نشر موقع "ديلي بيست" تقريرا للصحافي جستين لينش، حول الصراع الدائر في
جنوب السودان، لافتا إلى أن الموقع حصل على وثائق من مصادر مختلفة تشير إلى أن بعض الزعماء الأفارقة والمخابرات يتعاونون مع "نظام سلفاكير الوحشي".
ويقول الصحافي إن
أفريقيا تعلمت قبل أكثر من عقدين بأن الأمم المتحدة والولايات المتحدة لن تفعلا شيئا لوقف المذابح، حيث قتل حوالي مليون شخص خلال 100 يوم من مذابح الإبادة في رواندا عام 1994.
ويستدرك التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأن هناك درسا جديدا اليوم، حيث أظهرت وثائق محاكم وتقارير للأمم المتحدة، حصل عليها موقع "ديلي بيست"، أن الدول الأفريقية لن تناصر سفك الدماء فحسب، بل تساعد الحكومة الوحشية في جنوب السودان، في وقت تدفع فيه البلد نحو الإبادة.
ويذكر الموقع أن شهادة تحت القسم من نيروبي زعمت أن هناك علاقة بين المخابرات الكينية والمخابرات في جنوب السودان، كما أشار تقرير لقوات حفظ السلام الدولية التابعة للأمم المتحدة، إلى أن هناك تعاونا عسكريا بين أوغندا وحكومة جنوب السودان، بالإضافة إلى أن رسالة داخلية للأمم المتحدة في نيويورك تظهر أن مصر وفرت غطاء دبلوماسيا لجنوب السودان.
ويشير لينش إلى أن هذا الدعم ساعد على انهيار جنوب السودان، أصغر دول العالم سنا، التي اكتسبت استقلالها عام 2011، بدعم قوي من أمريكا، لافتا إلى أن الدول الأفريقية دفعت نحو أداء دور أكبر في حل الأزمات الاقليمية بعد جرائم الإبادة في رواندا عام 1994، حيث انتقدت أمريكا والأمم المتحدة للوقوف مكتوفتي الأيدي، في الوقت الذي ارتكبت فيه الجرائم على مدى واسع، و"لا شك أن الرئيس سلفاكير ومجموعات الثوار التي وقفت في وجهه مسؤولون بالدرجة الأولى عن مصير بلادهم، لكن الوثائق تظهر مدى فشل دول شرق أفريقيا في إنهاء واحدة من أسوأ الحروب في العالم".
ويفيد التقرير بأن الزعماء يخشون من دعم حظر تصدير الأسلحة والمقاطعة، ومحاولة جلب زعماء جنوب السودان للعدالة؛ لأن ذلك قد يشكل سابقة في منطقة شرق أفريقيا، بحسب ما قاله البروفيسور لوقا كوول في المركز الأفريق للدراسات الاستراتيجية، الذي أضاف أن تفكير الحكام الأفارقة بسيط: هذه أدوات قد تستخدم ضدهم لاحقا.
وينقل الموقع عن السفير السابق لجنوب السودان برينستون ليمان، قوله إن الرئيس يويري موسيفيني وغيره في المنطقة لهم مصالح مالية مهمة في جنوب السودان قد يخسروها إن سقطت حكومة سلفاكير، مشيرا إلى قول الأمم المتحدة إن هناك خطر وقوع إبادة جماعية، وبأن التطهير العرقي قد بدأ.
ويلفت الكاتب إلى أنه في وقت سابق من هذا العام، كان هناك حوالي مليون شخص على حافة الموت؛ بسبب مجاعة تسببت الحرب بها، مشيرا إلى أنه منذ صيف 2016 هرب حوالي مليون سوداني جنوبي إلى أوغندا؛ خوفا من قوات الحكومة، حيث أنشأوا أكبر مخيم لاجئين في العالم، و"يبدو أن أوغندا أيضا هي أكبر ممدي حكومة جنوب السودان بالسلاح، بحسب مجموعة تقارير للأمم المتحدة".
وينوه التقرير إلى أن هناك تعاونا عسكريا وثيقا بين أوغندا وجنوب السودان، فعندما كان فرار اللاجئين في ذروته الشتاء الماضي، دخل الجيش الأوغندي لمساعدة المدنيين الفارين من الصراع الإثني، بحسب تقارير من آلية مراقبة الهدنة والترتيبات الأمنية الانتقالية، وهو الجهاز الذي يرصد تطبيق اتفاقية السلام في جنوب السودان.
ويذكر الموقع أن الجيش الأوغندي قام بمساعدة المدنيين "بالعودة مؤقتا إلى قراهم لتجميع مقتنياتهم، وواجهت عصابات الحركة الشعبية لتحرير السودان الذين يغتصبون النساء بالقرب من معسكر اسوا"، بحسب التقرير، إلا أن تدخل الحكومة الأوغندية لم يذكر في تقرير آذار/ مارس.
ويفيد لينش بأن هناك أدلة في كينيا على وجود تعاون وثيق بين مسؤولي المخابرات في كينيا ونظرائهم في جنوب السودان، حيث حدث أن اختفى في أواخر كانون الثاني/ يناير 2017 شخصان من جنوب السودان، كانا يعيشان في العاصمة الكينية نيروبي، وهما محامي حقوق الإنسان دونغ صمويل لواك والمسؤول في المعارضة أغري إدري.
ويكشف التقرير عن أن سجلات مكالمات هاتفية تم تقديمها في محكمة كينية، بصفتها شهادة مشفوعة بالقسم في محكمة كينية، وحصل موقع "ديلي بيست" عليها، تظهر أن ضابط الاستخبارات السوداني جون توب لام لديه معلومات داخلية حول اختفائهما، وطلب من مقرب من الرجلين رشوة قيمتها 10 آلاف دولار، وألمح بأنها لمسؤول المخابرات الكينية الجنرال فيليب وتشيرا كاميرو.
وقال كاميرو للام، بحسب سجلات المكالمات الهاتفية، بأن الرجلين المختطفين "لن ينقلا إلى جوبا، حيث سنأخذ المعلومات منهما.. فأنت تعرف هؤلاء الناس، لغة المال دائما".
ويقول الموقع إنه "ليس واضحا إن تم دفع مال أم لا، لكن لم يعثر أبدا على دونغ وأغري، ونتيجة لذلك هرب سيل من المعارضين الجنوب سودانيين من نيروبي، وبعد موت مئات في القتال في العاصمة جوبا الصيف الماضي، ظهر دليل على دعم من الجيش المصري لحكومة جنوب السودان، بحسب تقارير الأمم المتحدة، التي تظهر أن مصريين أمدوا حكومة جنوب السودان بأسلحة خفيفة وذخيرة وسيارات مصفحة".
ويورد الكاتب نقلا عن الحكومة المصرية، قولها إن تلك التقارير "غير دقيقة" و "خاطئة"، في رسالة اجتجاج من بعثة مصر للأمم المتحدة، حصل موقع "ديلي بيست" على نسخة منها، مشيرا إلى أن المهم في الرسالة أنها لا تنكر أن مصر دعمت الحرب الأهلية في جنوب السودان.
ويشير التقرير إلى أن القاهرة حاولت بعد ذلك منع التحقيقات في الصراع، بحسب المسؤولين في الأمم المتحدة، مستدركا بأن تلك الجهود لم تكن ناجحة، لكن مع معارضتها الشديدة في مجلس الأمن لحظر السلاح فإن الجهود الدبلوماسية المصرية ساعدت في التخفيف من حدة القرارات في الأمم المتحدة.
وبحسب الموقع، فإن السودان كانت تمد الثوار في جنوب السودان، لكن ليس هناك دليل معلن بأن تلك العملية لا تزال مستمرة، وساعد على وقفها ضغط الحكومة الأمريكية.
ويذكر لينش أن الاتحاد الأفريقي كلف بمحاكمة زعماء جنوب السودان بتهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية خلال الحرب الأهلية، إلا أن التقدم كان بطيئا، وتم الاتفاق على تشكيل محكمة من قضاة أفارقة وجنوب سودانيين، لمحاكمة زعماء البلد على الجرائم التي ارتكبت خلال الحرب الأهلية، ويقول المراقبون إن تشكيلها سيكون اختبارا للاتحاد الأفريقي.
وينقل التقرير عن مسؤول سابق في إدارة أوباما، قوله إن هذه لحظة مهمة للاتحاد الأفريقي ليظهر أنه يمتلك الإرادة والقدرة على مساءلة الحكام الاقليميين عندما يرتكبون بعض أسوأ الجرائم التي عرفتها البشرية.
ويجد الموقع أنه "مع انتقاد دول شرق أفريقيا لدعمها الحرب الأهلية في جنوب السودان، فإنه لم تكن هناك حاجة للاعتماد عليها لتحقيق السلام لو تدخلت أمريكا أو بريطانيا والدول الغربية، لكنها جميعا مترددة في إرسال قوات حفظ سلام تحمي المدنيين في جنوب السودان".
ويبين الكاتب أن أمريكا بقيت لمدة عامين تعارض فرض حظر على الأسلحة لجنوب السودان، بالإضافة إلى أن زعامات تلك الحكومات "الغربية" لم تبذل جهودا دبلوماسية مستمرة لتحقيق السلام في جنوب السودان.
ويختم "ديلي بيست" تقريره بالقول: "إن كانت هذه الدول لا تحب الطريقة التي تقوم فيها دول شرق أفريقيا بدعم الحرب الأهلية في جنوب السودان، فإنه آن الأوان لأن تتحرك بدلا من الكلام فقط".