أحيت مجلة الإيكونوميست البريطانية الجراح وأيقظت المواجع حول واقع
الاتحاد المغاربي، عندما نشرت مؤخرا مقالا أكدت فيه أنه "كان بإمكان الجزائر والمغرب التحول إلى أكبر الكيانات الاقتصادية في الشرق الأوسط؛ لو التزمتا بالاتفاقية المبرمة عام 1989 بتشكيل اتحاد اقتصادي يضم أيضا تونس وليبيا وموريتانيا".
وأكدت المجلة الرصينة على فداحة الخسائر التي تتكبدها دول المنطقة المغاربية، وعلى رأسها الجزائر والمغرب، جراء استمرار الأزمة السياسية وغلق الحدود بين البلدين. وأشارت إلى "أن المناطق الحدودية الفقيرة بين البلدين؛ كانت ستصبح معابر مزدهرة". وذكرت أنه وفقا للبنك الدولي، فإنه على مدار 10 أعوام وحتى عام 2015 كان بإمكان اقتصادي البلدين أن يتضاعف حجمهما، لكن اقتصاد الجزائر نما بنسبة 33 في المئة والمغرب بنسبة 37 في المئة".
وذكرت المجلة في معرض تحليلها للواقع التاريخي والسياسي للجزائر والمغرب أن "آفاق البلدين من المفترض أن تكون أكثر إشراقا، فقد استطاعا إلى حد كبير تجنب اضطرابات الربيع العربي. وسكانهما في الغالب على المذهب السني المتجانس، وبالتالي في منأى عن الانقسامات الطائفية بالمنطقة. وتنعم الدولتان بعمالة رخيصة، وتقدمان لأوروبا جسرا إلى إفريقيا، وإن كانت الأفضلية هنا للجزائر، فهي تنتج نفطا وغازا طبيعيا غزيرا".
ويعرف الاتحاد المغاربي حالة من "الموت السريري"، بسبب انسداد العلاقات بين الجزائر والمغرب منذ غلق الحدود بين البلدين في 1994، إضافة إلى حالة عدم الاستقرار التي تعرفها المنطقة والجوار عموما، خاصة مع ما تشهده ليبيا التي تحولت إلى ساحة نفوذ لبلد مثل الإمارات، بدل موقف تنسيقي مغاربي ملموس يدفع نحو حل توافقي في ليبيا بدوافع عدة؛ أولها أمن المنطقة وحقن دماء أبنائها ومداواة جراحها، وليس موقفا كأنه يقول بالعكس "مَثلُ المغاربة كمثل الجسد المتفرق إذا اشتكى عضو منه تباعدت باقي الأعضاء"!
مفجع مرة أخرى أن تُذكرنا مجلة بريطانية بواقع هذا الاتحاد المغاربي؛ الذي مرت قبل أشهر قليلة الذكرى الـ28 لميلاده، كذكرى ميلاد ذلك اليتيم المنسي الذي لا يتذكره أحد.. هذا المولود الذي أُجهض وهو في المهد، والذي جاء إعلانه متأخرا بعقود، مع أنه كان حلما قديما لدى شعوب المنطقة.. حلم سبق استقلال البلدان المغاربية، لكن رغم ذلك كان ميلاده في مدينة مراكش المغربية في 17 من شباط/ فبراير من عام 1989، قد فتح آمالا واسعة وتطلعات كبيرة، لكن سُرعان ما بدا كأنه وُلد ميتا.
إنه تذكير بـ"نعي" أكثر منه تَذكرُ لعيد ميلاد! حيث "نعى" الاتحاد المغاربي الذكرى الـ28 لميلاده في خضم تحولاتٍ وتحدياتٍ كبيرة عرفتها المنطقة، ووسط مرارات حول واقعه وأسئلة حول آفاقه مع التحولات التي عرفتها المنطقة، والتي اقتلعت بانتفاضات شعبية اثنين من مؤسسي هذا الاتحاد المغاربي: الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي، خلعا وفرارا، والزعيم الليبي السابق معمر القذافي، قتلا وتنكيلا.. فيما دفع الرئيس الجزائري الأسبق الراحل الشاذلي بن جديد؛ ثمن ربيع الجزائر المجهض قبلهما.. ليلحقه بعدها رئيس موريتانيا الأسبق معاوية ولد سيدي أحمد الطايع في انقلاب لا يختلف في عنوانه العسكري!
وبمناسبة الحديث عن الانقلابات، فإن كثيرين يعتقدون أن إعلان هذا الاتحاد بتسمية "اتحاد المغرب العربي"؛ "انقلاب" في حد ذاته، لأن التسمية "إقصائية". فالاتحاد والتجانس العام الشعبي الهوياتي (الوجداني) في المنطقة المغاربية موجود قبل قدوم العرب إليها. ولعل الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة؛ لخص ذلك، عندما شرح "ببساطة" للرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر فكرة الوحدة المغاربية بالقول: الوحدة المغاربية تبدأ حيث يبدأ أكل الكسكسي (وهو طبق أمازيغي) وحيث ينتهي! أي ما يعني عمليا من المغرب الأقصى إلى الحدود اليبية - المصرية، وربما يشمل ذلك حتى واحة "سيوا" المصرية، التي يسكنها أمازيغ!
وللإشارة هنا، فإن رئيس الحكومة المغربية الحالية سعد الدين العثماني، قدم في 22 شباط/ فبراير 2012، عندما كان وزيرا للخارجية، طلبا لتغيير اسم اتحاد المغرب العربي إلى الاتحاد المغاربي، وقد أُيد طلبه من طرف موريتانيا، لكنه رُفض من ليبيا وتونس والجزائر التي تبشثت بالتسمية.
مؤسف حقا أن تتحول هذه الوحدة المغاربية إلى "وخدة" كما يقول التعبير الشعبي الدارج في بعض جهات المنطقة المغاربية، أي إلى انتكاسة أو فاجعة مريرة تصل حد اللطم. والتعبير، ربما، مقتبس عربيا من لطم الخّد، والصراخ بالتالي: "ياوخدِي"، أي هذا خدِي لألطمه!.. مؤسف حقا هذا الواقع، رغم أنه بالمعنى المصلحِي أو البراغماتي لأي اتحاد، فإن عدة دراسات قامت بها هيئات دولية، من بينها البنك الدولي، برهنت بالأرقام أن دول الاتحاد المغاربي، والتي تشكل كتلة سكانية بـ100 مليون نسمة، إذا استطاعت التوحد والتكتل اقتصاديا، فإن من شأن ذلك أن يزيد نمو الناتج الإجمالي المحلي لهذه البلدان، وبالتالي المنطقة، بـ2 في المئة عما تحققه الآن. وهذا بإمكانه أن يحسن الدخل الفردي لمواطني المنطقة المغاربية بـ17 في المئة سنويا، وبالتالي فإنه بالإمكان، وفي ظرف سبع سنوات مضاعفة الدخل الفردي لمواطني المنطقة.