طقوسا تلمودية هناك، كما ظهرت من قبل في إعلانه عن تفاصيل صفقة القرن، التي دعمت تعزيز الاستيطان وألغت حق العودة. ورغم الضجة الكبيرة التي رافقت تلك الزيارة، إلا أن أي شيء لم يتغير على الأرض سوى بناء مزيد من المستوطنات، وتراجع آفاق أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية في الضفة استنادا لوهم التسوية التي تُخدَّر به قيادة السلطة، أو تخدِّر به المؤمنين بمشروعها.

وأخيرا، تأتي زيارة بايدن، الذي قال في مقال نشر قبل الزيارة بأيام إن إدارته عملت بالتعاون من بعض دولة المنطقة على الحفاظ على السلام دون السماح للإرهابيين بإعادة التسلح، قاصدا بذلك فصائل المقاومة، مؤكدا أن بلاده أوقفت حرب غزة خلال 11 يوما، وكان من الممكن أن تستمر شهورا، ما يؤكد مواقفه الداعمة للكيان الصهيوني، وأن زيارته لن تحمل جديدا في مسار التسوية، ولن تكون سوى تكرار لزيارات سابقة، إلا أنها ستعمل بكل قوة على تسريع وتيرة اندماج الكيان الصهيوني في المنطقة العربية، ليس كشريك في عملية تسوية أو تطبيع فقط، وإنما كقائد لحلف دفاعي يتشكل لحماية الاحتلال، وتعزيز قوته.
التعليقات (0)