كشفت جلسة المصادقة على قانون
المصالحة الإدارية بالبرلمان
التونسي؛ عن وجود تناقض واضح في آراء نوّاب حركة
النهضة حوله، لتبرز صورة جديدة حول كُتلة عُرفت بتماسكها قبل أن تَتشتت مواقفها.
فبينما اعتبر عدد من نوّاب الحركة أنّ القانون "لم يراع مصلحة البلاد، لأنه خرق الدستور"، أكّد المكلف بالمكتب الثقافي والإعلامي في حركة النهضة، العجمي الوريمي، أنّ ما حدث "انتصار لتونس، وخطوة ضرورية في اتجاه تحقيق المصالحة الوطنية الشاملة".
اقرأ أيضا: البرلمان التونسي يصادق على قانون المصالحة المثير للجدل
وأضاف الوريمي في تصريحات خاصة لـ"عربي21"؛ أنّه لا أحد يمكنه توقع ماذا سيحدث لو فشل البرلمان في تمرير القانون، مضيفا: "سيناريو ما بعد الفشل مجهول أو ربّما عودة تونس الى ما قبل لقاء الشيخين بباريس في صيف 2013"، وفق تعبيره.
حالة إستياء
وقال الوريمي: "لو فشل البرلمان في تمرير قانون المصالحة؛ لرجعنا إلى معضلة الاستقطاب بين من يصف نفسه بقوى ثورية وبين من يجلس في الضفة المقابلة (...) استقطاب أيديلوجي بين الإسلاميين وبين غيرهم".
وتابع: "جنبنا بلادنا هزة سياسية كبيرة، وإن كان الثمن اهتزاز في البرلمان وحالة استياء واسعة عمّت شرائح في النهضة، ولكن قرارنا كان حكيما"، على حد وصفه.
وإجابة عن سؤال "عربي21" عما إذا كانت المداخلات المتشنّجة والمتضاربة لنواب النهضة، وتغيّب 32 نائبا عن جلسة المصادقة، وتصويت آخرين ضد المشروع، من جملة 69 نائبا للحركة، ثمّ لاحقا تقديم النائب نذير بن عمّو استقالته من كتلة النهضة؛ مؤشرات على دخول الحركة مرحلة التصدع والانقسام، اعتبر الوريمي إنّ الكتلة تعرضت لامتحان حقيقي.
خديعة
ورأى أنّ ما حدث من تشتت في المواقف وانقسام في الرؤى؛ لا يتعلق بالخيار الاستراتيجي للحركة، أو بخطها السياسي، أو بقانون المصالحة ومحتواه، ولا بعلاقة النهضة برئيس الجمهورية، أو بأي طرف سياسي، ولكن بتعاطي رئيس البرلمان يوم الجلسة العامة مع جدول الأعمال.
وأوضح الوريمي أنّ الدورة الاستثنائية للبرلمان كانت ستنظر، الثلاثاء والأربعاء، في نقطتين؛ هما سدّ الشغور في تركيبة الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، وقانون المصالحة الإدارية.
وأضاف: "للأسف لم يبلغ عدد الحاضرين النصاب القانوني لانطلاق الجلسة بسبب الغيابات غير المبررة، وفي اليوم الثاني (الأربعاء) أعلن رئيس المجلس أنه سيتم النظر في قانون المصالحة فقط، أي تم إسقاط نقطة سد الشغور في هيئة الانتخابات".
وقال: "ثار أغلب نواب النهضة لشعورهم بأنّه حصل نوع من الخديعة"، إذ كان هناك انطباع لدى نواب الحركة أنّ ثمة من "ضحك عليهم، وبالتالي وُجد رأي داخل الكتلة يرى أنه لن يتم المرور الى قانون المصالحة الا بعد سد الشغور في هيئة الانتخابات".
قلق واستياء
وأشار الوريمي إلى أنّ رأيا ثانيا ظهر داخل المجلس، وليس داخل الكتلة فقط، يرى بوجوب انتظار الاستشارة غير الملزمة من المجلس الأعلى للقضاء.
واعتبر القيادي النهضوي أنّ المناخ العام لجلسة المصادقة كان غير مناسب تماما، "وربما طريقة إدارة الجلسة أوجدت نوعا من القلق والاستياء داخل كتلة النهضة"، وفق تقديره.
من جهته، برّر تقديم النائب نذير بن عمّو (وزير عدل سابق) استقالته؛ بأنّه رجل قانون، وكان يرى أنّ "النظر في قانون المصالحة هو خرق للدستور الذي يوجب على البرلمان استشارة المجلس الأعلى لقضاء، رغم أن رأيه غير ملزم".
واعترف الوريمي بوجود حالة من الاستياء داخل النهضة، من بعض القواعد والقيادات، مبرّرا ذلك بأنّ كتلة الحركة كانت أمام إمكانية خروج الدورة البرلمانية الاستثنائية بلا شيء؛ لو لم تتم المصادقة على قانون المصالحة.
مناورة
وحول ما إذا كانت النهضة قد وقعت "في فخّ" شريكها في الحكم نداء تونس، المدافع الأوّل عن قانون المصالحة، كشف الوريمي أنّه كانت هناك "مناورة من بعض نواب الأغلبية والمعارضة أعني من شركائنا أو من أطراف أخرى، في اليوم الأول الذي تغيّبوا فيه".
وأضاف لـ"عربي21": "هي خطة مدروسة، الغاية منها عدم حصول الانتخابات البلدية أو أن تؤجل إلى موعد لاحق، وألّا يتم النظر في قانون المصالحة".
ورأى أن "عدم المصادقة على قانون المصالحة كان سيؤدي إلى ترحيل نقطة سد شغور هيئة الانتخابات إلى موعد مجهول، وهذا ليس فيه مصلحة للبلاد"، وفق تقديره.
وقال: "اضطررنا إلى تقديم قانون المصالحة بعد تعهد كل الكتل بأن يتم النظر خلال وقت قريب جدا في سد شغور هيئة الانتخابات، وبالتالي المرور إلى المرحلة الأخيرة من انتخابات الحكم المحلي (البلديات)".
سمعة سيئة
وعن "سرّ" تغيير حركة النهضة موقفها من قانون سبق أن عبّرت في مناسبات كثيرة عن رفضها له، قال الوريمي إنّ قانون المصالحة الاقتصادية بنسخته الأولى التصقت به سمعة سيئة منذ البداية؛ لأنّه يبيض
الفساد ويغطّي على الفاسدين من النظام السابق، كما قال.
واضاف: "مجلس الشورى اعترض سابقا على قانون المصالحة واشترط إجراء تعديلات جوهرية عليه وهو ما حصل من ذلك فصله عن القضايا المالية والصرف ذات العلاقة برجال الاعمال". وقال إن القانون "أصبح يقتصر فقط على تسوية وضعية إدرايين لم يحسم القضاء في وضعهم، ولم يستعيدوا حقوقهم أو دورهم في البلاد"، على حد قوله.
وخلص الوريمي إلى أنّ مؤسسات حركة النهضة اتجهت فيما بعد؛ التصويت لفائدة القانون، وبالتالي أصبح كل النواب ملزمين بهذا القرار، "لكن المناورة التي حدثت قبل يوم المصادقة واللخبطة يوم الجلسة خلطت الأوراق"، على حد وصفه.