نشرت مجلة "فورين أفيرز" تقريرا للمصورة الصحافية كنانة قدور، تقول فيه إن نظام
التعليم الذي يوفره
تنظيم الدولة لفت في السنوات الأخيرة انتباه المهتمين، خاصة ما يتعلق بالمنهاج الصادم، والدور الذي يؤديه في تلقين الأطفال وتجنيدهم.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن ذلك تعكسه أفلام الدعاية التي ينشرها التنظيم، حيث يظهر من يسميهم
الأشبال يشاركون في التدريبات العنيفة، وحتى في إعدام السجناء، لافتا إلى أن الكتب التعليمية، التي توزع بصيغة "PDF" على مواقع التواصل الاجتماعي، تغطي الجغرافيا والتاريخ وبرمجة الحاسوب والكيمياء والرياضيات واللعة الإنجليزية، و"تستخدم تمارين جافة لإضعاف الحواس تجاه العنف: أمثلة الحساب تعلمهم عد الرصاصات أو عدد جنود التنظيم، أو عدد الكفار في ساحة معركة مثلا".
وتستدرك قدور قائلة بأن "جزءا كبيرا مما يسمى النظام التعليمي لتنظيم الدولة قائم على دعايته، ومع أن تحليل تلك المادة يبين كيف يريد تنظيم الدولة العالم أن ينظر إلى نظامه التعليم كنظام -دقيق ومنظم وصارم في تجهيز الأطفال ليصبحوا مقاتلين تحت رايته- لكن هناك فرق بين الواقع والمنشور على الإنترنت، وخلال مقابلات أجريت عبر طرف ثالث مع أكثر من 20 مدرسا مدنيا سابقا وأولياء أمور تلاميذ ممن فروا إلى جنوب تركيا من المناطق التي كان يسيطر عليها التنظيم في
سوريا (خاصة في دير الزور والرقة وريف حلب) وجدت أن مدارس تنظيم الدولة في الحقيقة فاشلة جدا، وفي بعض مناطق سيطرة التنظيم فهي غير موجودة تقريبا".
وتلفت المجلة إلى أن بعض الأساتذة وأولياء الأمور الذين تمت مقابلتهم فروا من التنظيم في بداية 2014، عندما كان التنظيم يسيطر على مساحات شاسعة من سوريا والعراق، وفر بعضهم الآخر قريبا، مشيرة إلى أن قصصهم معا تشكل صورة لكيفية تطور النظام المدرسي لدى التنظيم على مر السنوات.
وينقل التقرير عن أمينة، وهي امرأة من دير الزور، علمت في الأيام الأولى من سيطرة التنظيم (تم تغيير اسمها وأسماء الأشخاص الآخرين الذين تمت مقابلتهم لهذا التقرير)، قولها إن ديوان التعليم كان فاشلا تماما؛ لأنه فشل في توفير حتى الأساسيات، مثل كتب الدراسة، فيما قال سالم، وهو مدرس آخر من دير الزور، إنه "من الخطأ تسميته ديوان التعليم أصلا".
وتورد الكاتبة نقلا عن أحمد، الذي كان يدرس في الميادين في ريف دير الزور الشرقي عام 2014، قوله إن تدريس أبناء الصف الثالث الابتدائي كان معاناة؛ لغياب المنهاج الدراسي وأي مواد دراسية، وذلك لأنه بعد سيطرة تنظيم الدولة على دير الزور في تموز/ يوليو 2014، قام الإداريون بإغلاق المدارس حتى يقوم الأساتذة كلهم بحضور دورة شرعية، مدتها شهران؛ للتأكد من أنهم جميعا على دراية بأيديولوجية التنظيم.
وتبين المجلة أنه مع أن المعلمين وعدوا بنسخ من المنهاج الكامل مطبوعا ومتضمنا لمواد الرياضيات واللغة الإنجليزية والكيمياء لطلاب المرحلة الثانوية، إلا أن تلك النسخ لم تصل، وكانت مقاعد تدريس اللغة الإنجليزية محجوزة لأطفال المقاتلين الأجانب، وليس للسوريين، مشيرة إلى أن المدرسين حصلوا أخيرا على نسخة إلكترونية من المنهاج، لكن كان عليهم أن يوفروا شريحة ذاكرة خاصة بهم، وعندما حصلوا على المنهاج وجدوا أن المحتوى كله مخصص للعقيدة الإسلامية.
ويستدرك التقرير بأنه "بالرغم من توزيع التنظيم للمواد التعليمية من خلال دعايته على الإنترنت، إلا أن الأساتذة يقولون إنه لم يصلهم شيء من ذلك مطبوعا أو محفوظا على شكل ملفات حاسوب، وبعضهم لم يعرف حتى عن وجود تلك المواد؛ لعدم توفر خدمة الإنترنت لديهم، وقال آخرون إنهم سمعوا بمنهاج على الإنترنت، لكن وصلتهم نسخ ناقصة من الكتب الإلكترونية، حيث يقول أحمد إن تنظيم الدولة منع الكتب المطبوعة من أي نوع في المدارس؛ لأن الكتب المطبوعة المتوفرة كانت صادرة إما عن حكومة بشار الأسد أو الحكومة السورية المؤقتة التي تديرها المعارضة".
وتنوه قدور إلى أن تنظيم الدولة منع تلك المواد أو أي بدائل من أن تدرس في مدارسه، وكان على الأساتذة والطلاب في الحالات القليلة التي وزعت فيها كتب من التنظيم أو ملفات "PDF"، دفع ثمن الطباعة، ولم ينتج إلا القليل من النسخ الورقية، حيث أكدت كل من سميرة وفريدة، وهما من الرقة، أن نسخ الإنترنت لم تكن كاملة، وكانت تطغى عليها مادة العقيدة، و"لذلك لم يكن غريبا أنه عندما كنت تسأل أي شخص عن التعليم في المناطق التي كان يسيطر عليها التنظيم كان الجواب في الغالب: (أي تعليم؟)".
وتقول المجلة إن معظم المشكلات التعليمية كانت تكمن في عدم استعداد تنظيم الدولة لتحمل عبء إصلاح المنشآت التعليمية، خاصة في دير الزور، حيث تعرضت المدارس لتدمير واسع، وبحسب عمر، وهو أستاذ من الرقة، فإن تنظيم الدولة كان بخيلا، ولم يرد أن ينفق على التعليم، وقال إن فتح المدارس يحتاج لنفقات كثيرة، من إصلاح للمباني إلى الكتب إلى التدفئة إلى رواتب المدرسين، وكانت تلك تكلفة كبيرة، ولم يريدوا فعل ذلك، بالإضافة إلى أن هروب المدنيين من المناطق التي سيطر عليها التنظيم جعل نسبة الحضور في المدارس قليلة، ما جعل التنظيم يحجم عن الاستثمار فيها، كما واجه ديوان التعليم مشكلة في توظيف المعلمين والمديرين المؤهلين، ومعظمهم رفض مبايعة التنظيم.
ويشير التقرير إلى أنه كان على التنظيم الاحتفاظ بقيد يتم فيه تسجيل الطلاب وحضورهم وغيابهم، وهي من ضروريات الإدارة التعليمية، إلا أن أحمد يعترف بأنه لم يعرف أعمار الطلاب لديه أو صفوفهم، فلم تكن لديه أي سجلات للطلاب، كما أن التنظيم لم يطلب أن يوفر سجلا للحضور والغياب.
وتفيد الكاتبة بأنه كان هناك أدنى مستوى من الامتحانات، والأهم من بينها القراءة والكتابة في المرحلة الابتدائية، بحسب آلاء، التي درست في قرية الباب في ريف حلب، لافتة إلى أن في الرقة قالت سميرة وابنها إنه كان لدى مديري المدارس الحرية في اختيار المواد لتعليمها، ولدى سؤالها أمهات أخريات، فإنها وجدت أن كل واحدة من المدراس العشر في الرقة كانت تدرس منهاجها الخاص.
وتذكر المجلة أن أولوية الاستثمار لتنظيم الدولة في الرعاية الصحية كانت أكبر؛ لأن التنظيم يحتاج هذا القطاع لعلاج المصابين من مقاتليه، أما التعليم فكانت أولويته متدنية بالنسبة لتنظيم الدولة، وبحسب أمير من الرقة، فإنه في الوقت الذي كان فيه ديوان الصحة يبحث عن الأطباء المؤهلين وعن غيرهم من المؤهلين في المجالات الصحية، فإن التنظيم لم يبحث عن المؤهلين للتوظيف في التعليم، مشيرة إلى أن مدير ديوان التعليم في الميادين كان مقاتلا مغربيا تم تحويله إلى المنصب بعد أن أصيب في إحدى المعارك، ولم يكن فقط تنقصه الخبرة في مجال إدارة المدارس، لكنه لم يكن قد أنهى تعليمه، فلم يحصل سوى على تعليم إعدادي، و"هذا يدل على عدم وجود أهمية للتعليم في استراتيجية تنظيم الدولة".
ويكشف التقرير عن أن المدرسين كانوا يتعرضون للتوبيخ، فعندما تقدم المدرسون بمقترحات للتحسين تم توبيخهم مباشرة، ففي 2014، وعندما اقترح مدرسون للمسؤول عن التعليم في ريف حلب فتح بعض المدارس الإضافية لاستيعاب النازحين الجدد، حذرهم المسؤول مباشرة بألا يعودوا إلى النصح لمسؤول مرة أخرى.
وتؤكد قدور أن "تنظيم الدولة كان يخشى المدرسين ويبغضهم؛ وذلك لأن معظمهم رفضوا المبايعة، وقالت معلمة من دير الزور إنه تم توبيخها هي وزملاؤها عندما كانوا يحضرون دورة شرعية بشتم (العقلية البعثية)، وهذا يعكس خوف التنظيم من اختراقه من أناس لا يؤمنون بمبادئه، ولا يثقون بالمدرسين أن يحترموا سلطة التنظيم، أو أن يقوموا بتعليم الطلاب مبادئه، وأكد معظم المدرسين الذين قابلناهم بأنهم لم يكونوا مستعدين للقيام بنشر فكر التنظيم، وبحسب أمير، فإن بعض الأساتذة قاموا بتدريس مواد غير دينية على عكس رغبة التنظيم سرا، وعندما أدرك التنظيم عدم مقدرته على السيطرة على المدارس بدأ بإغلاقها الواحدة تلو الأخرى".
وتلفت المجلة إلى أنه من عام 2015 إلى 2016، كان ديوان التعليم في سوريا ومديريات التعليم المحلية ميتة تقريبا، مشيرة إلى أنه مع حلول 2016 كانت مدارس التنظيم كلها قد أغلقت.
ويوضح التقرير أنه بسبب إعطاء تنظيم الدولة الأولوية لديوان الدعوة والمسجد لتلقين الأطفال وتجنيدهم، فإن التعليم الرسمي تحت حكمه كان شبه منعدم، حيث يقول أحد المدرسين من دير الزور: "لو لم أكن أستاذا لما سمعت حتى بشيء اسمه ديوان التعليم"، منوها إلى أن "التنظيم لم يسع لترويج النظام التعليمي بين السكان المحليين، بل إنه كان يطلب من المعلمين أن يفعلوا ذلك بالمشافهة، ومع غياب الترويج لم تمتلئ حتى المدارس التي بقيت مفتوحة".
وتختم "فورين أفيرز" تقريرها بالإشارة إلى أنه رغم أن دعاية التنظيم كانت تتحدث عن أهمية تعليم الجيل القادم من أجيال "الخلافة"، إلا أن الواقع كان غير ذلك تماما، حيث لم تكن قيمة الأطفال للتنظيم أكثر من كونهم مقاتلين محتملين.