وجود
السلاح بكميات كبيرة في
دارفور، غرب
السودان، أدّى إلى تفشي حالات نهب مسلح، وقتل في إطار الصراعات القبلية، وساهم في ظهور الجريمة المُنظمة، الأمر الذي دفع حكومة الخرطوم مؤخرا إلى الاتجاه نحو عملية جمع ذلك السلاح.
وظلت دارفور لسنوات طويلة مسرحا ومأوى للفصائل المُسلحة العابرة للحدود بأسلحتها الخفيفة والثقيلة، ما شكّل هاجسا أرَّق مضجع الحكومة المركزية في الخرطوم.
وأصبحت الحركة بين المُدن في دارفور محفوفة بالمخاطر، وصار السلاح والجريمة وسيلة لكسب العيش، ما أدّى إلى تفاقم الأوضاع؛ خاصة أن الذخيرة باتت تُباع كسلعة تجارية عادية.
تقارير أمنية تحدّثت عن كميات ضخمة من الأسلحة والذخائر، دخلت عبر الحدود من دول الجوار؛ خاصة ليبيا وإفريقيا الوسطى وتشاد، عبر تجار السلاح الذي باتت تتوافر أنواعه بسهولة.
ومؤخرا، تكونت قوات سودانية تشادية مشتركة تنتشر في 20 موقعا حدوديا بين البلدين اللذين وقعا اتفاقية أمنية في 2009.
الاتفاقية نصت على نشر قوة مشتركة لتأمين الحدود بينهما، ومنع أي طرف من دعم المتمردين في الطرف الآخر، بعد سلسلة اتهامات متبادلة بين البلدين بهذا الشأن.
ويشهد إقليم دارفور (يتكون من 5 ولايات)، نزاعا مُسلحا بين
الجيش السوداني ومتمردين منذ 2003، خلف نحو 300 ألف قتيل، وشرد قرابة 2.5 مليون شخص، وفقا لإحصاءات الأمم المتحدة.
الظروف غير مهيّأة
رئيس حركة العدل والمساواة (متمرّدة)، جبريل إبراهيم، نشر مقالا في 25 أغسطس/ آب الماضي عبر مواقع إلكترونية لصحف محلية، بعنوان "هل تهيأت الظروف لجمع السلاح؟".
إبراهيم أكد في مقاله تأييد حركته ذلك من حيث المبدأ، "وأنهم سيعملون على جمع السلاح (من عناصر الحركة) حال تحقق السلام".
واستدرك إبراهيم، بأن "الظروف في السودان والأقاليم التي يُراد جمع السلاح فيها لم تتهيأ بعد، وتلك الخطوة لا تنجح إلا عبر أصول ومقومات لا بد من وجودها".
ويفسّر بالقول، إنه "حتى يكون ذلك عادلًا ومقنعًا للمواطن، فيجب أن يبدأ النظام بنفسه في جمع السلاح من أيدي حزبه ومليشياته الخاصة".
تطبيق القانون
ويرى الخبير العسكري، عبد الرحمن حسن، أن "السلاح أصبح يشكل تهديدًا خطيرًا على المجتمعات في دارفور، بسبب الاعتداءات المتكررة على الآمنين".
وشدَّد حسن في حديثه، على "ضرورة بسط هيبة الدولة في مناطق النزاعات، وتطبيق حُكم القانون".
حسن يعتقد أن نجاح حملة جمع السلاح في دارفور، يتطلب تعويض المواطنين، وحماية أرواحهم وممتلكاتهم من حركات التمرد.
مدير معهد دراسات السلام بجامعة نيالا (حكومية)، النور جابر، بدوره يقول إن "المواطن في دارفور، اكتوى وتأذى بسبب السلاح في ولايات دارفور المختلفة".
ويضيف: "معسكرات النزوح واللجوء وحرق القرى، سببها الأساسي تدفق السلاح بشكل كثيف في أيدي
القبائل، ما أدّى إلى التدهور الأمني المريع".
وزاد جابر بالقول: "لا بد من السيطرة على حدود السودان المفتوحة مع ليبيا وتشاد وإفريقيا الوسطى".
وتابع، بأن "السلاح أصبح ظاهرة اجتماعية في القرى، ويستخدم في أعمال القتل والنهب، ويجب القبض على مافيا تجار السلاح في دارفور، وتقديمهم إلى العدالة؛ لمحاكمتهم".
ونتيجة تدهور الأوضاع الأمنية بسبب انتشار السلاح في الإقليم، طالبت السلطات السودانية، في 6 آب/ أغسطس الماضي، المدنيين الذين يملكون أسلحة وذخائر وسيارات غير مرخصة، بتسليهما لأقرب نقطة لقوات الجيش أو الشرطة بشكل فوري.
وفي 22 من الشهر ذاته، أصدر النائب العام السوداني، عمر أحمد، قرارا بإنشاء نيابة متخصصة لمكافحة جرائم الإرهاب، والأسلحة والذخيرة.
وبعد ذلك بيومين، أعلنت السلطات السودانية جمع ألف و150 قطعة سلاح غير مرخصة، ومصادرة 85 سيارة دفع رباعي غير مقننة (دخلت البلاد بطريقة غير شرعية) في ولاية شرق دارفور (غربا).
نزعه بالقوة
أما الكاتب والمحلل السياسي، أشرف عبد العزيز، فيرى أن الدولة ينبغي أن تتدخل بشكل حاسم لبدء مرحلة نزع السلاح بالقوة، رغم النجاح النسبي لحملة الجمع الطوعي.
وقال عبد العزيز: "هناك مراكز قوة ترفض بشدة عملية جمعه، باعتبار أن سلاحها وسيلة للدفاع عن النفس، في ظل وجود بعض حركات التمرد التي ما زالت تقاتل في دارفور".
وخلال الفترة 2007- 2017، وقعت أكثر من 730 معركة قبلية في الإقليم، ما أدى إلى سقوط المئات، ما بين قتيل وجريح، إضافة إلى نزوح أعداد كبيرة.
ووجدت عملية جمع السلاح تجاوبا كبيرا في الساحة السياسية السودانية، إذ دعا الصادق المهدي، زعيم "الأمة القومي"، أكبر أحزاب المعارضة في السودان، الحكومة إلى جمع السلاح بـ"طريقة سلمية".
وفي الفترة الماضية قال وزير الدفاع السوداني، الفريق أول عوض محمد بن عوف، إن "الجيش حريص على فرض هيبة الدولة، وجمع السلاح من المواطنين (في دارفور)، ولو أدَّى ذلك لاستخدام القوة".
وسبق أن قال المفوض العام لمفوضية نزع السلاح (حكومية)، صلاح الطيب، إن "العملية ستبدأ بثلاث مراحل: الأولى التوعية بمخاطره وخلق بيئة مناسبة، والثانية الجمع الطوعي ويشمل تعويضا ماليا أو إقامة مشروعات، والمرحلة الثالثة إعمال القانون أو الجمع القسري".
ولا توجد تقديرات رسمية لحجم السلاح المنتشر بأيدي القبائل في ولايات دارفور، فيما تشير تقارير غير رسمية، إلى أن مئات الآلاف من قطع السلاح تملكها القبائل، بما فيها أسلحة ثقيلة من ضمنها مدافع ورشاشات.