قبل أشهر من الانتخابات الرئاسية المقبلة، تشهد أبنية وأروقة القنوات الفضائية في مدينة الإنتاج الإعلامي بمصر حركة تنقلات لمديري الإدارات على جميع المستويات من قبل
المخابرات والأجهزة الأمنية؛ بهدف توزيع مراكز القوى بين مجموعة القنوات التي اشترتها تلك الأجهزة، والأخرى الموالية، وفق مصادر إعلامية مطلعة.
ويعول نظام السيسي بقوة على المنصات الإعلامية في توجيه رسائله وخطاباته ومطالبه، من خلال إعلاميين يتلقفونها في برامجهم التلفزيونية، لمخاطبة فئات المجتمع
المصري المختلفة والمتباينة من الطبقة الفقيرة والدنيا إلى الطبقات المتوسطة والغنية.
"ترتيب الأدوار"
وكشفت تلك المصادر لـ"
عربي21" أن حركة التنقلات شملت قنوات دي إم سي، المملوكة للمخابرات بالكامل، والحياة المملوكة لشركة فالكون الأمنية، ومجموعة قنوات سي بي سي، وأون تي في، التابعة لرجال أعمال موالين للسلطة.
وأضافت المصادر أن "المدير التنفيذي لقناة دي إم سي، عماد ربيع، وغالبية إداراته، غادروا لقنوات الحياة تحت إدارة الإعلامية المثيرة للجدل، هالة سرحان، كما يغادر مدير قنوات سي بي سي، محمد هاني، مكانه لمجموعة قنوات أون تي في، التي غادرها قبل فترة مديرها ومؤسسها، ألبرت شفيق، إلى قنوات سي بي سي".
وبشأن موعد انطلاق قناة دي إم سي الإخبارية، التي تعول عليها المخابرات في صنع قناة إخبارية منافسة لقنوات الجزيرة، أكدت المصادر أن "ليس هناك موعد محدد، بعدما تردد عن موعد انطلاقها أكثر من مرة، ولكن من المرجح أن تكون بداية العام المقبل، حيث من المتوقع أن تلعب دورا بارزا في انتخابات
الرئاسة المقبلة".
"تضليل إعلامي بقوة السلاح"
وعن الأسباب التي دفعت أجهزة نظام السيسي الأمنية لإجراء مثل تلك التغييرات، قال خبير الإعلام، ومدير قناة مصر 25 سابقا، حازم غراب، إن "تلك السلطات حمقى، وتتخيل أن الإعلام أداتها المثلى في السياسة".
موضحا أن "الإعلام لا يمكن أن يغني عن السياسة في الأمد المتوسط والبعيد. السياسة هي الأصل، وما الإعلام في المدى القصير إلا كطبول الحرب في القبائل البدائية، يحمس ويحرض ويسخن، لكن لسويعات أو مدة قصيرة، وسرعان ما يفيق الناس من الصمم الناتج عن الصوت العالي".
ورأى خبير الإعلام أن إعلام الانقلاب فقد صدقيته عند معظم المصريين، ودلل على ذلك بالقول: "الدليل هو انهيار صدقية إعلام عبد الناصر فور هزيمة يونيو 67، وانزواء رموز مهمة من قياداته، كأحمد سعيد في صوت العرب"، مؤكدا أن ما يجري هو "تزوير بقوة السلاح، وليس الإعلام هو الأساس".
وذهب إلى القول إن نظام السيسي يسعى للحشد الشعبي للانتخابات المقبلة؛ وذلك بسبب أنه "من المؤكد هذه المرة ألّن يكون هناك إقبال جماهيري بشكل أكثر افتضاحا عما جرى في المرة السابقة، إضافة إلى حاجته إلى منصات لتشويه الخصوم، بالرغم من عدم وجود منافسين حقيقيين".
"تعددت القنوات ..والبوق واحد"
أما الإعلامي ومقدم البرامج، هيثم أبو خليل، فقال لـ"
عربي21": إن "الإعلام يمهد لعمل السيسي على الأرض، كما حدث في 30 يونيو"، وإن "المخابرات أدركت أهمية الإعلام، ودخلت مجاله مبكرا".
وأضاف: "السيسي قال هذا الكلام من قبل، وذكر أن الأذرع الإعلامية تحتاج إلى وقت لتأسيسها؛ لذلك هو مدرك لأهمية أثر الإعلام وتأثيره، ورأينا كيف اتسعت دائرة القنوات التي اشتراها، ولعل آخرها قنوات الحياة بنحو مليار ونصف المليار جنيه من قبل شركة فالكون الأمنية".
وعن سبب لجوء نظام السيسي ما بين شراء وإدارة القنوات، وما تشهده الساحة الإعلامية من حركة تنقلات فيما بينها، أرجع ذلك إلى أن "تعدد المنصات مهم جدا للسيسي؛ فمثلا توفيق عكاشة كان يخاطب شريحة ذكر البط، وحزمة الجرجير بها كم عود، واستبدال به أحمد موسى. وعزمي مجاهد يخاطب طبقات بعينها، كالتي في المناطق العشوائية، وعمرو أديب له طبقته الخاصة، وهكذا لكل إعلامي مريدوه".
لافتا إلى أن "الإعلام ساهم بنزول الناس للشوارع في 30 يونيو، ولم ينزلوا بالحشد المخابراتي، بل بالحشد الإعلامي؛ فهو (السيسي) مدرك أن الإعلام له دور كبير في التأثير، وما يسعى له هو عمل عملية تزييف جماعي للوعي؛ ليظهر للعالم أن المصريين معه، ولكن الأمر على الواقع مختلف تماما هذه المرة".