نشرت مجلة "فورين بوليسي" تقريرا لكل من بول ماكليري ودان دي لوس، يقولان فيه إن
تنظيم الدولة خسر تقريبا المناطق التي كان يطلق عليها الخلافة في
العراق وسوريا كلها، مشيرين إلى أن هذا لا يعني أن أمريكا ستسحب آلاف الجنود الذين أرسلتهم لمحاربة الإرهابيين.
ويستدرك التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأنه "بالرغم من السيطرة على الرقة، التي كانت عاصمة للتنظيم، وطرد التنظيم أيضا من المناطق التي كان يسيطر عليها كلها تقريبا في العراق، إلا أن قادة الجيش يخشون تكرارا لما حصل بعد انسحاب الجيش الأمريكي من العراق عام 2011، الذي أدى إلى ذوبان الجيش العراقي الجديد أمام عدة مئات من المقاتلين المتطرفين، بعد ثلاث سنوات من الانسحاب".
ويجد الكاتبان أن "هذا الأمر هو ما يدفع بالبنتاغون للإبقاء على القوات الأمريكية في العراق؛ لتقوم بدعم القوات العراقية وتدريبها لمواجهة ما يراه القادة العسكريون الأمريكيون تهديدا خطيرا، وإن كان ضئيلا، وهذا الانتشار المستمر -مثل قرار إرسال عدة آلاف جندي إضافي إلى أفغانستان- يتناقض مع انتقاد الرئيس دونالد ترامب الحاد لعمليات (بناء الدول) ولنشر القوات في الخارج بشكل مفتوح، دون تحديد موعد لسحبها".
وترى المجلة أن القتال ضد تنظيم الدولة ابتداء من صيف 2014، كان مبررا لإرسال المزيد من القوات الأمريكية إلى المنطقة، بما في ذلك 5000 على الأرض في العراق، و500 قوات عمليات خاصة في
سوريا، مستدركة بأنه مع انحسار الخطر الإرهابي الآن، فإن الإدارة لم تحدد بعد خريطة طريق دبلوماسية واستراتيجية لتوجه الوجود العسكري في العراق وسوريا.
وينقل التقرير عن ضابط الاستخبارات البحرية المتقاعد بن كونابل، قوله: "كانت هذه حملة تكتيكية متخفية كاستراتيجية منذ البداية".
ويقول الكاتبان إن "سقوط الرقة وقرب انتهاء تنظيم الدولة في سوريا يثيران الأسئلة حول مستقبل التدخل الأمريكي، بما في ذلك السؤال فيما إذا كانت تلك القوات ستواجه المجموعات التي تعمل بالوكالة عن
إيران، التي تسرع لملء الفراغ هناك".
وقال ضابط عسكري سابق لـ"فورين بوليسي": "بالتأكيد هناك نقاش حول ذلك.. وليس هناك طريق دبلوماسي إلى الأمام بعد، ولا يريد الجيش أخذ ذلك الدور دون خطة دبلوماسية".
وتورد المجلة نقلا عن مسؤولي البنتاغون، قولهم إنه بالرغم من التقدم المستمر من التحالف ضد الإرهاب، فإنه يبقى هناك حوالي 6500 مقاتل تابع لتنظيم الدولة في شرق سوريا والمنطقة الحدودية مع العراق، مشيرة إلى أن القادة العسكريين الأمريكيين يريدون مساعدة الشركاء المحليين في العراق وفي سوريا؛ لمنع تنظيم الدولة من العودة، عن طريق الاستمرار في توفير الاستشارة لهم والتسليح، بالإضافة إلى الدعم اللوجستي.
وينقل التقرير عن مسؤولين، قولهم إن التركيز تحول إلى تعقب مقاتلي تنظيم الدولة شرق الرقة بالقرب من الحدود العراقية، حيث يعتقد أن يختبئ عدد من القادة المهمين، وقال ضابط عسكري غير مخول للحديث رسميا: "نحن نخطط للمرحلة القادمة في وسط وادي الفرات، لكن ليس هناك برنامج زمني يبين وقت الانتهاء من ذلك".
وقال ضابط الاستخبارات البحرية السابق كونابل، الذي يعمل حاليا عالما سياسيا مع مركز "راند كوربوريشن": "لكن التدخل بشكل أكبر هناك يحمل معه مخاطره الخاصة به، إذا ما أخذنا في الاعتبار الوجود العسكري الإيراني والروسي، بالإضافة إلى القوات السورية وحزب الله، وكنتيجة لذلك فقد تصبح المساحة بين الرقة والحدود العراقية (منطقة محرمة)، حيث تتقاتل المجموعات المختلفة، بما في ذلك نظام الأسد، لفرض النفوذ".
ويشير الكاتبان إلى أن البعض يرى دورا للقوات الأمريكية في أجزاء أخرى من سوريا؛ لأن عملية إعادة البناء في المناطق التي استعادتها القوات الموالية لأمريكا كانت بطيئة؛ بسبب قلة التمويل من أمريكا ومن المجتمع الدولي، حيث أن كثيرا من المانحين "يريدون ضمانات أن تبقى أمريكا على الأرض في سوريا، وأنهم لن يضطروا للعمل من خلال دمشق" لتقديم المساعدات الإنسانية، بحسب الزميل في مركز "نيو أميركان سيكيوريتي" نيكولاس هيراس.
وتفيد المجلة بأن القادة في العراق يريدون الإبقاء على مهمة التدريب على قيد الحياة، حيث قال قائد القوات الأمريكية في العراق وسوريا الجنرال روبرت وايت، لمراسلي البنتاغون في وقت سابق من هذا الشهر، بأن أمريكا تفكر في "أن تعرض على الحكومة العراقية خدماتنا للاستمرار في تقديم خدمات التدريب والاستشارة لقواتهم الأمنية؛ لتستمر في بناء إمكانياتهم وطاقتهم" في الجوانب التي لا يزال فيها نقص.
ويلفت التقرير إلى أنه في الوقت ذاته فإنه يمكن للقوات الأمريكية أن تساعد في توفير ما يكفي من الأمن لجلب الاستقرار إلى الأجزاء التي تمزقها الحرب في العراق، ويقول الضباط العسكريون إنهم يعملون مع وزارة الخارجية الأمريكية وغيرها من المؤسسات الأمريكية؛ لبذل الجهود في إعادة البناء والاستقرار، بعد تحقيق المزيد من التقدم ضد تنظيم الدولة، مشيرا إلى أنه كما هو الحال في سوريا، فإن الأمن على الأرض شرط مسبق للمجموعات التي تقدم المساعدات لتستطيع العمل بفعالية.
ويبين الكاتبان أنه "بعد المواجهة هذا الأسبوع بين الحكومة العراقية المركزية والأكراد العراقيين، فإن هناك تبريرا آخر لإبقاء القوات الأمريكية، بحسب المسؤولين الحاليين والسابقين، فقد تساعد في تشكيل توازن للنفوذ الإيراني المتزايد، وتساعد في تهدئة التوتر بين بغداد وأربيل".
وتنوه المجلة إلى أنه نظر إلى دعم إيران للمليشيات التي ساعدت بغداد على استعادة مدينة كركوك من البيشمركة هذا الاسبوع على أنه كان انتصارا لجهود طهران لأداء دور أكبر في العراق.
ويذهب التقرير إلى أنه بالرغم من الكثير من النجاحات الميدانية ضد تنظيم الدولة في كل من العراق وسوريا، إلا أن المسؤولين العسكريين لا يرون في الأفق اللحظة المناسبة لرمي الكرة في الهدف.
وتختم "فورين بوليسي" تقريرها بالإشارة إلى قول أحد الضباط العسكريين: "إنها ليست معركة تقليدية، وهذا يعني أننا لم ننته في نقطة معينة.. فليس هناك مسار واضح".