اجتمعت الاثنين الماضي في
البحرين ما تسمى
اللجنة التوجيهية لقمة النقب، في أول اجتماع لها على مستوى الخبراء، على أن يعقد المنتدى المنتظم لوزراء الخارجية بشكل سنوي، بينما يفترض أن تستضيف
إسرائيل لقاء تنسيقيا آخر للخبراء أيضاً في غضون العام الجاري.
للتذكير، فقد انعقدت
قمة النقب في آذار/ مارس الماضي في كيبوتس سيدي بوكير، قرب ضريح مؤسس إسرائيل وأول رئيس وزراء فيها ديفيد بن غوريون، بضيافة وزير الخارجية حينها يائير لابيد، ومشاركة وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن، ووزراء خارجية الإمارات والبحرين والمغرب ومصر التي شاركت في اللحظات الأخيرة وفي الدقيقة التسعين تقريباً.
القمة كانت قد واجهت صعوبة في إصدار بيان ختامي جامع؛ نظراً للخلافات في المواقف السياسية التفصيلية بين أطرافها، وعدم الاتفاق إلا على اللقاء نفسه. ولذلك قررت الهرب إلى الأمام وتحقيق إنجاز ما ولو دعائياً، عبر اعتبارها منتدى منتظما يلتئم سنوياً، بينما عقدت ما تسمى اللجنة التوجيهية وبشكل دعائي أيضاً أول اجتماعاتها على مستوى الخبراء يوم الاثنين، في العاصمة البحرينية المنامة.
للتذكير أيضاً، فقد مثّلت قمة النقب أول انخراط علني ومباشرة من قبل إدارة جو
بايدن فيما تسمى الاتفاقيات الإبراهيمية، ومسيرة
التطبيع العرب الإسرائيلي المنبثقة عنها، بعدما رفضت الإدارة الأمريكية حتى استخدام المصطلح الإبراهيمي في مكاتباتها الرسمية.
قمة النقب أول محاولة جدية من إدارة بايدن لطمأنة إسرائيل ومطبّعيها العرب بأن الانكفاء الأمريكي عن المنطقة لن يترك فراغاً، وأن واشنطن ستساعد في بلورة ما يشبه تحالف أو منتدى إقليمي عربي إسرائيلي بدعم كامل منها كتعويض عن الانكفاء شرقاً، والاستغراق في مواجهة الصين وروسيا
كانت قمة النقب أول محاولة جدية من إدارة بايدن لطمأنة إسرائيل ومطبّعيها العرب بأن الانكفاء الأمريكي عن المنطقة لن يترك فراغاً، وأن واشنطن ستساعد في بلورة ما يشبه تحالف أو منتدى إقليمي عربي إسرائيلي بدعم كامل منها كتعويض عن الانكفاء شرقاً، والاستغراق في مواجهة الصين وروسيا، كما السعي إلى العودة للاتفاق النووي مع إيران.
قمة النقب التي عقدت قرب ضريح بن غوريون هدفت لتكريس أو تمرير الرواية الإسرائيلية وشرعنتها منذ النشأة حتى الآن، وفي السياق الإيحاء بأن إسرائيل ستملأ الفراغ الإقليمي الناجم عن الانكفاء الأمريكي عبر الاتفاقيات الإبراهيمية ومسيرة التطبيع المنبثقة عنها، بقيادة إسرائيلية ومساعدة إماراتية وبرعاية أمريكية مباشرة عبر حضور الوزير بلينكن، في أول انخراط له بمحفل تطبيعي منبثق عن الاتفاقيات التي كان قد تجاهلها ورفض حتى تسميتها بهذا الاسم.
إضافة إلى دول الاتفاقيات الإبراهيمية العربية الثلاث، الإمارات والبحرين والمغرب، شهدت قمة النقب مشاركة متأخرة وخجولة لمصر، بينما رفض الأردن الحضور. أما السلطة الفلسطينية فلم تُدع أساساً، وهي لم تكن بوارد المشاركة أصلاً احتجاجاً على غياب الأفق السياسي المتعلق بالقضية الفلسطينية باعتبارها أمّ القضايا الإقليمية، والعجز عن التوصل إلى حلّ عادل لها حتى الآن كان ولا يزال السبب الرئيس لحالة عدم الاستقرار والتوتر في المنطقة، وهو نفس السبب الذي وقف خلف غياب الأردن المتوجس أيضاً من إزاحة القضية الفلسطينية عن جدول الأعمال واحتمال انفجارها بما يرتد سلباً عليه.
والآن بالعودة إلى اجتماع اللجنة التوجيهية في البحرين بشكل مفاجئ ودون إعلان مسبق، فقد بدا حافلاً بالدلالات لجهة التأكيد على أن قمة النقب لا تزال حية ترزق كمنتدى إقليمي يعقد سنوياً على مستوى وزراء الخارجية، ويمثل مرجعية أو إطار لاجتماعات الخبراء والمستشارين التي ستعقد بشكل منتظم أيضاً.
هدفت اللجنة كذلك إلى التحضير لزيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن المرتقبة للمنطقة منتصف شهر تموز/ يوليو القادم. وبدت هذه الزاوية وكأنها جسر بين قمة النقب على مستوى وزراء الخارجية وقمة الرياض العربية الأمريكية التي ستعقد الشهر القادم بدون مشاركة إسرائيل، لكن الحضور الأمريكي سيعوض ذلك الغياب
هدفت اللجنة كذلك إلى التحضير
لزيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن المرتقبة للمنطقة منتصف شهر تموز/ يوليو القادم. وبدت هذه الزاوية وكأنها جسر بين قمة النقب على مستوى وزراء الخارجية وقمة الرياض العربية الأمريكية التي ستعقد الشهر القادم بدون مشاركة إسرائيل، لكن الحضور الأمريكي سيعوض ذلك الغياب خاصة بعد اجتماع اللجنة التوجيهية بحضور إسرائيلي لافت ونشط، واعتزام الرئيس الأمريكي السفر برحلة مباشرة من تل أبيب إلى الرياض في أول سابقة من نوعها.
عبر عقد اجتماع اللجنة التوجيهية في المنامة تحديداً، سعت دول الخليج العربي المطبّعة إلى الاحتماء بأمريكا وإسرائيل في مواجهة الغطرسة والعدوانية الإيرانية التي وصلت إلى حد قصف مدن سعودية وإماراتية، مباشرة أو عبر الأدوات والأذرع الإيرانية الإقليمية في اليمن والعراق.
في نفس سياق العمل الدعائي والهروب إلى الأمام جرى تشكيل ست لجان مختلفة، تتعلق بقطاعات الطاقة والتعليم والتعايش السلمي والأمن الغذائي والمائي والصحة والسياحة والأمن الإقليمي.
بدا لافتاً اختيار تلك القطاعات الحيوية والواسعة التي تتمتع بها إسرائيل بتفوق كبير، وإضافة إلى فرض التطبيع في سياقه الاقتصادي والاجتماعي، بدت لافتة أيضاً إضافة قصة الأمن الغذائي بالتحديد بعد الأزمة الأوكرانية، مع الاستعانة بإسرائيل لاستغلال علاقاتها وإمكانياتها العلمية والتكنولوجية لحل مشاكل الدول العربية الناجمة أساساً عن الاستبداد والفساد والابتعاد عن مبادئ وقواعد النزاهة والحكم الرشيد.
نحن أمام مساع واضحة لتوسيع الاتفاقيات الإبراهيمية إثر الانخراط الأمريكي الجدي فيها بعد دعم الإدارة المتأخر لها، ولكنها متعثرة بالتأكيد لعدة أسباب
وكل ذلك ضمن إطار سياسي وأمني تحت لافتة الأمن الإقليمي الذي يكرس التطبيع والهيمنة الإسرائيلية، دون حل جدي ومستدام لمشاكل وأزمات المنطقة.
تجب الإشارة كذلك إلى أن مصر تتعلثم وتطبّع ثنائياً على طريقتها، وهي تعرف أن حضورها هامشي في مسيرة تدار بقيادة إسرائيلية. كما أن غياب الأردن والسلطة الفلسطينية يحرجها، خاصة في غياب الأفق السياسي والعمل الجدي من أجل حلّ عادل ومستدام للقضية الفلسطينية.
وبالعموم لا شك أننا نحن أمام مساع واضحة لتوسيع الاتفاقيات الإبراهيمية إثر الانخراط الأمريكي الجدي فيها بعد دعم الإدارة المتأخر لها، ولكنها متعثرة بالتأكيد لعدة أسباب؛ منها أن لا فرصة لتجاوز القضية الفلسطينية على المدى البعيد وحتى المتوسط، وحالة عدم الاستقرار الناجمة عنها، إضافة إلى الصمود والمقاومة الشعبية السلمية في القدس وبؤر الاشتباك الأخرى في الضفة الغربية باعتبارها ساحة الصراع المركزية، مع دعم معنوي سياسي وإعلامي من غزة، وحضور مباشر أيضاً لأهلنا في الأراضي المحتلة عام 1948، وكل هذا معطوفاً على حالة عدم الاستقرار السياسي في إسرائيل العائدة ضمن أسباب وخلفيات متعددة؛ إلى العجز عن حسم القضية الفلسطينية حرباً أو سلماً والهرب اليائس منها إقليمياً ودولياً.