لا يزال البحث عن قائد وقيادة ليس للشعب المصري فحسب بل للعالمين العربي والاسلامي مستمرا ويبدو لي أنه لن يتوقف طالما بقيت حالة الشعب والعرب والمسلمين على ما هي عليه اليوم.
انظر إلى حال مصر بعد الانقلاب المشئوم وهو حال يندى له الجبين ، بين ثورة تآمروا عليها ، ودولة قفزوا فوق جثتها وجلسوا على أشلائها.
بين فقر يتزايد وحرية تتراجع ، وسجون تئن من كثرة شاغليها ، و دماء تهرق بغير ذنب ، وأموال صودرت بغير وجه حق.
بين بطالة تزيد من معدلات الجريمة وفساد يتوغل ويتوغل وينتشر بالطول العرض ، وعسكر ينتشر ويسيطر.
بين مهابة ديست تحت الأقدام وتاريخ بيع بدراهم معدودات.
بين ديون كالجبال الشامخات، وتنمية لا تكاد ترى بالعين المجردة.
مصر اليوم تراجعت عقود للوراء حتى ظننا أنه ليس بعد هذا الوراء وراء ، وتراجعت للخلف حتى ظننا أنه ليس بعد هذا الخلف خلف.
كل ذلك يدفعنا إلى السؤال الكبير: كيف يمكننا الخروج بمصر والأمة من مأزقها ، وكيف نقيل عثتنا وعثرتها وكيف نطلقها من قمقمها ونطلق من جديد ماردها كما أطلقناه ليلة الخامس والعشرين من يناير 2011 ؟
بعد أربع سنوات من البحث والتساؤل عن سر توقف المد الثوري وتعطل حركة التغيير والتمرد على النظام الانقلابي لم أجد سببا أقوى من غياب
القيادة واختفاء القائد.
لا يمكن لشعب ولا لأمة ولا لمؤسسة أن يؤتي نضالها ثماره قبل أن يكون لها قيادة حقيقية تعبر عن الجماهير وليس عن مصالحها أو مصالح من تمثله من أحزاب وجماعات.
من المستحيل أن تتنصر ثورة ويستقر لها الأمر من دون أن يكون لها قائد تلتف حوله الجماهير وليس المحاسيب أو الأحباب أو شلة المنتفعين.
لن تنتصر ثورة بلا قيادة وبدون قائد وكيف تنتصر ومن سيقوم بمهمة التفكير والتخطيط والتدبير والحشد والتعبئة والهام الناس وبعث الروح في الموتى من جديد.
كيف تنتصر ثورة وفصائلها تتناحر و قدراتها تهدر، ومواردها تتبعثر، و جمهورها يتشاجر واعلامها يتنابز وليس هناك من قائد يجمع المتفرقين ، ويردع الشاردين ، ويعيد صف المتبعثرين، ويهيئ نفوس الثائرين؟
كيف تنتصر قورة معظم فصائلها لا تؤمن بالشورى ولا بحق النضال والكفاح والردع وهي التي تحفظ أبناءها أن
الجهاد في سبيل الله هو السبيل إلى التحرر من كل قيود الاحتلال والاستبداد؟.
كيف تنتصر ثورة بلا استراتيجية وكيف تتحق استراتيجية بلا قيادة واضحة المعالم والمهام والمسئوليات والصلاحيات وآليات المحاسبة ووسائل المراقبة والمتابعة والتحقق من تحقيق النتائج؟
وكيف يمكن لقيادة أن تخرج من أرض قاحلة جرداء لا شورى فيها ولا استشارة؟ أرض غابت عنها فكرة الإبداع وإبداع الفكرة ، أرض قتلت الإبداع في نفوس المتابعين والتابعين والأعضاء والمحبين، أرض جعلت من التبعية مذهبا ودينا ، وجعلت من التفكير ذنب وخطيئة؟.
أرض جعلت من أصحاب العقول أصحاب معاص يجب أن يتوبوا من تفكيرهم ويعودوا إلى رشدهم ويعطلوا عقولهم ويبطلوا حركة فهمهم حتى ينالوا الرضا.
أرض جعلت من الماضي والماضي وحده مؤهلات المستقبل، فالقادمون من الماضي وحدهم من لهم حق صناعة المستقبل أما أبناء الحاضر فلا حق لهم سوى التمتع بالماضي حتى يضيع الحاضر والمستقبل أو لينتظروا عقودا حتى يصبح لهم ماضِ ولو بلغوا من الكبر عتيا.
القيادة أصبحت كلمة قبيحة وعيب وذنب خصوصا حين يهتف بها
الشباب الذين حيل بينهم وبين من قاموا بتأميم
الثورة وتجميدها.
وقد يقول قائل ولماذا لا تبزغ قيادة بعيدا عن هذه الفصائل؟ وهذا على ما يبدو أمر عسير خصوصا في الوقت الراهن فكل فصيل قد حصن مواقعه وسيطر على جنوده وأملى عليهم وأفهمهم أن بروز أى قيادة يعني هدم بنيانهم وزوال ملكهم.
بعض الفصائل الثورية ومثلها من يدعي الثورية أصبحت دكاكين يديرها النفر والنفرين وبالتالي فهم يعتبرون أنفسهم الثورة، ويعتقدون أنهم يقيمون الشورى ولم لا فهم نفر قليل بلا قاعدة، ومجلس إدارة بلا جمعية عمومية، أو لنقولها بصراحة البعض تحول إلى القائد والقيادة والفصيل والجمهور والجمعية العمومية، هو كل شئ ولم يبق سوى أن يهتف في الفلاة " أنا ربكم الأعلى"!!
هل يمكن للثورة أن تنتصر في ظل الواقع المشين الذي وصلت إليه فصائلها وجماعاتها؟ لا أعتقد، ولكن مرة أخرى كيف السبيل وأين الطريق؟
الطريق تبدأ من فهمنا للحرية وهل هي مرتبطة بإرادتنا نحن أم بإرادة المنظمات والمجالس والفصائل ؟ إذا كنت ممن يعتقدون أن الحرية مرتبطة بعضويتك في فصيل أو جماعة أو تيار فلا فائدة من الكلام ولا من الحوار ، لأنك ببساطة لا ولن تكون حرا حتى يعطيك الأخرون حريتك! يعني فأنت وأنا إن كنت مثلك سنظل رهينة في أيدي آخرين يعود لهم وحدهم الأمر في الثورة واللا ثورة، ستظل رهينة وستظل الثورة مجرد كلمة أو حلم لن تبلغه ولو قامت فسوف تنتظر التعليمات لكي تشارك أو لا تشارك.
نحتاج إلى قيادة وقائد ولن تمنحنا التنظيمات ولا الفصائل الراهنة قيادة ولا قائد، ولو منحوك قيادة فسوف تكون كما هي عليه الآن قيادة بلا فاعلية، وبلا محاسبة وبلا أخطاء كما يصورون أنفسهم.
نحتاج إلى تفكير من نوع مختلف، تفكير يتجاوز التبعية والانتظار إلى التحرر والإبتكار.
تفكير يستعيد به الثوار قرارهم وينتزعون به إرادتهم المختطفة والمرتهنة لدى القيادات الراهنة والمستمتعة بمواقعها.
لن تنتصر الثورة في ظل وجود هذه التنظيمات والكيانات والفصائل والجماعات.
لا بد من أرض جديدة وفكر جديد.
فكروا معي.
فصائلها ليس لديها استراتيجية واضحة وكل همِّ قادته هو البقاء في الصورة أو اللقطة حتى ولو كانت في جنازة على تأديب من يفكر خارج الصندوق وتعنيف من يناقش أو يسأل وفصل من يعارض؟.